تعرّض الوزير المعتمد لدى الوزير الاول المكلّف بالعلاقة مع المجلس التأسيسي، العميد عبد الرزاق الكيلاني، الى انتقادات حادة من القضاة والمحامين، وأصبح متهما بالتدخّل لتأجيج أزمة العمادة. ما الحقيقة؟ انتقدت نقابة القضاة التونسيين في بيان لها، تصريحات عميد المحامين السابق والوزير الحالي بالحكومة المؤقتة لاحدى الاسبوعيات تحدّث فيها عن الفساد في القضاء.
القضاة: لا للتوظيف
وردّت رئيسة النقابة السيدة روضة العبيدي على تصريحات الكيلاني، بأن موقعه كوزير يخوّل له ابداء الرأي، لكن دون أن يوظف بعض المسائل على حساب القضاة. وقالت أيضا، إنه من المفروض بالنسبة الى حقوقي ومتضلع في القانون أن لا يتحدّث عن الاستبعاد ولا يتحدث عن المحاسبة، واعتبرت في حديث مع «الشروق» بأن غاية طلبه هي استبعاد قضاة من مراكزهم وتعويضهم بمحامين، وهذا في حد ذاته عقوبة، لأن الاستبعاد عقوبة.
وتساءلت كيف يمكن تسليط عقوبة على أي انسان دون محاكمة ودون ضمانات قانونية؟
واعتبرت القاضية روضة العبيدي، رئيسة نقابة القضاة أن الاستبعاد لا يمكن ان يقضي على منظومة الفساد.
وقالت ان الكيلاني في السنة الماضية عندما كان عميدا للمحامين، قدّم للسلط المعنية قائمة من المحامين اقترحهم للالتحاق بالقضاء؟
وأضافت بأنه من غير المسموح أن يتم توظيف مسألة الفساد والتطهير لاضعاف القضاء والقضاة. وقالت ان العديد يريد الرجوع الى الساحة اما على حساب القضاء أو على حساب الصحافة وقالت اننا نرفض قيام دعاية سياسية على حساب القضاة... وأكّدت أن الحقوقي لا يمكنه أن يتحدث عن استبعاد.
الكيلاني لا يتدخّل
سألنا السيدة العبيدي، عما يروج أحيانا لدى أطراف معينة، من أن الكيلاني يتدخل بصفته وزيرا في شؤون العمل الجمعياتي النقابي للقضاة، فنفت ذلك، وقالت انه لا وجود لمن يتدخل في شأن القضاة، ولم يبلغنا أي قاض عن تدخلات من هذا النوع، وقالت: إنه في صورة وجود تدخل فإننا لن نسكت عن ذلك، وأضافت «نحن أساسا لن نترك الامكانية تقع، فنحن محصنون من امكانيات التدخل في شؤوننا حتى بمجرّد الاشارة، فما بالك ان كان صراحة».
عكس السيدة روضة العبيدي، فإن عميد المحامين الحالي، الأستاذ شوقي الطبيب، يتهم صراحة سلفه العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني بالتدخل بشكل غير شرعي في شأن المحامين وبتأجيج أزمة العمادة، وبلغ الأمر الى حدّ توجيه الهيئة الوطنية الى المحامين رسالة الى رئيس الحكومة المؤقتة المهندس حمادي الجبالي.
الكيلاني والمحاماة
سألنا الطبيب عن مؤشرات تدخّل الكيلاني في شأن المحاماة، فهو لم يعد محاميا مباشرا وانما أصبح وزيرا في الحكومة الحالية، فقال انه يصرّح من حين الى آخر عبر وسائل الاعلام عن وجود أزمة في المحاماة وعن استعداده للرجوع الى المهنة لانقاذها، وكان ذلك قبل حتى نشوب الخلاف حول تأويل الفصلين 56 و60 من المرسوم المنظم لمهنة المحاماة.
وأضاف الطبيب في حديث ل «الشروق» إن العديد من الأطراف داخل الاتحاد الدولي للمحامين وفي هيئة المحامين بفرنسا أكّدوا بأن الوزير عبد الرزاق الكيلاني اتصل بهم في اكثر من مرّة وطلب منهم عدم التعامل مع عميد المحامين في تونس شوقي الطبيب، باعتباره من أذناب النظام السابق، والكلام هنا للطبيب، الذي يضيف ايضا أن عديد الاطراف الذي تدخلت في هذه القضية وآخرها الاستاذ محمد المكشّر الذي تمت تسميته خلال الجلسة العامة التي نظمها خصوم الطبيب متصرّفا على المحاماة. قال عنه انه من المعروفين بعلاقاتهم بعبد الرزاق الكيلاني وهو محاميه أيضا في بعض القضايا.
