الحياة كتاب مفتوح مليء بالدروس والعبر.. وفسحة لمن يريد أن يتعلم من الماضي ويعتبر. فالتاريخ يحكي كثيرا من قصص الأبطال الذين لم يعترفوا بالمستحيل وحولوا حياتهم من البؤس والخصاصة والحرمان الى الثروة والغنى.. ومن الظلام الى النور.. ومن التهميش والضياع الى الشهرة والمجد. وما لا يعرفه عامة الناس أن نجوما مثل بيليه و مارادونا وتايسون ومحمد علي كلاي و دروغبا وزيدان وروني ورنالدو ورونالدينيو وتيري هنري و كريستيانو رونالدو لم يولدوا في القطن .. ولم تلدهم أمهاتهم نجوما تنقل أخبارهم على واجهات الصحف وفي صدارة نشرات الاخبار. طفولة بائسة هو اللاعب الأفضل في تاريخ كرة القدم عبر كل العصور بالنسبة للكثيرين، ولهذا لم يحصل على لقب «الملك» من فراغ، هذا هو أيدسون أرانتيس دو ناسيمينتو الشهير ب»بيليه» أسطورة كرة القدم المدهشة. بدأ حياته مساح أحذية متجول .. متشرد في الشوارع يأكل من القمامة.. ولكنه عانق المجد وبلغ العلا بفضل ايمانه بأنه لا مستحيل في الحياة .. وأن سلاح الارادة والعزيمة يمكنه أن يزلزل الجبال و يمد طرق النجاح بين سفوحها .. والشاعر قال سابقا: لو تعلقت همة المرء بما وراء البحر لناله. ولد بيليه يوم 23 أكتوبر عام 1940 في إحدى القرى الجميلة تسمى «تريس كوراكويس» في ولاية ميناس جريس البرازيلية، بيد أنه انتقل بعد ذلك إلى ولاية ساو باولو ليلتحق بصفوف نادى سانتوس الذى سجل معه 1091 هدفا وذاعت شهرته العالمية من خلاله، كما حصد ثلاثة ألقاب في كأس العالم. تحدّى الآلام وحقق الاحلام رغم أن بيليه قضى طفولته ينظر دائما إلى تحت .. مطأطئ الرأس منهمكا في مسح أحذية زبائنه فإن مرارة الحصول على لقمة العيش لم تمنعه من تحقيق الاحلام التي كانت تثقل رأسه وهو يمشي بخطى متثاقلة في شوارع ريو دي جانيرو. أراد أن يكسب معركته مع الحياة ونظر الى الأعلى . بنى أحلاما وردية وحياة أفلاطونية جعلته محل سخرية حين يرويها حينئذ لأصدقائه من مساحي الاحذية و نال ما أراد في النهاية .فلم تمض سنوات قليلة حتى أصبح من أفضل اللاعبين في الدوري البرازيلي لكرة القدم .فجر موهبته فوق المستطيل الاخضر واعتبر كرة القدم المنقذ الذي سينتشله من الفقر والضياع والتسكع في شوارع ريو دي جانيرو. وفعلا خطف بيليه الاضواء وتم ضمه للمنتخب البرازيلي في سن مبكرة جدا ناهيك وانه أصغر لاعب شارك في تاريخ المونديال. وهكذا سطر بيليه لنفسه حياة جديدة مليئة بالنعم و المجد والشهرة والمال . ولم تبق أيام الطفولة بالنسبة اليه الا مجرد ذكريات بائسة من الماضي الغابر.