أكّد عبد القادر اللباوي المدير العام للمدرسة الوطنية للمالية في تصريح ل"الصباح الأسبوعي" أنّ "تفعيل منظومة الإدارة الالكترونية وإنجاحها يتطلّبان توفير الموارد المالية اللازمة "لإرساء منظومات معلوماتية متكاملة وتفاعلية ومترابطة فيما بينها حتى نضمن تواصل الإصلاحات صلبها. " وأضاف اللباوي " الحكومة عبر وزارة تكنولوجيات الاتصال قد ضبطت بعد برنامجا وطنيا طموحا لإرساء منظومة معلوماتية مندمجة . غير أن وضع هذا البرنامج يتطلب جملة من التحضيرات والممهدات، حيث تستوجب وضع ترسانة من القوانين في علاقة بالمعلومات الضرورية والأكيدة لعمل الإدارة والتي تتصل بالسرّ البنكي والسرّ المهني في ظل وجود قوانين تكرس حماية المعطيات الشخصية، من ناحية وقوانين أخرى تضمن حرية النفاذ إلى المعلومة ". وأوضح اللباوي أنّ "الإشكالية القائمة تتمثل أساسا في عدم قدرة بعض المؤسسات العمومية والخاصة عن الإفصاح عن معطيات ووضعيات الأشخاص والشركات التي تحميها قوانين كقانون حماية المعطيات الشخصية. وفي المقابل يتطلب تعميم وتفعيل منظومة الإدارة الالكترونية تخصيص معرّف الكتروني أو رقمي أي بطاقة تعريف الكترونية لكلّ مواطن حتى تحصل الفائدة وتحقق الأهداف المرجوة من هذا النظام الالكتروني". تنافر وتناقض بعض النصوص القانونية كما أضاف اللباوي أن "الأرضية القانونية شبه متوفرة الآن إلى جانب الإرادة السياسية وما ينقص عمليا هو ضبط الأوليات وتوفير الموارد المالية التي تتحدّد وفق الأهداف المراد الوصول إليها وفق برنامج مرحلي مفصل ودقيق". إشكالية أخرى عرّج عليها عبد القادر اللباوي بخصوص تنافر بعض النصوص القانوينة وتناقضها في بعض الأحيان كقانون حقّ النفاذ إلى المعلومة من جهة وحماية المعطيات الشخصية من جهة أخرى، إلى جانب القوانين الخاصة لبعض الوزارات والمؤسسات العمومية التي تتيح النفاذ إلى المعلومة وهو ما يستوجب الوقوف عليها مطولا حتى لا تحصل تناقضات تضر بمصلحة الدولة وأيضا بالأشخاص. في المقابل قال مدير عام المدرسة الوطنية للمالية إنّ تعميم الإدارة الالكترونية في تونس سيمكن من توفير عائدات للمالية العمومية تقدّر ب 60 مليار دينار في غضون 10 إلى 15 سنة. حوكمة رقمية لضمان الشفافية وأشار اللباوي خلال ندوة نظمتها المدرسة الوطنية للمالية في العاصمة يوم الخميس 28 ديسمبر 2017 تحت عنوان "الحوكمة الرقمية للقطاع العمومي إلى " أنّ تونس قطعت شوطا محترما في إرساء الحوكمة الرقمية، مشددا على أهميتها لضمان شفافية وسرعة وجودة الخدمات المسداة، و تمكين الإدارة من مزيد التحكم في كلفة الخدمة العمومية". وأضاف أنّ "الإدارة الإلكترونية ستجعل من المستحيل على الإدارة أو العون الإداري استخدام نفوذه أو موقعه لتقديم خدمة عمومية على خلاف الصيغ القانونية من قبيل الحصول على منفعة مباشرة أو غير مباشرة لنفسه أو لغيره أو السقوط في المحسوبية والمحاباة سواء على أساس التفضيل الشخصي أو الجهوي أو الانتماء الحزبي أو السياسي وهو أمر طالما عانى منه الاقتصاد في تونس قبل وبعد الثورة باعتباره ضربا من ضروب الفساد" في هذا السياق قال اللباوي إن "الدراسات الأخيرة في هذا المجال تؤكد أن ما يربو عن 12٪ من حجم المعاملات والخدمات العمومية السنوية تتم على أساس محاباة أو محسوبية أو يشوبها نوع من الفساد بمختلف وسائله وآلياته وتمظهراته وتمس العديد من القطاعات الحيوية، بدرجات ونسب متفاوتة، وهو ما يبلغ في المعدل ما بين 1.5 و ملياري دينار سنويا". استمرارية المرفق العام والحياد وقد شدد مدير عام المدرسة الوطنية للمالية في هذا الاتجاه على أن "الملتقى الوطني الثاني للحوكمة يتنزل في إطار مزيد التحسيس والتوعية بضرورة اعتماد مقاربة وطنية شاملة لحوكمة التصرف في الشأن العام طبقا للمبادئ والقواعد المنصوص عليها ضمن الفصل 15 من الدستور الذي يدعو إلى إرساء " إدارة عمومية تكون في خدمة المواطن والصالح العام. تنظم و تعمل وفق مبادئ الحياد و المساواة و استمرارية المرفق العام ووفق قواعد الشفافية و النزاهة و النجاعة و المساءلة". وعلى هذا الأساس قال اللباوي "تم وضع مرجعية وطنية للحوكمة تتمثل أساسا في توفير الخطوط التوجيهية (les lignes directrices) والمتطلبات (les exigences) من أجل حوكمة مواطنة و مسؤولة داخل الهيئات والهياكل العمومية و الخاصة، إلى جانب توفير إطار مدعّم وتدريجي لانخراط كل الهياكل والمؤسسات العمومية و الخاصة في تكريس مسار الحوكمة الرشيدة على قاعدة مبادئ الحياد و المساواة واستمرارية المرفق العام وفق قواعد الشفافية و النزاهة و النجاعة والمساءلة وذلك باعتماد مقاربة موحدة وآليات شفافة لتعزيز مقومات النزاهة والوقاية من الفساد و تفعيل المسؤولية المجتمعية لكافة الأطراف". وبيّن اللباوي أنه إضافة إلى "حوكمة المالية العمومية التي تعد منظومة التصرف في الميزانية حسب الأهداف جنبا إلى جنب مع التصريح عن بعد والإضبارة الجبائية اللامادية، إحدى أهم ركائزها، تمثل الإدارة الإلكترونية أحد أهم مقومات ومظاهر حوكمة القطاع العمومي في تونس لما تضمنته من سرعة وجودة في إسداء الخدمة العمومية من ناحية وما تؤمنه من شفافية على مستوى التصرف العمومي من ناحية ثانية". كذلك و وفق اللباوي فان "اعتماد الحوكمة الرقمية أسلوبا في إدارة الشأن العام يمكّّن ليس فقط من التحكم في الكلفة بل يتيح فضلا عن ذلك السرعة في إنجاز العمل والمساعدة في اتخاذ القرار بالتوفير الدائم للمعلومات بين أيدي متخذي القرار، وخفض تكاليف العمل الإداري مع رفع مستوى الأداء، و تجاوز مشكلة البعدين الجغرافي والزمني، ومعالجة البيروقراطية والرشوة، وتطوير آلية العمل ومواكبة التطورات، ورفع كفاءة الأعوان العموميين والارتقاء بقدرة الهياكل والمؤسسات العمومية على الأداء".