يسجل العقم نسبا مرتفعة عالميا تبلغ 30 بالمائة للنساء و40 بالمائة للرجال وفي تونس لا يختلف الأمر كثيرا إذ أن أسباب هذا الارتفاع تتشابه فأغلبها يعود لتغيير نمط الحياة الاقتصادي والاجتماعي وظهور النزعة الفردية والرغبة في النجاح المهني، التي يمكن أن تمنح بعض الاستقرار في ظل الفوضى وعدم الأمان الاقتصادي، الذي يعاني منه العديدون ليصبح مشروع الأبوة أو الأمومة مؤجلا للبعض وحلما صعبا للبعض الآخر خاصة وأن تطور طب التوليد الاصطناعي لم يحقق حلم الجميع فالحصول على طفل بعيدا عن الحمل التلقائي يتطلب الكثير من المراحل منها ما هو مرتبط بالجانب الطبي ومنها ما هو في علاقة بالمسألة الأخلاقية والدينية والقانونية.. علاج العقم اتخذ منحى بحثيا بيولوجيا في الغرب بلغ حد التبرع بالبويضات والحيوانات المنوية لمن يرغب في الإنجاب هذا دون الحديث عن المتاجرة في هذه المسألة عبر خدمة تأجير الأرحام والأم الحاضنة أو البديلة. في تونس وغيرها من المجتمعات العربية، التي يحكمها الشرع والمشرع المستوحى في جانب منه من الفقه التشريعي المسألة مختلفة... «الصباح الأسبوعي» بحثت في هذا التداخل بين الأخلاقي والديني والعلمي اعتمادا على الحالات، التي تلجأ للطرق الحديثة في المساعدة على الولادة خاصة منها قضية تجميد البويضات والحيوانات المنوية والجنين لأسباب مختلفة.. ولماذا يسند الحق في استخدام هذه التقنية فقط لمن يعانون من أمراض سرطانية ولا يمكن أن يكون للمرأة أو الرجل خيار التمتع بهذه التقنيات في ظل تأخر سن الزواج في تونس ولرغبة في تأجيل الانجاب أو لبلوغ بعض الفتيات سن اليأس مبكرا؟. تونس متقدمة في مجال طب التوليد الاصطناعي كشف الدكتور مروان براهم، الأستاذ الجامعي المساعد في طب النساء والتوليد والمساعدة على الإنجاب بمستشفى عزيزة عثمانة ،ل»الصباح الأسبوعي» أن العلاج الكيمائي أو بالأشعة يمكن أن يتسبب في توقف الإباضة عند السيدات لذلك يلجأن لتجميد البويضات وأن هذه العملية تتم قبل بداية خضوعهن للعلاج من السرطان كما يمكن في هذا الإطار تجميد المبيض كذلك إلى جانب إمكانية تجميد الجنين، الذي يكون في عمر اليومين أو 3 أيام أو 5 أيام بالنسبة إلى المتزوجات. وعن مسألة تجميد البويضات للمرأة غير المتزوجة والتي لم تتعرض لخطر السرطان وترغب في الإقدام على هذه الخطوة للحفاظ على فرصها في الإنجاب مستقبلا، بين نائب مدير مركز المساعدة على الإنجاب بمستشفى عزيزة عثمانة الدكتور مروان براهم أن تجميد بويضات المرأة أو الحيوانات المنوية للرجل لا يتم خارج الأطر المضبوطة حسب قانون سنة 2001. على صعيد متصل ، أشاد الدكتور مروان براهم بالمجهود الكبير، الذي يبذله كل العاملين بمركز المساعدة على الإنجاب بمستشفى عزيزة عثمانة معتبرا هذا القسم الطبي فخرا لتونس خاصة وأنه أول مركز من هذا النوع في المغرب العربي وهو الوحيد في ولاية تونس إلى جانب مركز آخر بمدينة سوسة كما أنه يتمتع بصيت كبير على مستوى انجازاته التي تضاهي نجاحات في الغرب ويعد ومركز مشابه في جنوب إفريقيا الوحيدين بكامل القارة ولا يوجد في المنطقة العربية مثل هذه المراكز إلا واحد في الأردن. ويعمل مركز المساعدة على الإنجاب على علاج حالات تعاني من صعوبة في الإنجاب أو العقم من خلال اعتماد حلول حديثة ومتقدمة في هذا المجال منها التلقيح الاصطناعي (الحقن المجهري وطفل الأنبوب). وعن مدى تفاعل واستيعاب الأزواج التونسيين لهذه الحلول