ناصر غزّة ف"قتل"، ثمّ "أحيوه" ليقتلوا به عبدالحميد العدّاسي جاء في بعض أسطر الخبر الذي أوردته "حريّة وإنصاف" على صفحات تونس نيوز الغرّاء، بتاريخ 01 فبراير 2008: "ورغم تفرق التلامذة واحتمائهم بالمنازل المجاورة فإنّ قوات الأمن قامت بملاحقتهم داخل المنازل... وكان الشاب سامي بن فرج من بين من وقعت ملاحقتهم وضربهم إلى حدّ الإغماء، فتمّ نقله على سبيل السرعة إلى مستشفى جبنيانة ثم إلى مستشفى صفاقس أين لفظ أنفاسه الأخيرة، وانطلقت بعد ذلك مظاهرة طلابية من كلية العلوم بصفاقس. وأمّا بيان فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بجهة صفاقس فقد جاء طاعنا في مصداقية الخبر ومكذّبا مقتل تلميذ بمعهد جبنيانة: "- تأكيد الأوساط الطبية المحايدة العاملة بالمسشفى الجامعي الحبيب بورقيبة، عدم قبول أو إقامة أو وفاة أي تلميذ بولاية صفاقس على هامش التحركات التلمذية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني. - تأكيد العديد من سكان منطقة أولاد حسن بجهة جبنيانة والمناطق المجاورة عدم حصول أي حالة وفاة أو تنظيم أي مأتم بها في اليومين الأخيرين مؤكدين لنا سلامة أبنائهم.". ومن جانبه أكد السيد الأسعد الجموسي، وهو رئيس فرع آخر للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بمحافظة صفاقس، في بيان أصدره أيضا السبت 02 فبراير، أنّ الخبر الزاعم بوفاة تلميذ في مدينة جبنيانة "مكذوب ومفتعل"، مضيفا: "… ولذلك فإنّ هيئة فرع الرابطة تندّد بمروّجي مثل هاته الأخبار الزائفة ويدعو كافة المواطنين لعدم تصديق هذه الأخبار التي يُراد من ورائها تهييج الشارع وترويج أخبار لا سند لها. وتهيب بكل القوى الديمقراطية تجنب مثل هذه الممارسات التي لا تخدم مصلحة البلاد ولا حقوق الإنسان" يقول السيّد زهير مخلوف في مقاله (كشف النّقاب عن مقتل الشاب) تعقيبا على ما جرى: "… لقد نُقل أحدُ الشبّان من مواليد 8 / 07 / 1974 المدعو خليفة بن فرح (قلت: خليفة وليس سامي) إلى المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس على متن سيارة إسعاف مستشفى جبنيانة وذلك يوم الأربعاء على الساعة H 50 19 بعد أن بقي حوالي ساعتين ملقى على حافة طريق المهدية قرب منطقة جبنيانة، وكان حضور أعوان الأمن مكثفا مما أثار انتباه كل المارين والحاضرين حين كان المجني عليه ملقى على حافة الطريق وقد انتشر خبر الحادث بجبنيانة ومعاهدها...". ثمّ يضيف: " وأدعو في هذا المقام عضو الرابطة السيد عبد العزيز عبد الناظر الذي نفى وجود مأتم وحالة وفاة في جبنيانة أو المناطق المجاورة أن يتصل ليتسلم مضمون رسمي للوفاة صادر عن معتمدية العامرة بعمادة ذراع بن زياد من جهة جبنيانة مرسم تحت ع267دد بتاريخ 31 / 01 / 2008 صادر عن بلدية صفاقس يؤكد وفاة شاب يدعى خليفة بن فرح مولود في 8 جويلية 1974 وهو موضوع الالتباس، ونرفق هذا المقال بصورة شمسية ومضمون وفاة للمجني عليه وأدعو السلطة لإنارة الرأي العام والكشف عن سبب وفاة هذا الشاب وكيفية وفاته ومن قتله بعد إتمام أعمال التحقيق؟" قبل تعقيب زهير، وبعد أيّام قلائل أي يوم 06 فبراير، تململ الصحفي "المحقّق" أصيل منطقة جبنيانة بليل ليفيد، ضمن ما أسماه "خواطر ليلية" بما يلي: "...والحقيقة أنّ الخبر صدمني أوّلا لأنّني أصيل المنطقة وأعرفها كما أعرف أصابع يدي. وقد تقصيت مدى صحة هذه الحادثة من أطراف عديدة ولكن لا أحد يعرف هذا التلميذ، حتى أهالي منطقة (أولاد حسن) التي زُعم أنّ التلميذ المقتول ينتمي إليها." ثمّ أضاف بحياد صحفي ملفت: "ولا شكّ أنّ التكذيب الذي نشره فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بصفاقس حول هذه الحادثة قد ألقى بظله على مصداقية بعض الجمعيات والمنظمات التي تدّعي الدّفاع عن الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الرأي وتبيّن مدى سقوطها في