ما من شك أن الانتخبات الموريتانية كانت محل عناية فائقة وإشادة وتقدير من كل شركاء موريتانيا في العالم كله وخاصة الباحثين عن الحرية ونشر الديمقراطية وما من شك كذلك في أنها كانت نقلة نوعية ليس في موريتانيا وحدها ولكن على الأقل في المنطقة العربية وهذا هو السر في تلك الإشادات من كل الشركاء الدوليين والإقليمين والفاعلين السياسيين الوطنيين، وإن كان المردود من العملية بمقاييس التغير دون كل التوقعات وأقل بكثير من الثمن الذي دفع فيها ..؟. هذا إذا فترضنا أن الشوط الثاني نتج عنه تغير بفوز قوى التغير أما إذا نجحت قوى الظلام والفساد: المالي ، والإداري ، و القبلي ، والسياسي ، والأخلاقي ، وكل ماله صلة بمفهوم العمران ، والدولة ، فلست أدري حين إذ ما محل كل ماقيل ويقال من الكلام والتنظير ..؟؟؟. ما من شك في هذا كله ، لكن الأمر الثاني الذي لا شك فيه وهو الأكثر وضوحا وإيلاما والأخطر على الحرية والديمقراطية والتنمية ومستقبل البلد كله : هو أن الانتخابات كانت بمتيا ز نجاحا كاسحا للعدو الحقيقي والرئيسي : للحرية ، والديمقراطية ، والعدالة ، والتنمية آمال وطموح الشعب الموريتاني وحاجياته ،فقد جاء النجاح في هذه الانتخابات لصالح : تحالف : القبيلة ، والجهة ،والمخبرات ، وما فيا المال : تحالف شركاء: الفساد ، والضياع ، الذي حل بالبلد منذ 20 سنة هي مدة اتساع الفجوة بيننا وبين كل ما يمت بصلة للحداثة ومفهوم الدولة وحماية حقوق الإنسان وبسط العدالة والحرية وتكافؤ الفرص مقومات الديمقراطية ودولة المؤسسات وشروط التنمية المتعارف عليها دوليا والتي يبحث عنها المواطن العادي . نعم كانت العملية الانتخابية سادتي وكما تقول الأرقام نجاحا لذلك الحلف غير المقدس، والعدو للدولة ، وللمدنية ، وللإنسانية ، ولغة الأرقام هي أصدق دليل وأكبر برهان على صحة ما ذهبنا إليه ، فقد كان نجاح من نجح بفعل تلك العوامل وحدها دون غيرها من برامج ومؤسسات : - القبلية – الجهة – المال – المخابرات – والاستثناء ربما الوحيد هو ما حدث في بعض مناطق الجنوب -وطبعا بمنطق النسبية- : كوركل وكيد ماغه ، وفي الشمال داخلت نواذيب. والنظرة السريعة على نتائج الإنتخابات هي أصدق برهان على ما نقول وسنكتفي هنا بعرض نتائج المرشح الأول في فريق مايسمابالموالاة ، والمرشح الأول في فريق مايسمابالمعارضة مفسحين بذلك المجال للغة الأرقام أن تتحدث عن النتائج وما يمكن أن يستخلص منها ويستنتج فمثلا: النتائج على مستوى ويلايات الوطن الثاثة عشرة كانت على النحو التالي : أولا: نجح ما يسمى : بتكتل الموالاة في الويلا يات التالية : -الحوض الشرقي بنسبة 55 0/0 -ويلاية آدرار بنسبة65 0/0 - ويلاية الحوض الغربي بنسبة 48 0/0 - ويلاية لعصابة بنسبة 52 0/0 - ويلاية تكانت بنسبة 62 0/0 -ويلاية إنشري بنسبة 49 0/0 . واضح للخبير بساحة الموريتانية وانتماء المرشحين الذين حصلوا على تلك النتائج :حضور العوامل الثلاثة وبترتيب: - القبيلة – الجهة – المال – المخابرات وهي العوامل التي تحكمت في كل ماجري في البلد ويجري والتي وجد المجلس العسكري