تونس (الشروق) يجمع المهتمون بالشأن التربوي أن هناك اقبالا متزايد على التعليم الخاص مقابل الهروب من التعليم العمومي خلال السنوات الأخيرة. هذا الاقبال له ثمنه كما يؤكد الأولياء. فهو استنزاف لمواردهم المالية مقابل مردود جيد ليس مضمونا. فماهي اشكاليات التعليم الخاص في تونس؟ بلغ عدد المدارس الخاصة في تونس حسب آخر الاحصائيات أكثر من 650 مدرسة ابتدائية تحتضن أكثر من 50 ألف تلميذ وتلميذة. وتعتبر ولايتا تونس وأريانة من أكثر الولايات التي توجد بها مدارس خاصة. هذا الارتفاع في العدد يقابله ارتفاع في التكاليف. فالتونسي وجد نفسه بين مطرقة التعليم الخاص بما يعنيه ذلك من مصاريف ومتطلبات مالية كبيرة تدفع البعض إلى الاقتراض من البنوك أو حرمان النفس من بعض الكماليات مقابل إلحاق أبنائهم بمؤسسات التعليم الخاص بحثا عن جودة أفضل للتعليم وانضباط أكثر وتأطير مضمون وتعلم للغات الأجنبية منذ السنوات الأولى للمرحلة الابتدائية. وهو ما لا توفره المدرسة العمومية لتلاميذها وبين سندان التعليم العمومي المتآكل والمهترئ بمؤسساته التعليمية التي لم تشملها التهيئة والاصلاح منذ عقود وبغياب الانضباط داخل المؤسسات التعليمية. حيث احتلت تونس المراتب الأخيرة في مسألة الانضباط المدرسي على المستوى العالمي وكذلك بكثرة غيابات الاطار التربوي وكثرة الاضرابات والتهديدات المتواصلة كل سنة دراسية وجامعية بسنة دراسية بيضاء, وغيرها من الهنات والاشكالات التي تنخر التعليم العمومي في تونس. انتشار المدارس الخاصة وإن كان يعتبره البعض تهديدا للتعليم العمومي واتجاها نحو خوصصة التعليم في تونس أو الحديث عن تعليم للفقراء وآخر للأغنياء فإن البعض الآخر يدافع عنه. ويعتبره نقطة ايجابية يمكن أن تنهض بجودة التعليم في تونس من جهة وتساعد في حل مشكل البطالة من جهة ثانية. ومن منطلق الواقع فإن التعليم الخاص في تونس يشمل كل هذه المتناقضات التي أشرنا إليها سابقا بالإضافة إلى نقاط أخرى تتمثل خاصة في ارتفاع تكاليف التعليم الخاص في تونس. حيث تتراوح تكاليف الدراسة بين 250 و500 دينار شهريا وتصل أحيانا إلى عتبة 1000 دينار, أي حسب المدرسة وحسب الامتيازات التي توفرها بعض المدارس للتلاميذ من ذلك الأنشطة والنوادي المختصة وتوفير بنية تحتية عالية الجودة للتلاميذ. وإن ما يميزها هو جودة الخدمات المقدمة ومدى ملاءمة الزمن المدرسي للزمن الاجتماعي للأسرة. ورغم أن الاستثمار في التعليم الخاص أصبح مربحا إلا أن الاستغلال والتشغيل الهش مازالا السمة البارزة في هذا القطاع. أسباب الإقبال على التعليم الخاص بينت السيدة سماح (معلمة بمدرسة خاصة) أن لكل عائلة أسبابها التي قد تدفعها إلى نبذ المدارس والجامعات العمومية والذهاب إلى القطاع الخاص. ويعتبر الكثيرون أنّ تدنّي مستوى التعليم العمومي في السنوات الأخيرة هو السبب الرئيسي. لكن في الواقع هناك أسباب أخرى أكثر تأثيراً. وهي تختلف حسب المرحلة العمرية للتلميذ وحسب الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها العائلة. ففي التعليم الابتدائي نجد أن المدارس الخاصة لديها قدرة جذب قوية بفضل عوامل عدة. فعادة ما يكون عدد التلاميذ في أقسام هذه المؤسسات ما بين 15 و20 تلميذاً، أي تقريباً نصف ما هو عليه في المدارس العمومية المكتظة (25 - 35 تلميذاً في القسم الواحد)، مما يعني أن ظروف الدرس