كان يوم أمس شبيها في بعض من تفاصيله باليوم الذي سبقه فأبواب قاعات الإمتحان مُغلقة لليوم الثاني على التوالي بعد أن تعمّد أشخاص متشدّدون، بعضهم طلبة وبعضهم الآخر مجهول الهويّة، إغلاق قاعات الإمتحان وإقتحام قاعات الدروس رفضا لقرار المجلس العلمي للجامعة الذي تمّ اتخاذه يوم 2 نوفمبر الجاري والقاضي بمنع المنقبات من دخول قاعة الدرس. تبادل العنف بدت أبواب الكليّة صباح أمس متاحة لغير طلبتها...فيجتازها أشخاص غريبون عن الحرم الجامعي يقولون إنّهم جاؤوا لنصرة أبناء عقيدتهم أو للصلح بين الطلبة تفاديا للعنف داخل أسوار الجامعة». حسام العيّاري، صانع لدى صائغي، له مستوى علمي سادسة ثانوي كان لحظة وصولنا إلى المركب الجامعي بمنوبة يحثّ خطاه متجها نحو مدخل كلّية الآداب بمنّوبة نستوقفه ونسأله عن سبب مجيئه فيردّ «جئت من أجل الصلح» نسأله ثانية عن الطرف السياسي أو المدني الذي يمثله فيردّ «لا أمثّل أحدا لكنني جئت لتهدئة النفوس بين الطلبة خوفا من الصدامات فما طلبه الإخوة المعتصمون كان يمكن تنفيذه بتفاهم ودون صدامات». وإن جاء حسام للصلح فإنّ وجوها أخرى غريبة عن الجامعة وغريبة اللباس جاءت لنصرة المعتصمين بل إنهم تبادلوا العنف مع بعض الطلبة والطالبات الرافضين للاعتصام. وتعمّد بعضهم طلب «المدد» من أحياء مجاورة للكلّية من المتشددين المحسوبين على التيّار السلفي الأمر الذي جعل بعض الطلبة يهرولون إلى خارج الكلّية خوفا من عنف الغرباء. «ديقاج» في وجه المعتصمين داخل ساحة الكلّية بدا الطلبة ملتفون حول مطلب رفض النقاب داخل قاعات الدرس...إذ التفّ عدد كبير منهم حول متحدّثين باسم الاتحاد العام لطلبة تونس كانوا يخطبون في إجتماع عام خُصّص لنصرة الجامعة رافعين لشعار «جامعة شعبيّة تعليم ديمقراطي ثقافة وطنيّة» وشعار «ديڤاج» في وجه المعتصمين المحسوبين على الطلبة الاسلاميين. وخلف هؤلاء كان عددا من الملتحين يتوقفون قبالة مبنى العمادة يغلقون باب المدخل خلفهم منعا لمرور أي كان ما عدا الصحفيين. هؤلاء بدت عليهم مسحة من التشنج وأنت تتحدّث إليهم إذ يردّ بعضهم بعصبيّة حين تسأله من أنت؟ «لست طالب أنا أمثّل تيّارا سياسيا سلفيا كما تقولون» ثمّ يمضي دون أن يوضّح شيئا أو حتّى دون أن ينظر إليك. تحاول اللحاق بأحدهم وتستفسر إن كان هؤلاء فعلا يمثّلون التيّار السلفي فيردّ «تلك هي الاتهامات التي توجهونها إلينا» ثمّ يتحمّس للتصريح فيندفع يقول «نحن نطلب مصلّى داخل الحرم الجامعي ونطلب تمتيع المنقبات من حقّ الدراسة وإجراء الامتحانات ولم نطلب تقسيم قاعات الدروس هذه مسألة ملفقة» تسأله عن إسمه وقسمه فيردّ «أكتبي أنا أحمد طالب بكلّية التجارة يكفيكي هذا» رافضا التقاط صورة له. ومع حلول الساعة الواحدة بعد الزوال تعكّرت الأجواء داخل ساحة الكلّية فتشابكت الأيادي وتحوّلت ساحة الكلّية إلى فضاء للعنف المادي المتبادل بين المعتصمين ومناصريهم من جهة والطلبة من جهة أخرى. مضايقات يضمّ مدخل العمادة عددا من الملتحين ممّن يحاولون تأمين المدرج الذي يصل إلى الطابق الثاني وقد فسحوا لنا المجال للوصول إلى هذا الطابق حيث تتحصّن المنقبات وعددهنّ لا يتجاوز 15 منقبة جئن من مختلف الجامعات بالعاصمة لنصرة المنقبة في كلّية منّوبة. هناك كانت تجلس فاتن الحاجي طالبة سنة ثانية عربيّة قالت إنّها رفضت الانقطاع عن الدراسة، كما فعلت طالبتان منقبتان، وهي تتشبث بحقها في إرتداء النقاب. «كنت متحجّبة وبعد الثورة وتحديدا منذ حوالي 10 أشهر إرتديت النقاب قناعة منّي بأنّه فرض ديني وقد اجتزت امتحانات العام الماضي دون مضايقات لكن خلال هذه السنة الدراسيّة كثرت المضايقات من قبل زملائي الطلبة وأساتذتي وتمّ منعي من دخول قاعة الدرس واجتياز الامتحانات بسبب النقاب. وقد تمّ منعي الثلاثاء الماضي من اجتياز إمتحان اللغة فأخبرت صديقاتي المنقبات بذلك فاتصلن بالإخوة الزملاء وقرروا الإعتصام ما إن تمّ منع منقّبة من دخول قاعة الإمتحان وهو ما تمّ صباح أول أمس الاثنين حين تمّ منع الزميلة سناء عثماني طالبة سنة أولى انقليزيّة من إجراء الامتحان لذلك تحرّك الإخوة والأخوات» هكذا تقول فاتن مشيرة إلى أنّ عدد المنقبات يقدّر داخل كلّية منوبة ب7 منقبات. كما تقول فاتن إنها تطلب الحق في ممارسة حرّيتها الشخصيّة وأنها ليست بصدد القيام بفعل سياسي. تناقضات مثلها تقول أسماء، طالبة سنة ثانية إعلامية تصرّف، إنها ارتدت النقاب إثر مشاركتها في المسيرة التكفيريّة ضد قناة نسمة بعد عرضها للفيلم الايراني المدبلج «برسي بوليس» وقد كانت حينها تلبس حجابا وعرض عليها الأخوات المشاركات في المسيرة لبس النقاب فلم تتردد إذ كانت تفكر في إرتدائه. وقالت أيضا إنّها متمسّكة بحقها في ارتداء النقاب وبحقها في الدفاع عن حقوق المرأة وعن المساواة بينها وبين الرجل وهي ترفض تعدّد الزوجات وتطلب حقها في الشغل. تناقضات قال عنها إلياس، طالب فضّل التحدّث باسم مستعار، «هم كذلك الاسلاميّون متناقضون فالشعب التونسي كان مسلما تحت سطوة النظام السابق كان كبارنا وصغارنا يحجّون إلى بيت الله الحرام وكنّا نؤدّي فرائضنا الدينية فنصوم ونصلّي ونزكّي بطيب خاطر ونتدخّل للصلح والهداية ونمارس شعائرنا دون وصاية من أحد أمّا اليوم والجميع يلهث لكسب المنصب كثرت المحرّمات وكثرت الوصاية على الدين وأصبحت كل الأماكن متاحة من أجل الصراع السياسي المغمّس في الدين والجامعة طبعا لن تسلم من ذلك بل هي المختبر الصغير لمجتمع لم يفهمه القادة بعد».