تشهد الاجتماعات الحزبية من حين إلى آخر بعض التوتر الذي قد يصل إلى العنف والاعتداء على سياسيين بحجة المخالفة في الرأي أو بتهمة خدمة أجندا معينة... فهل أن هذا العنف حالات معزولة أم هو منظم ويهدّد بما هو أخطر؟ مثل الاعتداء على اجتماع لحركة «نداء تونس» مساء أمس الاول في صفاقس آخر حلقات هذا «المسلسل» الذي استهدف من قبل رئيس الهيئة السياسية العليا للحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي ونائب رئيس حركة «النهضة» عبد الفتاح مورو ورئيس المسار الديمقراطي الاجتماعي أحمد إبراهيم واجتماعا سابقا ل «نداء تونس» في صفاقس واجتماعا سابقا لحركة «النهضة» في المنستير وغيرها من الاحداث والاعتداءات.
اتهامات... وقراءات
حركة نداء تونس وجهت أصابع الاتهام إلى حركة النهضة بالتحريض على العنف واستهدافها، وفق ما ذكره القيادي في «نداء تونس» محسن مرزوق، وهو ما نفته النهضة.
من جانبه فسر القيادي في «نداء تونس» لزهر العكرمي أسباب اللجوء إلى الاعتداء على الخصوم السياسيين ب «الفشل وتآكل المصداقية والشرعية وعدم النضج السياسي في علاقته بقيم الثورة وأهدافها التي هي الحرية والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، إضافة إلى التحريض الذي نراه في الحلقات القيادية الأولى الذي ينعكس عنفا عند القواعد».
وأوضح العكرمي أن «خطاب مسؤولي الحلقة الأولى من التحالف الحاكم (في إشارة إلى حركة النهضة) هو التحريض على العنف، وإن الحملة التي يشنها مسؤولو هذه الحلقة على حركة «نداء تونس» هي دعوة صريحة إلى العنف، لأن ادعاءهم أن «نداء تونس» ستعيد التجمع أو أنها حزب تجمعيين لا يستقيم لسبب واحد بسيط وهو أن الأحزاب التجمعية البحتة موجودة ومنها الممثل في المجلس التأسيسي ولم تسترع انتباههم».
وتابع العكرمي قوله إنّ «أفواجا كبيرة من التجمعيين دخلوا حركة النهضة وحزب التكتل وفيهم المناشدون وهم موجودون في دواوينهم ووزاراتهم، فالائتلاف الحاكم قام بمصالحة سرية مع رموز الفساد وبالتالي فإن التحريض على «نداء تونس» هو ترتيب انتخابي يتخفى وراء موقف سياسي مبدئي».
وحذر العكرمي من أنه «إذا أشيع العنف في تونس فلا راد له، ومن يدعو إلى العنف إنما يدعو إلى خسارة تونس لا إلى خسارة طرف سياسي معين». ورأى القيادي في «نداء تونس» ان «معالجة هذه الظاهرة تكون بعودة هذه الأطراف السياسية إلى رشدها وأن تنتقل من مربع العنف إلى المربع الديمقراطي، وهناك بعض القوى هي في تركيبتها وبطبعها ظواهر عنفية أكثر منها ظواهر ديمقراطية وتؤمن بالديمقراطية مرة واحدة، أي استغلال الانتخابات للصعود إلى الحكم، وهذا ما نراه في تونس اليوم».
وردا على سؤال حول ما «إذا لم تعد هذه الأطراف إلى مربع الديمقراطية» هل سيكون الاتجاه نحو العنف المضاد؟ قال العكرمي إن «هذا أمر حتمي، فدورة العنف حين تبدأ تنظم نفسها وفق قوانين الطبيعة، بالعصبيات الخارجة عن التنظيم الديمقراطي وبالتالي فإن مسؤولية أي انزلاق لا يتحملها الشاب المتحمس الأمي وإنما القيادي الذي يحرض».
نفي.. وتفسير
وفي المقابل أكّد القيادي في حركة «النهضة» عبد الحميد الجلاصي أنّ الحركة ليس لديها منهج العنف إطلاقا فهي حركة سياسية سلمية مدنية تتبنى منهج التغيير السلمي والشعبي وهذا حالها في مقاومة الاستبداد والدكتاتورية وسيظل حالها كذلك في هذه المرحلة.
وقال الجلاصي إن «المناخ الديمقراطي ينزع كل مبرر وكل ذريعة لاستعمال العنف للتغيير الاجتماعي أو للإقناع بالأفكار» وإن «ما يحدث الآن في بلادنا نتيجة طبيعية لوضع الانتقال الديمقراطي فمجتمعنا كان مكبوتا وعديد القوى لم تكن لديها حرية التعبير وانتقلت من وضع استقرار قائم على القمع وتتجه إلى استقرار قائم على الشرعية.. أما هذه المرحلة الانتقالية فقد تشهد عنفا وانفلاتا لأنها تتطلب ثقافة جديدة لدى المجتمع ولدى النخبة».