والتركيز أحسن، والوقت الذي يخصصه المدرس لكل تلميذ أكبر. كما تمتاز هذه المدارس بتركيزها على اللغات الأجنبية وتخصيصها وقتاً أكبر للأنشطة الثقافية والترفيهية. فالفئات المتوسطة والتي أصبحت تقبل بصفة متزايدة على الحاق أبنائها بالمدارس الخاصة تعتبر مصاريف المدارس الخاصة نوعاً من الاستثمار في تعليم أبنائها وتدعيم قدرتهم «التنافسية» التي ستمكنهم من التفوق لاحقاً في المستويات الأعلى والتوجه إلى الاختصاصات العلمية «المرموقة» ذات الآفاق التشغيلية العالية. هذا الاقبال وان بدا ظاهريا رغبة في الاستثمار في تعليم الأبناء وبحثا عن جودة التعلم التي غابت عن المدرسة العمومية، فإنه يعتبر لدى الكثيرين ممن اختاروا المدارس الخاصة اضطرارا ويروا أنفسهم مجبرين على ايداع أبنائهم في المدارس الخاصة لعدة أسباب أولها كثرة الغيابات في المدارس العمومية وثانيها عدم توفر قاعات في المدارس الابتدائية لايواء التلاميذ خلال ساعات الفراغ أو عند غياب المدرسين وثالثها كثرة الاضرابات ورابعها عدم توفر الاطار التربوي في عدد من المدارس وخاصة المدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية حيث من الوارد أن لا يدرس التلميذ مادة من المواد طيلة سنة كاملة, وهذا الأمر يحدث ليس فقط في المناطق النائية بل من الممكن حدوثه في العاصمة والأمثلة عديدة في هذا الشأن. التعليم الخاص سلاح ذو حدين لئن كان التعليم الخاص الهدف منه تقديم خدمات تعليمية راقية ومتطورة ويضمن الرفاه والجودة للمنتمين اليه فإنه أيضا يعتبر سيفا مسلطا على رقاب الاولياء بكثرة المصاريف والمتطلبات والغلاء المشط. فأسعار المدارس الخاصة تزداد سنة بعد أخرى, هذه الزيادات تتراوح سنويا بين 10 و20 دينارا وهو ما يثقل كاهل الأولياء. وللإشارة فإن كل خدمة تقدم في المدارس الخاصة بمقابل حتى الأنشطة الرياضية والثقافية. فانتماء التلميذ لأي ناد من النوادي بمقابل قد يصل إلى 20 دينارا أو أكثر. وقد يتبادر إلى الأذهان إلى أن الانخراط في النوادي بالمدارس الابتدائية والاعدادية الخاصة اختياريا وحسب رغبة التلميذ والولي, فالأمر فعلا كما يفهم لكن الزمن المدرسي بالمدارس الخاصة يختلف عن الزمن المدرسي بالمدارس العمومية أي أن التلميذ يمكث بالمدرسة طوال النهار وتنتهي الدروس عموما على الساعة الرابعة مساء في حين أن جل الاولياء يغادرون مقرات عملهم على الساعة الخامسة والنصف, يعني أن التلميذ يضطر إلى البقاء في المدرسة إلى حدود الساعة السادسة مساء وهو ما يضطر الولي إلى الحاق ابنه أو ابنته بأحد النوادي وفي النهاية تصبح النوادي أمرا ضروريا. أما فيما يخص مصاريف الدراسة فقط فتتراوح عموما بين 150 و200 دينار في الشهر, هذا بالاضافة إلى خدمة المطعم المدرسي والتي تتراوح بين 100 دينار و 120 دينارا. وعندما نحتسب المصاريف جميعها نجدها في حدود ال 500 دينار في بعض المدارس الخاصة وقد تناهز أو تتجاوز الألف دينار في الشهر يعني 8 الاف دينار في السنة في بعض المدارس الأخرى . نبذة عن تاريخ التعليم الخاص في تونس مر التعليم في تونس بمراحل متباينة تكاد تكون متناقضة أحيانا. وانطلق بمرحلة المدارس "القومية" والوطنية في الحقبة البورقيبية التي راهنت على التعليم كمشروع وطني لبناء الدولة الحديثة لينتهي إلى مرحلة المدارس التكوينية والإعدادية مع نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، حتى