بقلم فريد عبد الرحمان – تونس استوقفتني تصريحات أدلى بها الأستاذ المحامي نور الدين البحيري لأحد الصحافيين نشرت بصحيفة الشرق الأوسط ووكالة فرنسا الدولية، مفادها أن الإسلاميين في تونس يعتزون (هكذا ) بقانون الأحوال الشخصية ويعتبرونه مكسبا، وهو يعتقد ''انه لا يوجد إسلامي (تونسي بطبيعة الحال) يدعي انه يرفض مجلة الأحوال الشخصية وبعض المكاسب (الأخرى)، ''لم يسمّها''، التي تحققت أو لا يعتبرها ايجابيات ومكاسب''.
وعن موقفه من الانتخابات راوغ الأستاذ البحيري ربما حتى لا تسجل عليه مواقف تلزمه أو حتى يتجنب ويلات تصريحات لا يريد أن يعلنها، بقوله '''المواقف تختلف داخل التيار الإسلامي ولا يوجد رأي عام موحد. هناك من ليست له بطاقة انتخابية وهو مقصيّ بسبب أحكام قضائية وهناك من لا يملك بطاقة انتخابية رغم انه غير محكوم وهناك من يميل إلى المقاطعة أو للمشاركة''، مؤكدا ''استعداد الإسلاميين للمشاركة في حوار وطني شامل''.
مغالطات في الأصل: لئن قبلت حركة النهضة، (كفصيل إسلامي)، سابقا ولاحقا بمجلة الأحوال الشخصية على هناتها معتبرة أن هذه المجلة قريبة في العموم من المنظومة الفقهية الإسلامية ما عدا بعض النصوص الصريحة الواردة بالمجلة والتي خالفت أمورا معلومة من الدين بالضرورة، فإن المكونات الإسلامية الأخرى رفضت هذه المجلة القانونية رفضا قاطعا، بل ودعت إلى مقاطعتها وعدم اعتبارها وإلغائها. وأغرب ما في تصريح الأستاذ البحيري هو استعماله للفظ ''إسلامي'' بالإطلاق عندما قال ''لا يوجد إسلامي يدعي أنه يرفض مجلة الأحوال الشخصية..''، والحقيقة أن هذا الادعاء مغلوط شكلا وأصلا، فإطلاق لفظ الإسلامي يجمع كل الإسلاميين في تونس، كل أبناء التيار الإسلامي من إخوان وسلفية (علمية وجهادية) وصوفية و تحرير و تبليغ وشيعة (موالية ومعارضة)..الخ، وحتى لو قصرنا هذا القول على المنتمين إلى حركة النهضة فلا يستقيم بالمرة لأن النهضويين بحسب تكوينهم فيهم السلفي والصوفي والشيعي والراديكالي، فكيف يدعي الأستاذ البحيري هذا الادعاء الجازم بأن ''كل الإسلاميين'' يعتزون بمجلة الأحوال الشخصية وهو يعلم ما تحتويه من مخالفات بينات للكتاب والسنة؟ أم كيف يدعي كذلك بأنهم يعتبرونها مكسبا؟ هل هي مقتضيات السياسة أم رهانات وحساباتها الضيقة؟ فإن كان الأستاذ البحيري يعتز بمجلة الأحوال الشخصية ويعتبرها مكسبا فهو حر له مطلق الحرية في ذلك وعلى الجميع أن يحترم رأيه وموقفه ولكن ليس من حقه أن يلزم الجميع بذلك فهو لم ينصب على حد علمي ناطقا باسم الإسلاميين في تونس، وأنا أعرف أن الإسلاميين في تونس وبحسب تكوينهم يعلمون علم اليقين أن هذه المجلة وإن تماهى بعض ما فيها مع المنظومة الفقهية الإسلامية إلا أنها وبالرجوع لظروف نشأتها والغاية التي سُنّت من أجلها كانت تهدف إلى حشر الإسلام في الزاوية وسحب البساط من تحته حتى تنجح المغالطة الكبرى في أن الإسلام محترم ويطبق في تونس. كيف يسمح الأستاذ البحيري لنفسه عشية الانتخابات الرئاسية أن يعلن هذه التصريحات التي لا تخدم إلا طرفا بعينه وفيها ما فيها من المغازلة التي لا تخفى على أحد؟ أم هل عاد الأستاذ البحيري إلى ممارسة العمل السياسي في إطار حركة النهضة بعد أن كان جمد عضويته فيها واتهمها بممارسة العنف؟ أرجوك يا أستاذ عندما تتحدث في المستقبل عن الإسلاميين في تونس فعليك أن تشير بوضوح إلى فصيل بعينه وأن لا تجمع الكل في سلة واحدة، فقولك الإسلاميون مستعدون للحوار الوطني الشامل، يحيل بداهة على الإسلاميين المنضوين تحت فصيلين تقريبا هما النهضة واليسار الإسلامي، والنهضة قاطعت الانتخابات بينما دخل اليساريون الإسلاميون في اللعبة الانتخابية كمكافأة لهم على خروجهم من الحزب الديمقراطي التقدمي كما تمت أيضا مكافأة المتساقطين من جسم النهضة بمزيد إسالة لعابهم من خلال وعدهم بهيكل قد يسمى حزبا ''إسلاميا'' يقصد منه إن احترمت السلطة وعدها، غلق الباب نهائيا أمام النهضة وعزلها من خلال الاعتراف بمسخ ''إسلامي'' يشبه الخضر للتقدم أو الصفر للتحول أو السود للنعيق.. وإن كنت أميل إلى أن الأستاذ البحيري عندما يتحدث عن الإسلاميين أو التيار الإسلامي إنما يقصد بذلك ''حركة النهضة'' التي ما زال يعتبرها الفاعل الأساسي والمكون الرئيس للتيار الإسلامي في تونس، إلا أن التصريح بأن من الإسلاميين من سيرشح محمد بوشيحة أو الاينوبلي أو بن ابراهيم فهذه من المغالطات التي لم نسمع عنها، وربما أراد بها الأستاذ التهكم ليس إلا. وعن تقييمه للوضع في تونس، أعطى الأستاذ البحيري للدولة الوطنية التي تأسست بعد الاستقلال شهادة استحسان بقوله أنها ''حققت...مكاسب وإن ارتكبت بعض الأخطاء''، وقد جاء الكلام عاما لا يمكن أن نفهم منه طبيعة هذه الأخطاء، هل هي أخطاء في المنهج أم أنها أخطاء في التطبيق؟ أم هي أخطاء تمس السياسة أم الاقتصاد أم كلاهما معا؟ وعن الصفة التي حرص الأستاذ البحيري على الإشارة إليها بأنه ''قيادي إسلامي سابق'' فإننا نسأله بدورنا هل هذه الصفة أصبحت منتهية الآن، وتنتمي إلى التاريخ، أم أن هناك عودة وعملية إحياء لهذه الصفة؟ وبالتالي من الضروري الإجابة على السؤالين التاليين: هل أن الأستاذ سينطلق من جديد في نحت هامة سياسية جديدة مغايرة لما كان عليه باعتبار أن الصفة القديمة ''قيادي في حركة النهضة'' تحتاج إلى كثير من الوقت حتى يتم السماح لها بالعودة السياسية، أم أن الأستاذ يريد أن يبدأ من حيث توقف عندما أمضى كطرف سياسي على وثيقة ''الميثاق الوطني''؟ وفي خضم ما يدور على الساحة السياسية التونسية من أنباء حول قرب الاعتراف بجسد سياسي ''إسلامي'' جديد يدعم المشهد السياسي ويؤكد صحة مقاربة السلطة في التعاطي مع التواجد السياسي لإسلاميين معتدلين يعترفون بالسلطة وتعترف بهم ويكونون صمام أمان ''يحمي البلاد من التطرف والإرهاب''، نريد أن نسأل الأستاذ البحيري أن يبين للرأي العام موقعه في هذا الحراك، إن كان ينتمي لهذه المجموعة التي وعدتها السلطة بنوع من أنواع التواجد؟ أم أنه مازال على العهد بالميثاق لا يبغي عن النهضة بديلا ؟ أو ربما يكون من الداعمين لمبادرة ''لزهر عبعاب ومن معه''؟
نشرت في السبت 31 أكتوبر 2009 بموقع تونس أونلاين دون الإشارة الى مصدرها