نفسه لها أسيرا وخادما إن لم يكن متواطئا معها . ثانيا : نجح ما يسمى : بإتلاف المعارضة في الولايات التالية : - ويلاية كوركل بنسبة 51 0/0 - ويلاية كيد ماغه بنسبة 68 0/0 - – ويلاية نواكشوط بنسبة 60 0/0 – ويلاية لبراكنه50 0/0 – ويلاية تيرس زمور بنسبة53 0/0 – ويلاية الترازه بنسبة 67 0/0 . وللذين كذلك يعرفون الانتماءات القبلية للمرشحين تظهر لهم صورة تأثير العوامل السابقة وحدها أكثر واضوحا وقوة . فالمؤشر القبلي هنا هو سيد الموقف فمثلا : الحوض الشرقي : الأول فيه هو الزين ولد زيدان 3337 والسبب المباشر في ذلك أن الحوض الشرقي هو الذي تسكنه قبيلة الزين وإن كانت ليست بأكثرية من حيث العدد فيه . ولذي يليه من المعارضة هو مسعود ولد بالخير وهو الآخر ينحدر من نفس الويلا ية 1446. - الحوض الغربي: الأول فيه : سيدي ولد الشيخ عبد الله 1918 نعم إنه ليس من مواليد الويلاية لكن قادة كتلة الميثاق الذين يدعمونه أغلبهم من الزعامات القبلية لنفس الولاية ومن أكبر ما فيا الفساد والمال فيها وفي البلد . ولذي يليه من المعارضة هو صالح ولد محمد ولد حننا 1551 المنحدر من نفس الويلاية والتي هي موطن قبيلته وإن كانت هي الأخرى لا تشكل غالبية سكانها . - لعصابة : الأول فيها : سيدي ولد الشيخ عبد الله 1250 صوت ونفس ما قيل عن المرشح سيدي وكتلة الميثاق في الحوض الغربي يقال هنا عن لعصابة والذي يليه من المعارضة هو أحمد ولد دادا ه و الذي تقطن ويلاية لعاصبة نسبة مقدرة من المنحدرين من ويلايته وقبيلته 536 صوت. - كوركل : الأول فيها : مسعود ولد بالخير وهنا غاب المؤشر القبلي كعامل حاسم لأن مسعود من مواليد الحوض الشرقي وإن كان له حلفاء ينحدرون على العموم من شرحة تقطن تلك الويلاية حصل على : 979 صوت. والذي يليه من الموالاة هو سيدي ولد الشيخ عبد الله 773 صوت. - كيدي ما غه : الأول فيها مسعود ولد بلخير 1872 ونفس ماقيل عن كوركل فيه يقال عنه هنا في كيد ماغه . و والذي يله هو سيدي ولد الشيخ عبد الله 912 صوت ونفس المؤشر السابق هو الذي تحكم هنا . - تكانت الأول : سيدي ولد الشيخ عبد الله5158 صوت وما قلناه في الحوض الغربي والعصابة نقوله هنا عنه في تكا نت فهي نفس العوامل والمؤشرات الدالة السابقة . و والذي يليه من المعارضة هو أحمد ولد داداه 2242 صوت ونفس ماقيل عن طبيعة سكان مقاطعة كيفه يقال هنا عن تكا نت في حق المرشح أحمد ولد داداه . - أدرار الأول فيها هو : الزين ولد زيدان 5084 والمؤشرات هنا واضحةفا لقبلي والمالي سبقا ولإاستخباراتي لحق فالزين هو مرشح قبيلة الرئس الأسبق ولد الطائع . و والذي يليه من المعارضة هو مسعود ولد بالخير 1451 صوت وما قيل عنه في ويلايات الجنوب يقال عنه هنا . - تيرس زمور الأول فيها هو : سيدي ولد الشيخ عبد الله 3142 صوت وما قيل عن الحوض الغربي والعصابة وتكا نت يقال عنه هنا عن ويلاية تيرس زمور. والذي يليه من المعارضة هو مسعود ولد بلخير 2620 صوت وما قيل عنه سابقا يقال عنه هنا . - داخلت نواذيب الأول فيها هو مسعود ولد بلخير 6834 صوت وهنا غاب المؤشر القبلي