دعا مؤخرا الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي كلا من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الى التدخل بكل الثقل المطلوب واستثمار علاقتهما مع المؤسسات المالية الدولية لإيجاد حل لملف الوظيفة العمومية. تونس – الشروق – المقصود بهذه الدعوة التي أطلقها نور الدين الطبوبي إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وفق المتابعين، هو أساسا صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية التي تعمل بتعليماته وذلك من أجل محاولة اقناعه بالتعامل بشيء من المرونة مع الحالة التونسية في ما يتعلق بتطبيق املاءاته وشروطه التي يفرضها على الدول. وكل ذلك بالنظر إلى الظروف الاستثنائية والخاصة التي تمر بها البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيّا وأيضا الصعوبات الكبرى التي تواجهها المالية العمومية. فهل يقدر رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على اقناع صندوق النقد الدولي ومن ورائه المؤسسات المالية المانحة بضرورة مراعاة الحالة الاستثنائية التونسية عند المطالبة بتطبيق املاءاته وشروطه؟ حسب الخبراء والمختصين توجد عدة اعتبارات يمكن الاستناد إليها من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من اجل الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ودعوته الى مراعاة الظروف الاستثنائية والخاصة للبلاد. تهديد السلم الاجتماعي تبين مع تقدم الوقت أن الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على تونس مقابل اسنادها قرضا ماليا هاما أصبحت تهدد الاستقرار الاجتماعي في البلاد بعد أن أربكت الوضع العام ووتّرت الأجواء والعلاقات بين الأطراف الفاعلة من سياسيين ومنظمات وطنية وغيرها واصبحت تهدد بحصول حالة كبرى من الاحتقان والغليان الاجتماعي لدى المواطنين. من ذلك مثلا تسببها في توتر العلاقة بين الحكومة والاطراف الاجتماعية ابرزها مع اتحاد الشغل الذي نفذ اضرابا عاما في نوفمبر الماضي في انتظار اضراب عام آخر يوم 17جانفي، إلى جانب اضرابات قطاعية اخرى تسببت في أزمات حقيقية في البلاد على غرار ما يحصل في قطاع التعليم الثانوي او في القطاعات الاخرى الحساسة كالنقل والصحة والمحروقات وغيرها.. فقد وجدت الحكومة نفسها عاجزة عن صرف الزيادات المستحقة في الاجور التي تطالب بها الطبقة الشغيلة بعد تدهور المقدرة الشرائية الى درجة غير مسبوقة وهذا العجز مرده املاءات المؤسسات المالية الدولية المانحة وعلى راسها صندوق النقد الدولي. تهديد الديمقراطية ومن جهة اخرى اصبحت الحكومة في وضع محرج تجاه المواطن بعد ان اصبحت عاجزة عن توفير متطلبات الاستقرار المعيشي في البلاد وهو ما جعل ثقته في السلطة الحاكمة وفي الطبقة السياسية عموما تهتز وقد يدفعه ذلك الى مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية القادمة ومقاطعة الشان العام وهو أمر خطير يهدد التجربة الانتقالية الديمقراطية في البلاد والتي تدعو كل الاطراف الدولية الى ضرورة مواصلة انجاحها. شلل اقتصادي على الصعيد الاقتصادي فان بعض املاءات صندوق النقد الدولي اربكت الاستثمار في البلاد بفعل الضغوطات التي اصبحت مسلطة على رجال الاعمال والمستثمرين (الترفيع في الجباية وفي تكاليف القروض البنكية..) وهو ما تسبب في تراجع نسق التشغيل في القطاع الخاص. كما أن التحركات الاحتجاجية والاضرابات المنتظرة (بما في ذلك الاضراب العام في الوظيفة العمومية ) تهدد بمضاعفة الشلل الاقتصادي في البلاد وبمزيد ارباك وتعطيل الانتاج واضعاف القدرات الانتاجية للاقتصاد الوطني وهو ما يهدد بدوره بتواصل انهاك المالية العمومية وبتواصل تراجع كل المؤشرات الاقتصادية بلا استثناء ( سعر الدينار – العملة الصعبة – التصدير – الاستثمار ) لفترة أخرى قد تطول لسنوات. وهذه النتائج المتوقعة هي عكس الأهداف التي رسمها صندوق النقد الدولي لتونس وهي أساسا تحقيق الانتعاشة الاقتصادية لتونس وتحسين مؤشراتها الاقتصادية. فساد وحوكمة أدت الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تراكمت طيلة الفترة المنقضية إلى تسارع نسق انتشار الفساد في البلاد بعد ان اصبح كثيرون ينتهجون طرقا غير قانونية لتحصيل المال مثل التهريب والتهرب الضريبي والتحيل والاستيلاء على المال العام. وكل ذلك أيضا عكس ما دعته إليه عديد الاطراف الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي من ضرورة ارساء الشفافية والحوكمة الرشيدة وحسن التصرف في المال العام.. كل هذه الاعتبارات والمخاطر يمكن الاستناد إليها من قبل الدّولة التونسية في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي ومع الاطراف المالية المانحة لإقناعها لمراعاة الحالة التونسية ولم لا بمزيد ضخّ قروض مالية إضافية بشروط ميسرة.ا أبرز إملاءات FMI عدم الزيادة في أجور الموظفين الزيادات الدورية في أسعار المحروقات بعض الشروط الاخرى المتعلقة بنسب الفائدة البنكية وبتعويم الدينار إيقاف الانتدابات في الوظيفة العمومية تقليص التدخل الاجتماعي للدولة في بعض مجالات الدعم او المساعدات الاجتماعية..