تتقدم تونس نحو الانتخابات المقبلة وهي تدخل نهاية مرحلة سياسية وبداية تقلبات اقتصادية واجتماعية حادة، فإما أن تكون هذه الانتخابات فرصة لبعث الأمل لدى التونسيين وإبراز إرادة وطنية حقيقية لإصلاح النظام السياسي، بتحرير الحياة العامة وفسح المجال أمام التداول السلمي على الحكم والسيطرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتفجرة، وإما أن يكون رهانها الإمعان في المحافظة على نظام سياسي متكلس وتعريض استقرار البلاد إلى المخاطر. لقد كشفت الأحداث الاجتماعية المتلاحقة طيلة الأشهر الأخيرة عن مدى فشل الخيارات المتبعة، فالحكومة التي ما انفكت تباهي بنجاحها الاقتصادي وبمناخ الاستقرار الاجتماعي بدأت تواجه تحديات جدية، إذ دفعت سياساتها غير العادلة في مجال توزيع ثمار النمو إلى تفجير التفاوت المحتدم بين الفئات والجهات ما عرَض مئات الآلاف من سكان البلاد إلى الهشاشة والبطالة والفقر، فضلا عن اشتداد وطأة الفساد الذي لوث مناخ الأعمال وقضى على تساوي الفرص في الشغل. لكن الأخطر هو تعطل النظام السياسي لما يزيد عن نصف قرن بإقامة شبكة واسعة من الحواجز الدستورية والقانونية والمؤسساتية للحيلولة دون تطويره، وقد انتهى الأمر بعد كل دورة انتخابية إلى الحفاظ على نظام الحكم الفردي و هيمنة الحزب الواحد الذي شل وظائف المؤسسات و عرقل أي تنمية للحياة السياسية وانتهى أيضا إلى العودة لنظام الرئاسة مدى الحياة مع اللجوء منذ دورة 1999 إلى تنقيحات متكررة للفصل 40 من الدستور لإقرار قوانين استثنائية، ظاهرها السماح بالتنافس وجوهرها إقصاء أي منافسة جدية لمنع التداول على منصب رئاسة الجمهورية. إن انعدام الإرادة السياسية لدى الحكومة لتحرير النظام من حالة الجمود التي تردى فيها وفشلها في السيطرة على ظواهر البطالة والفقر، والحد من الفساد المستشري، ولجوئها المنهجي إلى الأساليب الأمنية القضائية في مواجهة الاحتجاج على هذه الأوضاع، وضع التونسيين في حالة من الحيرة وعدم الاطمئنان على المستقبل وأصبح يشكل خطرا جديا على استقرار البلاد إن تونس التي تنعم بدرجة عالية من الانسجام والتي أمنت سيادتها الوطنية، والمتصالحة مع هويتها والمنفتحة على روح العصر وقيمه، والتي حققت عدة مكاسب اقتصادية واجتماعية، وتونس التي تملك ثقافة ونخبة سياسية عصرية مفعمة بروح دستورية وحقوقية، والتي أرست هيئات ومنظمات مدنية ونقابية عتيدة و أحزاب وتيارات سياسية أصيلة، مؤهلة أكثر من أي وقت مضى، للديمقراطية والعدالة الاجتماعية. إن الإطارات المجتمعة في هذه الندوة، المستندة على هذه المكاسب والمؤمنة بقيم الحرية والعدالة الاجتماعية، والمتمسكة بضرورة إصلاح النظام السياسي والانتقال إلى الديمقراطية، تعتبر أن الانتخابات القادمة يجب أن تشكل خطوة أولى نحو تونس أفضل تؤمّن الحرية والعيش الكريم لأبنائها. وهي إذ تعقد هذه الندوة عشية القراءة الثانية لإقرار القانون الاستثنائي الخاص بشروط الترشح للإنتخابات الرئاسية، فإنها تعلن مجددا رفضها لهذا القانون نظرا لصبغته الإقصائية المنافية لقيم الدستور و علويّته وتؤكد على أنه لا سبيل لإعادة الاعتبار لقيم المواطنة وإرجاع مصداقية صندوق الاقتراع وتوسيع دائرة المشاركة السياسية دون إصلاح الإطار السياسي والقانوني للانتخابات المقبلة وفي هذا السياق تطالب الإطارات المجتمعة في هذه الندوة الديمقراطية من أجل انتخابات حرة بالإصلاحات السياسية والدستورية والتشريعية التالية : 1- تنقية المناخ السياسي العام بتعديل المشهد الإعلامي وتكريس التعدد في وسائله السمعية البصرية وبفتحها إلى الحوار الحر والتناظر بين البرامج والمرشحين حول التحديات والملفات الوطنية السخنة، و برفع الحواجز أمام حق الاجتماع في الفضاءات العامة وتوسيع دائرة العمل القانوني والمشاركة السياسية الحرة لإعادة بناء الإرادة الوطنية، وبإجلاء غيوم الظلم عن سماء تونس وسن قانون العفو التشريعي العام لإعادة الحقوق المدنية والسياسية لعشرات الآلاف من التونسيين. 2- إجراء تعديل دستوري جوهري يقوم على احترام القيم العليا للدستور والتقيد بها، بتنقيح للفصل 39 يسمح بالرجوع إلى تحديد عدد الولايات الرئاسية بدورتين فقط بما يضع حدا نهائيا لنظام الرئاسة مدى الحياة، وبتنقيح للفصل 40 يكفل حق ترشح كل الكفاءات الوطنية لمنصب رئيس الجمهورية ويضمن في الآن نفسه جدية الانتخابات الرئاسية وذلك بإقرار مبدإ التزكية وتوسيعه ليصبح متاحا لكل مرشح بأن يكون مزكىّ إما من عدد من المنتخبين أو من عدد من المواطنين أو من قبل أحد الأحزاب السياسية، وببعث محكمة دستورية تسهر على دستورية القوانين و تبت في النزاعات الانتخابية و يكون الالتجاء إليها متاحا للجميع 3- تنقيح المجلة الانتخابية بما يسمح الفصل بين موعدي الانتخابات الرئاسية والتشريعية وإقرار مبدإ النسبية بدل نظام الأغلبية الشمولي الذي لا يعكس التعددية القائمة في المجتمع، و بما يقر مبدأ التسجيل الآلي في القائمات الانتخابية و يحدد عدد مكاتب الاقتراع وفق المعايير الدولية المتعارف عليها وبتجريم كل أعمال التزوير والفساد الانتخابي. 4- بعث هيئة وطنية محايدة يعهد لها بمراقبة مختلف أطوار العملية الانتخابية وتتكون من عدد من القضاة ورجال القانون المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة ومن ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية المشاركة. إن الإطارات الوطنية المجتمعة في هذه الندوة إذ تؤكد إرادتها و تعلن عزمها على الانخراط الفعلي في مشروع الإصلاح و التغيير الديمقراطي فإنها تدعو الحكومة إلى المبادرة بعقد ندوة وطنية تشارك فيها جميع الأطراف السياسية من دون استثناء، بهدف التوافق على الإطار القانوني والسياسي الذي ستدور فيه الانتخابات المقبلة، تجنبا لمخاطر العنف والهزات وخدمة لمستقبل تونس وأبنائها. تونس في 5 جويلية 2008