ممارسات تتنافى مع أبسط قيم حريّة التعبير. ولا شكّ أيضا أنّ الاختلاف مع السلطة لا يبرّر بأيّ منطق تشويه سمعة البلاد بنشر أخبار زائفة وإثارة الناس ومغازلة عواطفهم وأحاسيسهم لتحقيق أهداف مشبوهة..." وأمّا وزارة الدّاخليّة التونسية فقد أحسّت، يوم 06 فبراير كذلك، بأنّ الأمر قد يلامسها من قريب أو من بعيد، فتحدّث السيّد رفيق بالحاج قاسم في مداخلة له أمام أعضاء البرلمان التونسي عن الموضوع قائلا بأنّ: "المزاعم والإدعاءات التي روّجت لها بعض وسائل الإعلام بالخارج عارية عن الصحة، وكشفت مرة أخرى حقيقة مَن يقف وراء المحرّضين على نشر الشائعات والأكاذيب". ما جعل بعض النوّاب "الفاعلين" يتوزّر أكثر من الوزير، حيث لم يتردد البرلماني سهيل البحري في اتهمام بعض الجمعيات الحقوقية في بلاده باللجوء إلى أساليب التّضليل والإثارة وإفتعال الأكاذيب. واعتبر في بيان وزّعه أمس أن مثل هذا الأسلوب، يكشف "ما آل إليه المشهد السياسي المعارض من ارتكاز على الأحقاد والضّغائن والإحتقان" (قلت: دون أن يركّز على أسباب تلكم الأحقاد والضغائن والاحتقان، ولعلّها جميعا لمرض في قلوب المعارضين). ثمّ انطلق العديد من الأقلام المدافعة عن "الأخلاق" في التنديد بالكذب والكاذبين والذين قلّدوا الكاذبين فكانوا أكذب إلى غير ذلك من الاتهامات المجانيّة أو المجاملات القاتلة… وقد اعتذرت صحيفة تونس نيوز، يوم 06 فبراير، بعنوان حوى الكثير من الإشارات: "خبر "الوفاة المزعومة لتلميذ جبنيانة".. والاعتذار الواجب.. والأسئلة المعلقة.."... بعد استعراض معظم ردود الفعل أو أهمّها حول الخبر الذي جاء قرين حالة استثنائية تشهدها البلاد – كما بيّن زهير مخلوف – حريّ بنا نحن القرّاء أو السامعين والمتفرّجين أن نتوقّف عند الخبر… وعلى لساني أقول: لمّا قرأت النبأ استرجعت وحوقلت، ولكنّني لم أستغرب حدوثه. فالبوليس في تونس برعاية سلطة السابع من نوفمبر وتوجيهها يقتل النّاس دون حسيب ولا رقيب، ويطاردهم ويدخل البيوتات دون إخبار مسبق أو إذن من أصحابها فيروّع الصغار والحوامل ويُجهض أجنّتهم. وقد مرّ بنا جنائز ثلاث لقتلى النّظام التونسي (وهم بإذن الله أحياء عند ربّهم يرزقون: البوعزيزي، العياري، الطاهر بن الشاذلي) في أقلّ من نصف شهر أي ما بين 13 و24 يناير 2008. وقد أورد زهير قائمة طويلة في القتلى الذين لم يشكّك أحد في أنّ موتهم كان نتيجة استهدافهم بالبغض والكره والغيظ الذي عضّ منه الزبانية الأنامل والذي ترجموه بمعاملة لاإنسانية وتعذيب وحشي أفضى إلى ما أفضوا إليه رحمهم الله جميعا... فما الذي يمنع إذن من قتل سامي الذي تبيّن فيما بعد أنّه خليفة؟!... أتمنّى ألاّ يتعرّض أحد للأذى في تونس وفي غيرها من بلاد العالم، ولكنّ ذلك لا يمنع من تصديق الخبر – وإن كذّبه رجال حقوق الإنسان أعضاء الجمعيّة التونسية للدّفاع عن اللاّئكيّة، بعبارات استعاروها من وزارة الدّاخلية-، فنحن في بلد ضُربت فيه استقلالية الصحافة والقضاء والمحاماة ومعظم المنظّمات وضربت فيه حرّية التعبير بل ضرب فيه التعبير نفسه، ونحن في بلد أنكر الوالد فيه ولده رحمة منه ببقيّة أولاده، ونحن في بلد "اعترفت" الأخت فيه باعتداء أخيها على شرفها كي تزهّد النّاس في الدّفاع عنه أو متابعة قاتليه الأصليين، ونحن في بلد تُعدّ فيه الرحمة جريمة (الحكم على طالبات بتهمة مساعدة زوجة سجين سياسي) والغلظة من تمام الرّجولة وقتل المواطنين دفاعا عن الوطنيّة… وأتمنّى أن تتعدّل المفاهيم وتصحّ، و"يتأدّم" (يصير آدميا إنسانيا) النّظام الحاكم وزبانيته ويرجعون إلى الحقّ والعدل بين النّاس، وتُرتق التمزيقات الخطيرة البشعة التي أحدثها المغيّرون في نسيجنا الاجتماعي، فإنّ ذلك كلّه يساعد وبسرعة في تغييب تلك "الإشاعات المغرضة" والقضاء عليها نهائيّا، فإنّ تونس الجميلة لا تحتمل وجود أيّ مُغرض!.... عبدالحميد العدّاسي