كانت للبنك الدولي الأسبوع الماضي زيارة على مستوى الخبراء إلى تونس حيث التقى عددا من المسؤولين عن القطاعات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتمت دعوة حكومة يوسف الشاهد إلى التسريع في نسق تنفيذ ما تبقّى من الإصلاحات المطلوبة من تونس باعتبار مردوديتها على النمو والتوازنات الجملية... وفد خبراء البنك الدولي كانت له وجهة نظر و»تدخلّ» في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2018، وقدّم وجهة نظره وشروطه باعتبار أن البنك، ومثلما حصل في السنة الماضية، من المقرر أن يقدّم دعما للميزانية مقابل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة. يشار إلى أن البنك الدولي قدّم، خلال سنة 2017، دعما للميزانية بلغ 500 مليون دولار مع تعهّد الحكومة بالمضي قدما في إصلاحات بعضها كان مرفوضا من قبل الهياكل النقابية والاجتماعية وحتى العامة. البنك الدولي واصل ضغوطاته على الحكومة التونسية من اجل تنفيذ ما اتفق عليه من إصلاحات هادفة إلى دفع النمو الاقتصادي والحد من الضغط على المالية العمومية. تدخل البنك الدولي وكذلك صندوق النقد يبدو واضحا في مشروع قانون المالية الذي يواجه انتقادات ورفضا من كل الشرائح الاقتصادية والاجتماعية تقريبا رغم ان المؤكد انه ليس للحكومة بدائل في اغلب إجراءاتها وخياراتها في ظل غياب الموارد والاعتماد بشكل كبير على الجباية كمورد أول لميزانية الدولة.. وهو ما يجعل الحكومة خاضعة للبنك الدولي وصندوق النقد من اجل دعم ميزانية البلاد. لكن هذا الدعم يبقى مشروطا ربما بتغيير النظام الاقتصادي الذي يقوم حاليا على نسق مرتفع للاستهلاك العمومي وكتلة أجور مرتفعة ونظام دعم مطلوب مراجعته ونظام تقاعد مرجح للتعديل.. مشروع ميزانية جاء في ظل نمو ضعيف وتراجع قيمة صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية وخاصة الاورو والدولار، وارتفاع الأسعار وتزايد حدة التضخم وصعود نسبة الدّين وضعف الاستثمار.. هذا الوضع الصعب جعل الحكومة التونسية ترضخ لشروط البنك الدولي وصندوق النقد المطالبة بالإصلاحات الهيكلية في عديد المجالات والقطاعات الحساسة وخاصة فيما يتعلق بإصلاح قطاع الوظيفة العمومية بما يتيح جودة الخدمات وتقليص كتلة الأجور وتجميد الزيادات إلى حدود سنة 2020.. ووضع إجراءات لدعم التصرف في المداخيل تمكن من جمع عادل للضرائب والأداءات القمرقية وإضفاء المزيد من المرونة في ما يتعلق بسعر صرف الدينار... الأكيد أن التجاذب بين ما تطالب به الحكومة التونسية من قبل البنك الدولي وصندوق النقد من جهة وصعوبة تحقيق المعادلة بين تلك المطالب والواقع الاجتماعي للبلاد من جهة أخرى ستظهر ملامحه خلال مناقشة مشروع قانون المالية صلب مجلس نواب الشعب والأكيد أن التعديلات صلب المشروع لن تكون بالدرجة الكبيرة أمام ضعف الخيارات وانعدام البدائل...