عرفت تونس بعد الثورة التي اطاحت بالنظام السابق ، اجتياحا لظاهرة الفساد الذي نخر جميع اجهزة الدولة و يعزو مراقبون هذا الامر لتراخي الحكومات المتعاقبة وتخاذلها في معالجة المسألة وغياب الإرادة السياسية في مكافحة هذه الظاهرة ويطالب الخبراء بضرورة دعم أجهزة الرقابة ومراجعة التشريعات والقوانين الموروثة عن النظام السابق لمكافحة ظاهرة الفساد إلى جانب ترسيخ ثقافة مقاومة الفساد لدى المواطنين. و بالرغم من ان تونس قطعت شوطا مهما في ارساء الحوكمة الرقمية الا ان الدراسات الاخيرة في هذا المجال تؤكد ان ما يربو عن 12 بالمئة من حجم المعاملات و الخدمات العمومية السنوية تتم على اساس المحاباة و المحسوبية او يشوبها نوع من الفساد. وأشار المدير العام للمدرسة الوطنية للمالية عبد القادر اللباوي خلال ندوة نظمتها المدرسة الوطنية للمالية في العاصمة يوم الخميس 28 ديسمبر 2017 تحت عنوان" الحوكمة الرقمية للقطاع العمومي إلى أن تونس قطعت شوطا محترما في إرساء الحوكمة الرقمية، مشددا على أهميتها لضمان شفافية وسرعة وجودة الخدمات المسداة، وتمكين الإدارة من مزيد التحكم في كلفة الخدمة العمومية ." وأضاف ّ أن" الإدارة الإلكترونية ستجعل من المستحيل على الإدارة أو العون الإداري استخدام نفوذه أو موقعه لتقديم خدمة عمومية على خلاف الصيغ القانونية من قبيل الحصول على منفعة مباشرة أو غير مباشرة لنفسه أو لغيره أو السقوط في المحسوبية والمحاباة سواء على أساس التفضيل الشخصي او الجهوي أو الانتماء الحزبي أو السياسي وهو أمر طالما عانى منه الاقتصاد في تونس قبل وبعد الثورة باعتباره ضربا من ضروب الفساد" و لاحظ اللباوي إن" الدراسات الأخيرة في هذا المجال تؤكد أن ما يربو عن ٪12 من حجم المعاملات والخدمات العمومية السنوية تتم على أساس محاباة أو محسوبية أو يشوبها نوع من الفساد بمختلف وسائله وآلياته وتمظهراته وتمس العديد من القطاعات الحيوية، بدرجات ونسب متفاوتة، وهو ما يبلغ في المعدل ما بين 5.1 و ملياري دينار سنويا." و أكّد نفس المصدر ، أن" تفعيل منظومة الإدارة الالكترونية وإنجاحها يتطلّبان توفير الموارد المالية اللازمة" لإرساء منظومات معلوماتية متكاملة وتفاعلية ومترابطة فيما بينها حتى نضمن تواصل الإصلاحات صلبها" . وأضاف اللباوي ، ان " الحكومة عبر وزارة تكنولوجيات الاتصال قد ضبطت بعد برنامجا وطنيا طموحا لإرساء منظومة معلوماتية مندمجة . غير أن وضع هذا البرنامج يتطلب جملة من التحضيرات والممهدات، حيث تستوجب وضع ترسانة من القوانين في علاقة بالمعلومات الضرورية والأكيدة لعمل الإدارة والتي تتصل بالسرّ البنكي والسرّ المهني في ظل وجود قوانين تكرس حماية المعطيات الشخصية، من ناحية وقوانين أخرى تضمن حرية النفاذ إلى المعلومة." وأوضح اللباوي ّ أن" الإشكالية القائمة تتمثل أساسا في عدم قدرة بعض المؤسسات العمومية والخاصة عن الإفصاح عن معطيات ووضعيات الأشخاص والشركات التي تحميها قوانين كقانون حماية المعطيات الشخصية .وفي المقابل يتطلب تعميم وتفعيل منظومة الإدارة الالكترونية تخصيص معرّف الكتروني أو رقمي أي بطاقة تعريف الكترونية ّ لكل مواطن حتى تحصل الفائدة وتحقق الأهداف المرجوة من هذا النظام الالكتروني ." كما أضاف اللباوي أن" الأرضية القانونية شبه متوفرة الآن إلى جانب الإرادة السياسية وما ينقص عمليا هو ضبط الأوليات وتوفير الموارد المالية التي ّ تتحدد وفق الأهداف المراد الوصول إليها وفق برنامج مرحلي مفصل ودقيق." إشكالية أخرى عرّج عليها عبد القادر اللباوي بخصوص تنافر بعض النصوص القانونية وتناقضها في بعض الأحيان كقانون حق النفاذ إلى المعلومة من جهة وحماية المعطيات الشخصية من جهة أخرى، إلى جانب القوانين الخاصة لبعض الوزارات والمؤسسات العمومية التي تتيح النفاذ إلى المعلومة وهو ما يستوجب الوقوف عليها مطولا حتى لا تحصل تناقضات تضر بمصلحة الدولة وأيضا بالأشخاص. في المقابل قال مدير عام المدرسة الوطنية للمالية ّ إن تعميم الإدارة الالكترونية في تونس سيمكن من توفير عائدات للمالية العمومية ّ تقدر ب 60 مليار دينار في غضون 10 إلى 15 سنة.