المساعدة على الإنجاب، أكد محدثنا أن مركز المساعدة على الإنجاب يحظى بثقة كبيرة من قبل المرضى ويفضلون اللجوء لخدمات هذا المستشفى العمومي على البحث عن خيار آخر 2500 ثنائي متزوج تقدموا في 2017 لتجميد البويضات وبلغة الأرقام، كشف الدكتور مروان براهم ل»الصباح الأسبوعي» أن مركز المساعدة على الإنجاب استقبل السنة المنقضية 2500 ثنائي متزوج نجح في مساعدة 1200 منهم على الإنجاب وتم تجميد 100 حالة سنة 2017 لمرضى يعانون من السرطان (كما تم يوم الخميس المنقضي تجميد حالتين) مضيفا أن عملية التجميد انطلقت مع الرجال منذ سنة 2010 ومع النساء في نهاية سنة 2014. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن سنة 2016 سجلت إجراء 650 طفل أنبوب و120 حالة تجميد و250 عملية تلقيح اصطناعي بمركز المساعدة على الإنجاب التابع لمستشفى عزيزة عثمانة. رأي الشرع:طفل الأنبوب حرام وتجميد البويضات محلل في هذه الحالات أفادنا الشيخ والإمام الخطيب بجامع الزيتونة محمد كمال سعادة أن طفل الأنبوب محرم شرعا باعتباره يحمل شبهة في مسألة «ماء المرأة « فالآليات الطبية المستخدمة مّادية وبالتالي قلما وندر أن يتوفر عامل الثقة ومن هنا حرمت المسألة وحسب أحد قواعد المذهب المالكي وهي قاعدة «شد الذريعة»: «الشيء الذي يطرأ عليه نقائص لا يعول عليه ولا يؤدي للحقيقة وليس بحل». وبين محدثنا أنه من المحرم استخدام الرحم في غير محله ودون عقد زواج وأن تجميد البويضات لا يمكن أن يعتمد إلا إذ كان لغاية التنظيم أو القطع والإنجاب مستقبلا فيمكن اعتماده على غرار «الآلة»، التي تدخل في تنظيم الحمل وهي من الطرق الشرعية مشيرا إلى أن الصحة الإنجابية وتنظيمها كان معمولا بها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام من خلال «العزل» وهي إراقة المني خارج فرج المرأة. رأي القانون:بتحريك السواكن يمكن تغيير قانون تجميد البويضات أوضح أستاذ القانون سليم دربالة في تصريحه ل»الصباح الأسبوعي» أن الحمل والإنجاب وكل ما يتعلق بهذه المسألة ينتمي لمرتبة نبيلة غيرقابلة للمتاجرة، حيث يوفر لها القانون التونسي الحماية اللازمة كما يقنن مسألة الإنجاب الصناعي. وعن ارتباط تجميد البويضات والسائل المنوي بحالات معينة وهي مساعدة المتزوجين على الإنجاب أو توفير فرصة إنجاب للخاضعين لعلاج كيميائي أو علاج بالأشعة بعد شفائهم دون أن تكون هذه العملية خيارا شخصيا لتأجيل الإنجاب، أكد المحامي سليم دربالة في هذا الإطار أن المسألة متشعبة.. يختلط فيها الجانب الديني بالأخلاقي والمشرع لا يتقدم بالمجتمع في هذه القضية على عكس الوضع الذي أسست خلاله مجلة الأحوال الشخصية فرغم رفض غالبية المجتمع في ذاك الزمن لمضامين القوانين الداعمة للمرأة والطفل وقع تطبيقها فكان المشرع قاطرة للتقدم. أمّا في مسألة تجميد البويضات واعتماده كخيار شخصي للمرأة يمنحها الحق في تجميد بويضاتها واستخدامها حين تحتاجها لاهتمامها بمسيرتها المهنية أو لتأخرها في الزواج وخوفها من عدم الإنجاب مستقبلا يحتاج الامر لتحريك السواكن وفتح باب النقاش على غرار مسألة المساواة في الإرث مضيفا أن المشرع يضع حدا لمسألة المتاجرة فالأم الحاضنة، التي تنال أموالا عن عملها تعتبر تجارة ومن المستبعد أن تعتمد في القوانين التونسية كما ان مسألة التبرع بالبويضات أو السائل المنوي مرفوضة على عكس عديد الدول الغربية التي تملك «بنكا للتبرعات» في هذا المجال الطبي.