هل يمكن أن ندعي أن تونس على طريق الديمقراطية ؟ و هل يمكن أن نغلب التفاؤل على التشاؤم ؟ و هل يمكن أن نطمئن إلى هذا الكم الهائل من الأحزاب و هذا العدد الكبير من الزعامات و رؤساء القائمات و المتصدين للشأن العام ؟ و هل يمكن أن نجزم بأننا سائرون حقيقة على طريق الحرية و العدالة و الكرامة التي ثار من أجلها الشباب و ضحوا بدمائهم من أجلها و صاحوا و هتفوا لا للاستبداد، و لا للظلم و القهر و لا و لا...؟ و هل يمكن أن نصدق كل المتحدثين و إن كان فيهم من كن بالأمس القريب مستبدا و فاسدا و عونا على الاستبداد ؟ لا شك أن المستقبل غامض بعض الغموض و لا شك أن العمل المطلوب شاق و جبار و لكن يجب أن نكون متيقنين من أن حركة التاريخ ماضية إلى الأمام و أن إمكانية الالتفاف على الثورة و أهدافها – و إن كانت واردة و مخططا لها – لم تعد ممكنة . و يجب أن نكون ممتلئين ثقة بأن الشعب الذي صنع ثورة يستطيع أن يصنع ثورات و أنه مدعو لتحصين نفسه ضد قابلية الاستبداد و أن الجهد ينبغي أن ينصب عل توفير شروط الانتقال الديمقراطي و أن المد الثوري ينبغي أن يستمر و لسنوات قادمة و أن اليقظة مطلوبة و أن الغفلة لم تعد جائزة. و يحسن هنا أن ننبه إلى أن الكارهين للثورة و مستحقاتها قد استفادوا من الفتور الذي اعترى الناس بل إنهم راهنوا على الوقت و قدروا أن الشعب لا يمكن أن يعيش الحالة الثورية لوقت طويل لذلك احنوا الرؤوس زمنا و جاروا التيار و المد الثوري وقتا و انصاعوا لرغبات الجماهير منتظرين ساعة الفتور التي توفرت أقدار منا بسبب الغفلة و البلاهة و غياب صناع الوعي الثوري المداومين المرابطين و بسبب المتربصين بالثورة من الداخل و الخارج الذين كانوا يراقبون الأوضاع عن كثب و يخططون لتحويل الثورة حتى لا تبلغ مداها في تحرير الإرادات و القطع مع طبائع النظام القديم و عوراته وبناء وضع جديد يحمل كل مقومات النهضة الحقيقة و يؤسس لدولة عصرية فيها أقدار كبيرة من الحرية و العدالة و الكرامة و استقلال القرار الوطني و تحفز الناس جميعا للعطاء و البناء ، و فيها قدر كبير من الاحترام و الحوار و حسن الإصغاء و فيها تواضع للآخر و رغبة في التعاون و تنافس على خدمة الصالح العام و فيها ضمور للنرجسية و حب الذات و الكبرياء و فيها اقتناع بأن هذا الوطن يمكن أن يكون أفضل و أن مقومات ذلك قائمة. و لكي يحصل هذا و نحافظ على الثورة و نؤسس للوضع الجديد المؤمل ينبغي أن نتعاون على تحقيق الشروط التالية: - المحافظة على المد الثوري لسنوات قادمة و الاقتناع بأن الديمقراطية تبنى بالتراكم و المداومة و تصنع بالثقافة و الممارسة و التربية المستمرة. - محاربة قابلية الاستبداد في النفوس و في الطبائع و في السلوك. - تربية الشباب و النشء على الاختلاف و أدب الاختلاف و على الديمقراطية و على الحرية و على كراهية الاستبداد و مقاومته و على نبذ العنف بكل أنواعه و على المقاومة لكل أشكال و ألوان الاستبداد. - تربية الناس على تقديم حب الآخر و خدمته على حب النفس و خدمتها و على التضحية من أجل الآخرين و على التنافس في خدمة الوطن و الشعب، طبعا دون أن نلغي الطبيعة البشرية التي فيها الكثير من النرجسية و حب الذات و تقديم الخاص على العام و أولي القربى على الأباعد. - أن يكون الشباب واثقين من أنفسهم و من قدرتهم على توجيه الأحداث في الاتجاه الصحيح الذي يؤمن طموحاتهم و آمالهم و هذا يتطلب منهم يقظة دائبة و تعاونا و وثيقا و قدرة على الحركة و الفعل الايجابي و إيمانا و إصرارا على بلوغ المرام و تحقيق قدر الله. كما يتطلب منهم فهما لطبيعة التحديات و العوائق و تدربا على العمل السياسي المتقن بعيدا عن المزاجية و الغوغائية. و يقتضي منهم انخراطا واعيا في الايجابية بكل أبعادها و قطعا مع السلبية التي كانت دائما العائق الأكبر أمام الناس و السبب الرئيس فيما آلت إليه الأوضاع و يمكن أن تؤول إليه مجددا لو وقع الناس مجددا في السلبية و الغفلة و حقروا أنفسهم و قدرتهم على تحقيق سنن الله التي لا تتخلف { و لن تجد لسنة الله تبديلا } فاضل البلدي 06/10/2011