كنت تناولت في مقال سابق موضوع التعليم المدرسي الخاص من حيث أهميته في المنظومة التربوية التونسية وتمسك أولياء التلاميذ بتلك المؤسسات التربوية التي ترى فيها أنها تلبي تطلعاتهم في تكوين أبنائهم خاصة وأن العديد منهم يرى أن المدرسة العمومية تراجع المستوى فيها. وكنت أشرت إلى ضرورة تفعيل متابعة عمل تلك المؤسسات من قبل وزارة الإشراف وزارة التربية. وهنا نتناول جانبا آخر من العلاقة بين المدارس الخاصة والأولياء هو جانب المعاملات المالية. طلبات غريبة إن أول ما نشير إليه بخصوص المعاملات المالية هو التعريفات التي تتعامل بها المدارس الخاصة مع الأولياء. هي تعريفات مشطة ومبالغ فيها، فهي تزيد في المعدل عن 300 د في الشهر للتلميذ الواحد وتصل في عدة مدارس في المدن الكبرى إلى 450د أو 500د في الشهر. وإذا أضفنا إليها التأمين السنوي ومعلوم التسجيل الذي يبلغ في عدة مدارس 300 د في السنة أو يزيد، يصبح المبلغ الذي يدفعه الأولياء للمدارس الخاصة مبلغا مشطا لكن يقبله الأولياء عن مضض. يضاف إلى ذلك الطلبات المالغ فيها أيضا في الأدوات المدرسية التي على الولي توفيرها، منها ما يحتفظ به التلميذ ضمن أدواته في البيت، ومنها ما تحتفظ به إدارة المدرسية، من ذلك طلب بعض المدارس توفير من 1 إلى 3 رزم ورق عن كل تلميذ منذ بداية السنة الدراسية (حسب المدرسة) وهذا يعني أن المدرسة لا توفر أوراق الطباعة اللازمة للدراسة على حسابها، بينما هي من المفترض أن يشملها المعلوم الشهري الذي يدفعه الولي. إضافة إلى أدوات أخرى تطلب بعض المدارس أن يوفرها الأولياء في بداية السنة أيضا وتبقى في المدرسة. أما الأنشطة المدرسية التي تتبجح عدة مدارس بأنها توفرها للتلميذ ضمن الخدمات التي تقدمها فيتم تنظيمها بمقابل مالي إضافي مثل النشاط المسرحي أو الموسيقي أو الرياضي أو الفني بل وتذهب إحدى المدارس إلى توفير نوعين من النشاط الرياضي واحد في المؤسسة بدون مقابل وواحد في ملعب خارج المؤسسة بمقابل. كذلك لا ننسى أن بقاء التلميذ لوقت معين في المدرسة بعد نهاية اليوم الدراسي بسبب التزامات الأولياء المهنية يكون بمقابل مالي إضافي يختلف من مدرسة إلى أخرى... نشاط تربوي أم تجاري إن تضخم عدد التلاميذ المسجلين في التعليم الخاص المدرسي ابتدائي وإعدادي وثانوي في السنوات الماضية، يدعو إلى الوقوف إلى جانب الأولياء الذين اختاروا المدارس الخاصة لتعليم أبنائهم وإلى التعامل بحزم مع من يعتبر المدرسة الخاصة مشروعا تجاريا قبل أن يكون تربويا، والذين فهموا أن القطاع الخاص له الحرية الكاملة في طلب ما يريد في التعامل مع الأولياء. فكما تتدخل الدولة في كثير من الأحيان لتعديل أسعار السوق في عدة. مجالات من بينها مجال الخدمات فلم لا تتدخل الدولة لترشيد الطلبات المالية للتعليم المدرسي الخاص خاصة وأنه قطاع بدأ يتوسع بصورة ملحوظة فهو يتعامل مع حوالي 60 ألف عائلة اختارت طواعية التعامل مع هذا القطاع. فنحن نحصي اليوم أكثر من 138 ألف تلميذ مسجلين بالمدارس الابتدائية والاعدادية والمعاهد الخاصة التي تبلغ 775 مدرسة تشغل حوالي 18 ألف مدرس حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية للسنة الدراسية 2016 – 2017 . إن المطالب المالية للمدارس الخاصة لتدعو وزارة الاشراف إلى لعب دورها المراقب والمعدل والمتابع لما يجري في تلك المؤسسات التربوية في الأصل قبل أن تكون تجارية، من حيث التعريفات ومعاليم التسجيل والتأمين التي تفرضها والمبالغ الاضافية التي توظفها لسبب أو لآخر. فالكسب المادي هو هدف أي مشروع لكن يبقى الهدف في المجال التربوي هو التربية والتعليم قبل كل شيء . * باحث وخبير تربوي