وأوضح الجلاصي «هذا يفسر العنف ولا يبرره لأن العنف غير مبرر ولكن نفهمه في سياقه وما يحدث في مجتمعنا خليط بين انفلاتات قد تتخذ حينا المرجعية الدينية بفهم مشوه ومغلوط وكتشدد، وهي دوائر قليلة، وأيضا أطراف رأس مال فاسد تخشى المحاكمة وتخشى العدالة الانتقالية وأطراف من النظام القديم تريد الالتفاف على الثورة وإجهاضها أو أطراف يسارية لم تقبل نتائج الانتخابات وقد نجد تداخلا بين كل هذه الأطراف».
وأكّد الجلاصي أن «النهضة» ترفض الإكراه والعنف سواء كان حزبيا أو منظما وتدعو الدولة إلى استعمال أجهزتها القانونية للتصدي للعنف، معتبرا أنّ من الخطوات التي قد تهدئ من حدة العنف إسراع الحكومة في توضيح برامجها وفي إنجاز ما وعدت به من برامج والعمل على تقليص الفجوة بين الجهات. وأشار الجلاصي إلى أن هناك بعض أشكال العنف تتطلب تصدي الدولة ومعالجتها عبر التربية على ثقافة الحوار وثقافة التسامح والتعدد والاختلاف والقبول بالآخر وهذا تساهم فيه الدولة ووسائل الإعلام وأيضا الأحزاب السياسية عبر التركيز على المشتركات والتقليص من النقاط الخلافية».
مشهد معقّد
أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية ماهر تريمش اعتبر أن من أسباب العنف السياسي أنّ الحقل السياسي في تونس لم يتشكل من حيث حدوده بمعنى تحديد من هم الفاعلون الشرعيون في هذا الحقل وما هي مصادر شرعية وجود هذه الأطراف فضلا عن أنّ الفاعلين السياسيين في تونس لم ينجحوا في صياغة قواعد الاشتغال في هذا الحقل يلتزم بها الجميع، من قانون أحزاب وقانون التجمعات وحتى الدستور، فهذه القواعد لم تتشكل بعد وإذا نظرنا من هذه الزاوية فحسب يمكن القول إن العنف مفهوم نسبيا».
وذهب تريمش إلى القول إن «الحقل السياسي في تونس ما بعد الثورة لم تكن بدايات تشكله سليمة لأنه يفتقر إلى الأخلاق... صحيح أن السياسة فيها البراغماتية ولكن هذه صورة تقليدية عن السياسة، التي يجب أن تكون – بعد الثورة أو التغييرات الكبرى – مؤسسة لنمط اجتماعي جديد». وتابع الأستاذ تريمش قائلا «الآن ليست هناك مرجعية أخلاقية قيمية فهذه المرجعية تكاد تكون غائبة في تونس وليست هي المحدد للفعل السياسي بل إن المحدد الذي نراه هو الانتهازية التي تشرع للعنف خاصة أن هناك صراعا محتدا حول شرعية الوجود في الحقل السياسي ومصدر شرعية هذا الوجود».
العنف : مفهومه وأنواعه وأسبابه
يجمع أغلب الباحثين في تعريفهم للعنف على كونه أداة ووسيلة لتحقيق أهداف ما، فردية أو جماعية، بمعنى أنه ليس عقيدة أو فكرا وإن استعمل فكرا وعقيدة لتشريع ممارساته. وهذا بخلاف التفسيرات التي ترى في العنف عقيدة أصيلة تفسرها منظومات فكرية أو دينية أو أيديولوجية.
والعنف هو أسلوب يستعمل لتحقيق غرض ما ويتسم هذا الأسلوب بمجموعة من الصفات الأولى استعمال القوة والملاحظ انه ولكثرة ارتباط العنف بممارسة القوة اصبح يمكن استعمال التعبيرين بالتناوب في مقامات مشتركة على أن المرء يجب أن يميز بين استعمال القوة والعنف إذ ليس كل استعمال للقوة عنفا وليس في كل عنف استعمال للقوة، ومن السمات الأخرى للعنف الإكراه ذلك أن الذي يمارس العنف يسعى إلى إكراه موضوع فعله على ما لا يريده. أما السمة الثالثة والأساسية للعنف فهي كونه اعتداء على الآخر أو على الذات. يمكن تصنيف العنف الى مجموعة من الأصناف فهناك العنف الفردي كما هناك العنف الجماعي وهناك العنف العشوائي كما هناك العنف المنظم.
ويمكن تصنيف العنف أيضا إلى عنف إجرامي وعنف سياسي، فالعنف الإجرامي غير موجه إلى أشخاص كما أنه ليس أداتيا، وهو غير موجه للدفاع او لخلخلة او اقامة نظام قيمي معين، رغم انه وبشكل غير مقصود يمكن ان يساهم في ذلك. أما العنف السياسي فهو موجه إلىِ الحفاظ على نظام قيمي أو سياسي معين، أو إلى تغييره واستبداله بنظام قيمي أو سياسي آخر.