بالشكل الحاد وحضرت ربما مغريات الوعود. والذي يليه من الموالاة هو الزين ولد زيدان 6025 صوت ومعه كان المؤشر القبلي والمالي حاضرا بقوة . - ولاية انشري الأول : سيدي ولد الشيخ عبد الله 1060 وما قيل عن الحوض الغربي والعصابة وتكا نت يقال هنا عن انشري يضاف إلى ذلك أن زوجته والتي لها كل الحضور في عمله من نفس الويلا ية. و والذي يليه من المعارضة هو أحمد ولد داداه 948 صوت وما قيل عنه في لعصابة وتكا نت يتنزل هنا كذلك . - لبراكنة : الأول فيها سيدي ولد الشيخ عبد الله 2557 صوت وهذه هي ويلايته وموطن قبيلته والتي لا توجد في غيرها. و والذي يليه من المعارضة هو أحمد ولد داداه 1450 وقبيلته تتقاسم الويلاية مع قبيلة سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. - ويلاية الترازة : الأول فيها هو أحمد ولد داداه 16908 وهذه هي ويلايته وموطن قبيلته الأصلي . والذي يليه من الموالاة هو سيدي ولد الشيخ عبد الله 8337 وهنا يتنزل ما قلناه سابقا عن الحوض الغربي والعصابة في حق سيدي ولد الشيخ عبد الله. - ويلاية نواكشوط : العاصمة الأول فيها هو أحمد ولد داداه 8449 وهي تتداخل مع ويلاية الترازه بشكل يكاد يجعلها إحدى مقاطعات الترازه. - و والذي يليه من الموالاة هو الزين ولد زيدان 5287 وهنا يتنزل في حقه ما قلناه عنه في ويلاية أدرار فهو مد عوم من أنصار الرئيس السابق أو على الأصح مرشحهم ، وهنا تدخل المال متقدما على القبيلة وظلت المخابرات في مكانها التراتبي في العوامل الفاعلة في العملية كلها. - ولو عرضنا القراءة لنتائج التصويت في المقاطعات بل والبلديات لما اختلفت النتيجة في تحكم العوامل السابقة بهذا الترتيب : القبيلة – الجهة – المال – المخابرات. - أما أكبر الخاسرين في العملية فهي البرامج – والمؤسسات الحزبية – والحركات السياسية، وبذات : الحركة الإسلامية " الإصلاحيين الوسطيين"- والحركة الوطنية الديمقراطية" الكادحين" والقومين العرب ، وأفضل الكاسبين من الحركات السياسية هم : - القوميون الأفارقة " أفلام "– وحركة تحرير وإنصاف العبيد" الحر" . - غير أن المفارقة العجيبة في العمل السياسي في موريتانيا أن الزعماء السياسيين لا تزيدهم الإخفاقات إلا تألقا وسطوة لأنهم الوارثون بحكم الممارسة والوسائل في العمل السياسي لكل عيوب الديكتاتورية : من تزوير للإرادة ، إلى الكذب في الدعاء الإنجازات ، إلى إلقاء التبعات على الغير وتحميله كل التبعات والمسؤوليات ، أما أن يستخدموا أساليب الديمقراطية ، ويعترفوا بالفشل ، ويستقيلوا من قيادة مؤسسات العمل السياسي التي سرقها في ظروف استثنائية فهذا مما لا يعرفه العمل السياسي عندنا ولا السياسيين ، وعلى أنصار الكادحين ، والناصرين ، والبعثيين ، والإصلاحيين أن يصفقوا لقادتهم على حسن الأداء والانجاز العظيم الذي حققوه لهم في كل الاتخابات البرلمانية والرئاسية ، ولهم أن يتوقعوا مزيدا من الإنجازات والإ عجازات ، ولو من باب ، استباحة حرمات وحقوق كل من يتجرؤ على الانتقاد ويدعوا للمحاسبة على الأداء السياسي لألئك القادة والزعماء ..؟؟؟..