في خضمّ الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأمريكيين تزداد المزايدات بينهما حول كيان الاغتصاب الصهيوني، فهما يزايدان على بعضهما، ويمنحان هذا الكيان ما لا يملكانه وما ليس من حقهما أن يتحدثا فيه أو يدرجاه ضمن صراعهما الانتخابي، فالمرشح الجمهوري يعد بالاعتراف بالقدس الشريف عاصمة للكيان الغاصب رغم أن هذه المدينة التي تخصّ الديانات السماوية كلها وخاصة الاسلامية منها هي مدينة محتلّة من قبل هذا الكيان الاستيطاني كما تنصّ على هذا كل القرارات الأممية التي لا تسمح للمحتل بأن يضمّ أي جزء من الأرض التي يحتلها فكيف بمدينة مثل القدس التي تعني ما تعنيه لدى العرب والمسلمين ولدى المسيحيين أيضا، هذه المدينة التي هي عاصمة دولة فلسطين العربية التي لا بدّ أن تتحقّق مادام وراء هذا الحق مطالبون لا يرضخون لإملاءات الاحتلال ومن تدعمه من الدول. من الواضح أن الحزبين الأمريكيين المتصارعين يتباريان في إرضاء كيان الصهاينة، وهكذا وجدنا الحزب الديمقراطي ينقاد وراء هذه المزايدة غير عابئ بمشاعر أكثر من ثلاثمائة مليون مسلم لغرض كسب أصوات بضعة ملايين من يهود أمريكا أو من مزدوجي الجنسية في داخل الكيان الصهيوني.
وأمريكا التي تتحدث عن حقوق الإنسان بحزبيها ومسؤوليها هي بهذا تخترق هذه الحقوق وتقف مع المعتدي الدخيل ضد أهل البلاد المعتدى عليهم لا بل ان هوليودها المملوكة من قبل كبار الأثرياء الصهاينة تعمل بالعرب ما عملته بالهنود الحمر سكان أمريكا الأصلاء الذين قطعت دابرهم وحوّلت من بقي منهم فرجة للسياح القادمين! ويبدو للمتابع لما يجري في هذه الانتخابات أن النسبة الكبيرة من العرب مشاعرهم مع الديمقراطيين لا مع الجمهوريين إذ ماذا يذكرون عن هؤلاء الجمهوريين؟ أيذكرون جورج بوش الأب أم جورج بوش الابن الذي دمّر ودمّر ولم يعمّر، وترك لخليفته باراك أوباما عبئا ثقيلا خاصة تلك الحماقة التاريخية الكبرى التي بها دمر إحدى أهم الحضارات العربية الاسلامية وأسقط دولة، مسحها تماما ليبني على أنقاضها دولة بمواصفات فيها من الوهم والخرافة أكثر مما فيها من الواقع، وهكذا انزوى بوش الابن لأنه يعرف جيدا أنه لن يكون مقبولا من أحد وعلى العكس منه الرؤساء الديمقراطيون السابقون كارتر وكلينتون اللذان مازالا حاضرين ويمارسان أدوارا سياسية اعتدناها من رؤساء الدول السابقين الذين يطيح بهم صندوق الاقتراع أو تنتهي فترات حكمهم ليقوموا بأدوار أخرى.
لكن في هذا العالم المترامي شرفاء كبارا وقفوا بوجه الطغيان الأمريكي وتابعه الطغيان الهزيل لبريطانيا خاصة في عهد رئيس وزرائها طوني بلير الذي كان يجري أمام سيده بوش الابن في كل أفعاله التدميرية وقراراته التي أعادت العراق الى الوراء قرونا.
نتذكر جيدا النائب العظيم جورج غالوي ونتذكر أيضا الأسقف دزموند توتو رجل الدين الجنوب إفريقي الملون والحامل لجائزة نوبل للسلام الذي رفض حضور مجلس للقادة عقد في جوهاهنزبورغ أخيرا وذلك لوجود طوني بلير معه على منصّة واحدة. القسّ توتو ناضل ضد الميز العنصري في بلاده وناله ما ناله وكان أهلا لجائزة نوبل للسلام التي منحت له عام 1984.
هذا الرجل المقدام هو من كتب أخيرا مقالا في صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية طالب فيه بمحاكمة كل من بوش الابن وطوني بلير أمام محكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب لأنهما كذبا على العالم وعلى شعبيهما في فرية أسلحة الدمار الشامل العراقية متّخذين منها ذريعة للهجوم العسكري غير المسبوق في ضخامته ليلحق أكبر دمار بهذا البلد العريق.
إن هذين المجرمين الطليقين لا سيما وأن أحدهما طوني بلير لم يخبّئ وجهه أسوة بالآخر كانا كارثة على شعبيهما وعلى الانسانية كلها. وحتى بعد الانسحاب الأمريكي من العراق فإن البلد مازال بعيدا عن الأمن المنشود ومازالت بنيته التحتية مخربة والتفجيرات اللعينة تعيث في أرضه شمالا وجنوبا، شرقا وغربا ووسطا.
تحية للرجل العظيم دزموند توتو الذي مازال يطارد القتلة بكتاباته وآرائه وندواته حتى يوصلهم الى قفص محكمة الجنايات الدولية! عشت أيها الأسقف النبيل صوتا عاليا ينبض بضمير شعوب الدنيا المغلوبة على أمرها في عالم مخيف يفرز زعماء من طراز طوني بلير وبوش الابن وأمثلاهما.