تونس «الشروق»: لم تشأ حركة النهضة توديع سنة 2018 دون توجيه رسائل إيجابية إلى خصمها قايد السبسي… الحركة تواصل «اللعب على الحبلين» عبر التودد للباجي قولا ومخاصمته فعلا فأي مصلحة لها في هذا اللعب؟. «تجدد الحركة التزامها بنهج الحوار والتوافق مع رئيس الجمهورية» ما نقرؤه في الفقرة الثانية من بلاغ حركة النهضة الإعلامي الصادر الجمعة الماضي شبيه بمن يصر على حب غيره غصبا عنه وعن ملاقاته رغم أنفه والتقرب منه رغم تمنعه ومقابلة جفائه بالود. الأكثر من هذا أن الحركة تبدو مبالغة في مغازلة السبسي فهو حسب عبارات البلاغ «رمز لوحدة الدولة وشريك رئيسي في رعاية النموذج الديمقراطي التونسي...». وهو من وجهة نظر الحركة يؤكد «دوره المحوري (...) في إنجاح الانتقال الديمقراطي وحمايته من الانتكاس، وطمأنة التونسيين حول استعداد كل الفاعلين للبحث عن الحلول التوافقية التي تحفظ المصالح العليا للبلاد». (الفقرة الأولى من البلاغ). كان بإمكان هذه الثقة الغالية في الباجي أن تبدو عادية جدا لو صدرت عن النهضة أيام توافقها معه وتواددها أما اليوم فهناك نوع من التناقض والازدواجية: في السر والواقع يمكننا أن نستدل على التناقض بأدلة نقسمهما إلى مستويين أولهما موقف النهضة غير الرسمي وثانيهما موقفها الفعلي: أما غير الرسمي فهو ما تعبر عنه وسائل الإعلام والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي المنسوبة إلى الحركة والمقربة منها والتابعة لبعض قيادييها دون أن تصدر عن النهضة في بلاغ أو بيان رسمي ودون أن يصرح به قياديوها علنا. في هذا المستوى تتواصل الحملة الشرسة على رئيس الجمهورية والاستهزاء من مبادراته (أهمها مبادرة المساواة) والاعتراض على تحركاته ولقاءاته (مثل استقباله أرملة الشهيد بلعيد أو هيئة الدفاع في قضيته وقضية الشهيد البراهمي واستقباله ولي العهد السعودي ولقاءاته المتكررة بوزير الدفاع…) وأما المستوى الفعلي فيثبته وقوف الحركة الواقعي إلى جانب رئيس الحكومة يوسف الشاهد رغم مطالبة السبسي وحزبه بإقالته ولكن لماذا تتودد إلى الباجي رسميا وتهاجمه من وراء الستار؟، ولماذا تحفظ وده قولا وتغضبه فعلا؟. يضمن مصالحها يتضمن البلاغ سابق الذكر بعض الإجابة فدور رئيس الجمهورية في ذهن التونسي يتعدى صلاحياته الدستورية المحددة ما يجعل له «دورا محوريا في الحماية من الانتكاس وطمأنة التونسيين…» بما ينفع الحركة وكل مستفيد من الاستقرار السياسي. ورئيس الجمهورية يبقى بغض النظر عن نسبتي مؤيديه ومعارضيه «رمزا لوحدة البلاد وشريكا رئيسيا في رعاية النموذج الديمقراطي التونسي». والأهم أن الباجي يسعى إلى جمع الفرقاء حول طاولة واحدة لحل الخلافات وهذا قد يفيد المصلحة الوطنية ولكنه يصب بالضرورة في مصلحة النهضة ولا يمكنها إلا أن تباركه وتشجع عليه وتنوه بمجهودات صاحبه حتى يواصل السير في النهج ذاته. كما أن الحركة تؤمن (في الفقرة الرابعة من بلاغها) بأن «الحفاظ على السلم الأهلي والاجتماعي مسؤولية جماعية للسلطة والمعارضة والمنظمات الوطنية»، ومعلوم أن رئاسة الجمهورية طرف مهم جدا في هذه المسؤولية. لكن هناك أسباب أخرى غير معلنة تشجع الحركة على لعب الدور المزدوج: ثلاثة عصافير بحجر واحد النهضة حزب براغماتي يتأقلم بسهولة مع الأحداث والتقلبات والتغيرات لما فيه خيرها. وعندما كانت المصلحة مع النداء ومؤسسه تقربت منهما وتوافقت وتشاركت، ولما تراجع الحزب رأت مصلحتها في رئيس الحكومة فمالت إليه ودعمته. هذا القرار الاستراتيجي الذي اتخذه رئيس الحركة راشد الغنوشي والمقربون منه أثار حفيظة شقا من الحركة بزعامة لطفي زيتون لأنه رأى أن التخلي عن قايد السبسي يضر بالحركة في جانبها الأخلاقي وقد يعود عليها بالوبال لو عاد النداء إلى سالف قوته أو سار الشاهد لاحقا بما لا تشتهيه النهضة. اليوم تسعى النهضة إلى مصالح ثلاث على قدر كبير من الأهمية، أولاها تحاشي اتهامها بالأنانية السياسية والتخلي عن الحليف في حالة ضعفه، وثانيهما عدم غلق الباب كليا أمام الباجي تحسبا لاستعادته قوته واتقاء لردود فعله الغاضبة، وثالثها احتواء الخلافات الداخلية في الآراء والسعي إلى التوفيق بينها. في النهضة هناك خلافات داخلية كما يحدث في كل حزب لكن هناك فرق بين الخلافات الهدامة وبين الخلافات التي تزيد الحزب تماسكا.