يُسافر حمادي الجبالي بداية الشهر المقبل الى الجزائر في زيارة رسميّة هي الأولى من نوعها الى دولة الجوار منذ تولّيه رئاسة الحكومة نهاية شهر ديسمبر 2011. وسيكون الجبالي مرفوقا في زيارته التي ستدوم يومين، بحسب ما ذكره مستشاره السياسي لطفي زيتون في تصريح مقتضب أدلى به ل«الشروق» صباح أمس، بوفد سياسي ورجال أعمال. واعتبر زيتون أنّ «هذه الزيارة تأتي متأخّرة بالنظر الى الاستحقاقات التي كانت تعيشها الجزائر وأبرزها الانتخابات». ووصف المستشار السياسي للجبالي هذه الزيارة بالمهمّة.
انتظارات كثيرة تُعلّق على هذه الزيارة فهي من جهة ستوضّح مدى الدعم الجزائريلتونس المقبلة على عام ثالث بعد الثورة والتي تستعد لضبط ميزانيّة عام جديد يبدو صعبا على المستوى الاقتصادي ومن جهة ثانية ستوضّح العلاقة بين حركة النهضة والجزائر بعد ما راجت أخبار وتصريحات تشير الى علاقة التوجّس التي بُنِيَتْ بين الطرفين منذ صعود الاسلاميين في انتخابات أكتوبر 2011.
علاقة توجّس
حالة التوجّس هذه بدت واضحة في البيانات الرسميّة لحركة النهضة الواصلة للتوّ للحكم المؤقّت. اذ اضطرت الحركة لتوضيح موقفها في بيان رسمي في شهر ماي الماضي اثر اتهام وجهه اليها قاسة عيسي عضو المكتب السياسي ومسؤول الاعلام والاتصال لجبهة التحرير الوطني الجزائرية بأن «حزب النهضة قام بمساندة بعض المرشحين الاسلاميين الممثلين للجالية الجزائرية في تونس». وجاء في بيان الحركة أنّ « النهضة تقف على نفس المسافة من كل الأحزاب الجزائرية المتنافسة وأنّها لم تتدخل لا من قريب ولا من بعيد في الانتخابات الجزائرية».
حالة التوجّس بين الطرفين كانت طُعْما لاثارة اشاعات كان الردّ عليها توضيحا رسميا من كبار المسؤولين. اذ تداولت المواقع الالكترونية في وقت سابق خبر مفاده تهديد عبد العزيز بلخادم الامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بأنّ «الجزائر لن تقف صامتة لو حاولت النهضة وغيرها تغيير النموذج المجتمعي التونسي والجيش الجزائري لن يرضى باراقة قطرة دم تونسي واحدة». اضطرّ بعدها الجانب الجزائري توضيح موقفه في بيان رسمي صادر عن حزب بلخادم جاء فيه «هذه الشائعة العارية لا تفسد للود قضية بين البلدين الحبيبين والشعبين الشقيقين والقيادتين الحميمتين».
كما اضطرّ بلخادم شخصيّا للتوضيح بأنّه ليس في موقع المسؤولية الذي يسمح له بالتحدث باسم الجيش الجزائري وانه يوجد في البقاع المقدسة ولم يدل بأي تصريح في هذا الشأن، لافتا الى مبدإ الجزائر الثابت في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد كان.
حالة التوجّس هذه تناولتها وسائل الاعلام الوطنيّة بتقشّف شديد فلم يُطرح السؤال على الامين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي حول حقيقة العلاقة بين حزبه وبين الجزائر. وحين طُرِحَ عليه السؤال في حوار أدلى به لصحيفة «الشروق» الجزائريّة اتهم حمادي الجبالي أطرافا داخليّة بمحاولة افساد العلاقة بين النهضة والجزائر قائلا « يزعمون أن حركة النهضة تسيء لعلاقة تونس مع الجزائر، والغريب أن هذه التسريبات المسيئة جاءت في وقت حساس بعد تشكيل الحكومة الجزائرية».
حول التدخّل العسكري الجزائري قال « هذه ليست من الطبيعة الجزائرية والحمد لله الرد جاء سريعا، وأنا متأكد أن علاقة الشعوب والدول أقوى من الصراعات الداخلية. الجزائر تقول انها غير معنية بما يحدث داخليا، هي مهتمة بحدودها وأمنها وهي أذكى بكثير مما يتصورون وأنا أعرف المنطقة جيدا».
وقال الجبالي ردّا على سؤال حول انتظاراته من الجزائر «نحن ربما مقصرون من الجانبين، هنالك ارادة سياسية وتفاهم لابد من تجسيدهما على أرض الواقع، لابد من مشاريع مشتركة وانجازات ميدانية. وهناك قضايا بحاجة الى تسريع أملنا كبير أن نجسد الارادة السياسية الموجودة».
كما أشار أنه سيحمل الى الجزائر مقترحات عديدة. وكانت صحيفة الفجر الجزائريّة قد ذكرت في عددها الصادر الاثنين الماضي أن «العديد من الملفات الثنائية والاقليمية والدولية، في مقدمتها تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، لاسيما على الحدود» ستطرح على طاولة اللقاء بين حمادي الجبالي والمسؤولين الجزائريين.
وأشارت الصحيفة الى أنّ هذا الملف «ضروري لا سيما في ظل الانزلاقات الأمنية التي تعرفها تونس خاصة من طرف ما يعرف باسم التيار السلفي المتطرف الذي ظهر في الساحة التونسية بعد سقوط نظام بن علي خاصة وأن مسؤولين أمنيين أمريكيين حذروا مؤخرا من انتشار تنظيم القاعدة في تونس الذي يحاول استغلال حالة اللااستقرار بالمنطقة».
كما ذكرت أن الزيارة ستبحث مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين في ظلّ هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد التونسي. من جهته قال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي انّ تونس تنشد، من خلال زيارة رئيس الحكومة الى الجزائر، دعما اقتصاديّا وأن الجزائر تنشد في المقابل استقرارا أمنيّا في تونس.