اختتمت "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين"، مساء الخميس 14 آب (أغسطس)، مؤتمرها الثامن بالإبقاء على أمينها العام المنتهية ولايته إسماعيل بولحية (78 سنة) واختيار أعضاء مجلسها الوطني الجديد، فيما تعطل الإعلان عن المكتب السياسي بسبب خلاف حاد شقّ الحركة وأجبر قيادتها على الموافقة على انتخاب المكتب الجديد في مقر الحركة خارج أعمال المؤتمر. وطغى الخلاف التنظيمي على مؤتمر الحركة هذا العام بعد التوجّس الذي ساد قيادتها من انقسامها بسبب نشوء ثلاث قوى داخلها تدعم ثلاثة متنافسين على منصب الأمين العام. لكنّ الإعلان عن اختيار القيادي البارز محمد مواعدة لعضوية الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) ضمن قائمة الكفاءات، بتزكية من الرئيس زين العابدين بن علي، حصر المنافسة بين الأمين العام السابق إسماعيل بولحية وعضو المكتب السياسي الطيب المحسني حليف مواعدة. ورشّحت جميع التوقعات هذا الأخير، إلاّ أنّ تدخلات عدة دفعته للتراجع عن ترشحه عشية الانتخابات والقبول بمنصب نائب الأمين العام. وقد فتح ذلك فصلاً جديداً من التوتر بين قيادة الحركة وقواعدها، حول اعتماد صندوق الاقتراع أو التوافق في اختيار قيادات مؤسسات الحركة. وأقرّ المؤتمر استحداث منصب "منسّق عام" مُنح لمحمد مواعدة، وانتقده كثير من المتحدثين، واعتبره البعض تكريسا لسيطرته على الحركة. واعتبر القيادي البارز إبراهيم السنوسي، أنّ حركته قد انتهى وجودها وفقدت دورها، وقال ذلك احتجاجاً على استغناء قيادة المؤتمر عن الانتخابات واعتماد آلية الوفاق. وحمّل السنوسي بلهجة حادة، رئيس المؤتمر محمد مواعدة مسؤولية تبعات ذلك. ووصف آخرون الحركة بأنّها "شركة مملوكة للأمين العام وشركائه"، حسب وصفهم. وكشفت أعمال المؤتمر عن بون عميق يشقّ الحركة بين قيادتها وقواعدها. واعتصمت مجموعة كبيرة من أعضاء حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في قاعة المؤتمر منادية باعتماد صندوق الانتخاب. وبينما تمكنت قيادة الحزب من إقناع المحتجين بالقبول بالتزكيات لتعيين أعضاء المجلس الوطني؛ فإنّها فشلت في إقناعهم باعتماد الآلية نفسها في مستوى المكتب السياسي، وهدد العشرات بالمرابطة في قاعة الفندق الذي انعقد فيه المؤتنر وعدم إخلائها. وانعقد المؤتمر الثامن للحركة بعد أن احتفلت منذ أسابيع بمرور ثلاثين سنة على تأسيسها. وقد حددت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين أولويتين لهذا المؤتمر؛ هما تعزيز وحدة الحركة ولم شملها والخروج بتصوّرات واقتراحات في جميع المجالات. وشدّد إسماعيل بولحية، أمين عام الحركة في افتتاح المؤتمر على أنّ المنتظر هو أن يسفر المؤتمر عن "تجاوز ما تبقى من عوائق نفسية وتنظيمية أرهقتها (الحركة)، وكادت تهدّد ما بنته وجعلت البعض يتسرع ويتوهم بأنّ الحزب قد تلاشى واندثر"، كما قال. ووصف بولحية الواقع الاجتماعي والسياسي في تونس بأنّه "متوتر، وتنتشر فيه نزعات الإقصاء والتسرع في الاتهام والتخوين والتكفير السياسي والديني"، وقال إنّ حركته بحاجة إلى مرجعات فكرية وسياسية وأن يعمل مناضلوها على ممارسة النقد الذاتي دون تجريم أو تهوّر. ودعا القيادي الحزبي في هذا السياق، المعارضة إلى إنهاء حالة التشتّت وتبادل الاتهامات وأن تبحث عن القواسم المشتركة. وأثنى بولحية على الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي)، باعتباره "ثاني حزب في العالم بعد الحزب الشيوعي الصيني من حيث القدم"، على حد قوله، ووصف الرئيس زين العابدين بن علي بأنّه "في أوجّ العطاء، ويملك القدرة والأهلية ليتقدم أشواطاً جديدة بالمشروع الديمقراطي التعددي"، حسب تعبيره. واعتبر أمين عام حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، أنّ حركته تتناغم في ميدان السياسة الخارجية مع سياسة الرئيس، وخاصة بشأن "استقلال القرار السياسي، ورفض الوصاية والتدخل الخارجي مهما كانت المبررات والأطراف القريبة أو البعيدة"، وفق ما ذكر. وفي المجال الاقتصادي دعا بولحية إلى تحسين مناخ الأعمال والاستثمارات "ليس بمزيد من الحوافز؛ بل بربطها بإنتاجيتها الفعلية وأثرها على تطوّر المؤسسة ومردوديتها، ومساهمتها في خلق الثروة"، حسب رأيه. وفيما يتعلق بانتخابات 2009 البرلمانية والرئاسية؛ دعا القيادي الحزبي إلى "قيام جبهة للدفاع عن قيم الجمهورية، والدعوة إلى إضفاء القيم والأخلاق على الحياة السياسية، والالتزام بمدوّنة لحسن السلوك في التعامل مع العملية الانتخابية لضمان النزاهة والشفافية". وكان بولحية قد دعا منذ أيام عند حضوره مؤتمر الحزب الحاكم (التجمع الدستوري)، إلى دعم ترشح الرئيس زين العابدين بن علي، ضمن أغلبية رئاسية. وشهد مؤتمر حركة الديمقراطيين الاشتراكيين مشادة كلامية في الجلسة المخصصة لانتخاب مكتب المؤتمر، حيث احتجّ أحد المؤتمرين على تزكية رئيس المؤتمر ومساعديه من قبل مكتب الحركة السياسي، دون اعتماد آلية الانتخاب كما تحددها لوائح الحركة الداخلية. وأنهي الخلاف بتدخل ودّي من بعض الأعضاء. وقال قيادي بارز في الحركة في تصريح : إنّ حركته عادت إلى نقطة الصفر في المؤتمر السابق الذي سمي مؤتمر لم الشمل حيث لم يطرأ أي تقدم في هذا المجال. فيما حذّر آخرون من حدوث انسحابات من الحركة. وكانت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين تعد أهمّ حزب معارض في البلاد بعد حركة النهضة (تم حظرها)، قبل أن يستقيل منها زعيمها المؤسس أحمد المستيري بعد فشل تجربة أول انتخابات تعددية في عهد الرئيس زين العابدين بن علي سنة 1989. ثم تلته انسحابات أخرى وخيّرت مجموعة تأسيس حزب جديد التكتل من أجل العمل والحريات، بقيادة الدكتور مصطفى بن جعفر. واختارت الحركة منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي مساندة نظام الحكم، ضمن ما يعرف بتيار الموالاة.