أن وزارة التربية والتعليم في تونس أصبحت تسمّى وزارة التربية والتكوين. ونشير إلى أن التعليم الخاص في تونس كان موجودا منذ ما قبل الاستقلال في شكل مدارس فرنسية يشرف عليها "الآباء البيض". وهو ما يطلق على تسميته باللغة العامية التونسية «الباباصات». وهناك مدارس خاصة في تونس بلغ عمرها أكثر من 130 سنة. أما المدارس الخاصة التونسية مائة بالمائة. فبدأت بالظهور والانتشار منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي بتركيز تجربة المدارس الدولية (الأولى مدرسة تونس الدولية في 1999 والثانية مدرسة قرطاج الدولية 2007). والرابط الزمني في مستوى ظهور هاتين التجربتين الجديدتين للمدارس الخاصة في تونس كان مقصودا من النظام السابق لعدة اعتبارات، منها التغطية على العيوب التي كانت تطبع منظومة التعليم العمومي بمجملها. وبالموازاة مع طبقة محظوظة من المتنفذين ورؤوس الأموال قادرة على الدفع لتمكين أبنائها من تعليم جيد وفرص تكوين أوفر دخلت مدارس التعليم العمومي في طور من الركود والتراجع الفعلي. البوصيري بوعبدلي (صاحب مؤسسات تعليمية خاصة) أسعار المدارس الخاصة عادية مقابل الخدمات التي توفرها في جوابه عن سؤال وجهته له «الشروق» حول ارتفاع تكاليف التعليم في المدارس الخاصة وان كانت المدارس الخاصة تستنزف أموال العائلات التونسية؟. يقول السيد البوصيري بوعبدلي صاحب عدد من مؤسسات التعليم الخاص إن الأسعار ليست مشطة بل تتماشى ونوعية الخدمات المقدمة. فجل المدارس الخاصة لها التزاماتها المادية الكبرى وتدفع ضرائب مرتفعة للدولة ولها اطارها التربوي الخاص الذي تمنحه التغطية الاجتماعية والمنح وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها المربي في القطاع العام. وأشار إلى أن هناك بعض المدارس الخاصة الجديدة التي بعثت بعد سنة 2011 تبالغ في تكاليفها المادية وقد تصل إلى 1000 دينار, أما بالنسبة لمؤسساتنا وعدد آخر من مؤسسات التعليم الخاص كانت ولازالت تضع في حسبانها الامكانيات المادية للتونسي خاصة وأن التعليم الخاص لم يعد حكرا على الأغنياء وأصحاب الأموال كما كان في أول بداياته بل أصبح وجهة أبناء الطبقة المتوسطة والتي يكون دخلها الشهري اقل من 1500 دينار. عمار اللموشي متفقد عام سابق بوزارة التربية في جوابه عن سؤال وجهته له «الشروق» حول ارتفاع تكاليف التعليم في المدارس الخاصة وان كانت المدارس الخاصة تستنزف أموال العائلات التونسية؟. يقول السيد البوصيري بوعبدلي صاحب عدد من مؤسسات التعليم الخاص إن الأسعار ليست مشطة بل تتماشى ونوعية الخدمات المقدمة. فجل المدارس الخاصة لها التزاماتها المادية الكبرى وتدفع ضرائب مرتفعة للدولة ولها اطارها التربوي الخاص الذي تمنحه التغطية الاجتماعية والمنح وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها المربي في القطاع العام. وأشار إلى أن هناك بعض المدارس الخاصة الجديدة التي بعثت بعد سنة 2011 تبالغ في تكاليفها المادية وقد تصل إلى 1000 دينار, أما بالنسبة لمؤسساتنا وعدد آخر من مؤسسات التعليم الخاص كانت ولازالت تضع في حسبانها الامكانيات المادية للتونسي خاصة وأن التعليم الخاص لم يعد حكرا على الأغنياء وأصحاب الأموال كما كان في أول بداياته بل أصبح وجهة أبناء الطبقة المتوسطة والتي يكون دخلها الشهري اقل من 1500 دينار.