نصرالدين السويلمي – تونس - في الأيام الأخيرة ومن على العديد من المنابر الإعلاميّة مرئيّة ومسموعة ومقروءة ظهرت حالة من الغزل الطارئ لحركة النهضة من طرف بعض الأحزاب التي وصلت إلى التأسّيسي في حالة منهكة وأخرى لم تصل وبعض الشخصيّات التي شاركت وفشلت أو تلك التي لم تشارك أصلا لعلمها المسبق بالمآلات، هذا الغزل المشترط جاء منافيا للعقل والنقل وفي خصام سافر مع الحدود الدنيا للمنطق، حيث تتابعت تصريحات بعض الشخصيّات الحداثيّة من على المنابر الإذاعية والتلفزيّة وحتى الصحف، وعدت من خلالها بالدخول في تعاون وثيق وبلا تحفّظ مع حركة النهضة وأكّدت أنّ هذا من شأنه أن يساهم في خروج البلاد بأمان من المرحلة الانتقاليّة ومن ثمّ تحقيق أهداف الثورة بأقصى سرعة ودون إهدار للوقت في التجاذبات الفكريّة والعقائديّة، أمّا الشرط الوحيد الذي استلطفه بعض الرفاق واعتبروه خطوة سهلة المنال ستوفر الكثير من الجهد عليهم وعلى النهضة هو وجوب إقرار الحركة بمبدأ فصل الدين عن الدولة والإنضواء الكلي تحت راية "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" ، وإذا كانت هذه الدعوة قد تبدو مفهومة حين صدرت من أولئك الدخلاء عن السّاحة السّياسيّة والغرباء عن تاريخ الصراع الفكري في تونس وساسة 15 جانفي فإنّها لا تبدو كذلك عندما صدرت عن شيوخ الحداثة وأرباب اللائكيّة، بل تلوح ماكرة أقرب إلى الاستفزاز منها إلى الدعوات التي تحمل في طيّاتها بعض الأمل، لأنّها تعرف من أين أتت حركة مثل النهضة وإلى أين تتجه مثلما تعرف أشدّ المعرفة مرجعيتها ومرد شعبيتها، وإنّه من البدع التي تكاثرت هذه الأيام دعوة الحزب الأول في تونس للتخلي عن مطالب غالبيّة الشعب لارضاء أقليّة النخبة، والأكيد أنّ مثل هذه الدعوات عادة ما تولد ميتة لأنّها لن تتنصل حركة من تاريخها ومن إرادة الجماهير التي استأمنتها على تحقيق أهداف الثورة من أجل نخب تمارس الشهوة المحرّمة حين تخذل شعبها وتنتهك ثوابته ثم هي تتطلع إلى أصواته يوم الاقتراع.. خابت نخب "جبحها" هنا وقلبها وعقلها هناك، ولدت هنا وعاشت وترعرعت هناك.. كل ما بينها وبين شعبها شهادة ميلاد!.