أصحاب الكيلاني
نفس الأمر، يقول شوقي الطبيب، بالنسبة الى سمير العنابي، الذي وصفه بأنه ترأس «الجلسة الانقلابية» التي عقدت بأحد النزل خلال شهر مارس الماضي» وقال انه معروف بعلاقاته مع عبد الرزاق الكيلاني، ويتوقع انه هو من دفع في اتجاه تسميته على رأس معهد المحاماة مباشرة بعد الثورة ثم تسميته على رأس لجنة مقاومة الفساد الجديدة. الطبيب قال أيضا، إن كل من يقوم بمثل هذه العمليات، ومعهم الكاتب العام السابق محمد رشاد الفري هم من المعروفين بعلاقاتهم المتميّزة مع الكيلاني وهو الذي يجالسهم يوميا، وهناك عدد من المحامين ممن يشهدون بأنه يهاتفهم دائما ويحرّضهم على عدم الاعتراف بشوقي الطبيب.
وزير المحاماة
سألنا الطبيب عن مبررات هذه المواقف لدى الكيلاني فقال إنه يقوم بكل ذلك لأنه يريد ان يحافظ على المنزلة والمكانة التي تخوّل له التصرف في المحاماة من موقع الوزارة، وقال: لقد قام بحملة تدفع في اتجاه ان يكون رشاد الفري هو المؤهل أكثر من غيره لتولي منصب العمادة، إضافة الى أنه يسعى إلى أن يكون في المرة المقبلة عضوا بمجلس الهيئة في صورة خروجه من الحكومة، وبالتالي له غرضان: غرض أول يتمثل في وضع اليد على المهنة وغرض ثان لضمان العودة الى الهياكل ولم يخف الطبيب بأن الكيلاني يريد دعم موقفه وموقعه داخل الحكومة المؤقتة بوضع يده على المحاماة، وقال أيضا: لذلك راسلنا رئيس الحكومة ومازلنا ننتظر موقفه وختم قوله بأن الجميع يعرف أن الوزير عبد الرزاق الكيلاني هو من يقف وراء أزمة المحاماة وكلما انفرجت الأزمة الا وأججها ودفع بعض أصدقائه والمرتبطين به الى اختلاق الأزمة من جديد.
واجب التحفظ
عبد الرزاق الكيلاني شغل سابقا رئاسة الفرع الجهوي للمحامين بتونس قبل ان يرشحه التيار المستقل في المهنة لمنصب العمادة لمنافسة مرشح نظام بن علي، وكان فوزه بمثابة الصفعة للتجمعيين.
اتصلنا به لمعرفة موقفه حول التهم التي ينسبها اليه القضاة والمحامون عبر عميدهم شوقي الطبيب فقال إن الناس يعرفون من هو عبد الرزاق الكيلاني وقال «أنا بصفتي عضوا في الحكومة فإني محمول على واجب التحفظ» وأضاف: «أنا أعمل ولا أفعل غير العمل من أجل البلاد ولا دخل لي في هذه المسائل».
الكيلاني انسحب والطبيب انقلب
أحد أبرز أطراف الأزمة في المحاماة الأستاذ فتحي العيوني الكاتب العام للفرع الجهوي للمحامين بتونس وبالتالي عضو مجلس الهيئة الوطنية نفى أي صلة لعبد الرزاق الكيلاني بالمحاماة وقال لا علاقة له من قريب او من بعيد بهذه الأزمة ولم يتدخل فيها بأي شكل من الأشكال.
وقال إن الأزمة في المحاماة اليوم هي أزمة شرعية فالمسألة مبدئية وليست سياسية ولا شخصية، والشرعية هي في تطبيق القانون. ومع ذلك حمّل العيوني جزءا من المسؤولية للكيلاني والجزء الآخر للطبيب اذ قال: «الكيلاني انسحب والطبيب انقلب» وقال إن انسحاب الكيلاني من العمادة ليكون وزيرا ترك فراغا تسبب في الأزمة الحالية، لكن بالنسبة اليه لا يمكن ان يكون هو الشماعة التي تعلق عليها كل الأزمة.
العميد ينزل الى الوزير
أمام هذه الأزمة رجع المحامون يناقشون تاريخ المهنة ويتداولون أطراف العمداء الذين رفض جلهم مناصب سياسية وتحدّثوا عن فتحي زهيّر العميد الأسبق الذي عرض عليه بورقيبة منصب وزير عدل فردّ عليه بأنه لا يمكنه ان ينزل من عميد الى وزير، بل إن بورقيبة كان كلما زار قصر العدالة يتوجه الى مكتب عميد المحامين ويجلس في كرسيه ويقول «أنا العميد الفعلي للمحامين».
لكن ظل السؤال مطروحا لماذا تنازل العميد الكيلاني عن منصب العمادة ليصبح وزيرا، ليس للعدل، بل معتمد لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع المجلس التأسيسي المتماهي بنسبة كبيرة مع الحكومة ولا يحتاج الى وساطة او علاقة تذكر.
عبد الرزاق الكيلاني كان موضوع اجماع من قبل خصوم نظام بن علي لكنه اليوم اصبح موضوع خلاف بين أصدقاء الأمس وكثرت بينه وبينهم النيران الصديقة.