٭ بقلم الأستاذ خالد الكوكي المحامي لقد كان أوّل شعار رفع خلال ثورة تونس هو «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق» ثم تطورت الشعارات والطلبات لتصل إلى شعار «خبز وماء وبن علي لا» فمن الطلبات الاجتماعية إلى المطالب السياسية المنادية بإسقاط نظام بن علي كلف الشعب ما كلّف، حتى لو تنازل عن أبسط متطلبات الحياة لأن الغاية كبيرة ولا يمكن تحقيقها إلاّ بتقديم تضحيات جسام. لقد قدمت الثورة مئات من الشهداء والجرحى، وخسر الكثير من التونسيين أموالا طائلة بسبب تعطّل أعمالهم، وتكبد الإقتصاد التونسي خسائر لا تحصى ولا تعدّ، كل ذلك اعتبر تضحية من الشعب التونسي غايته تحقيق الحرية والكرامة والعدالة والمساواة بين كافة أفراد المجتمع. ولكن من المؤسف أن لا يمرّ شهر على الثورة ونجد أنفسنا في حالة من الفوضى المطلبية تطال القطاع العام وكذلك القطاع الخاص، كلّ يطالب بتحسين وضعه المادي والمهني، ونشرات الأخبار لا تطالعنا إلاّ بالاعتصامات والإضرابات عن العمل، مع ما يرافق ذلك من إضطراب في سير الحياة العادية بسبب توقف وسائل النقل والمرافق العمومية الأخرى إلى جانب توقف العمل داخل العديد من الإدارات العمومية. هل يعقل أن يقفز هؤلاء الموظفون إلى الصفوف الأمامية للمطالبة بتحسين الأوضاع المادية والمهنية؟ أين المهمشون من الفئات الاجتماعية داخل الجمهورية؟ أين المعطلون عن العمل من أصحاب الشهائد؟ أليست الأولوية في التدخل العاجل للحكومة لصالح هذه الفئات ؟ من المؤسف أن تفهم شريعة كبيرة من المجتمع أن الإطاحة ببن علي تعني الظفر بكنوز لا تفنى، ومن المؤسف أن تطالب هذه الشريحة بنصيبها من الكعكة متناسية شعارات الثورة الداعية إلى التشغيل والتضحية من أجل الحرية والكرامة. من البديهي أن الحكومة المؤقتة لا يمكنها النظر في كل مشاغل الشعب التونسي، وهي المطالبة بالإعداد للإنتخابات المقبلة في أقرب الآجال، لذا كان لزاما علينا أن نفهم ضرورة الاقتصار على المطالب العاجلة والمتمثلة أساسا في تعويض أهالي الشهداء والجرحى، ومعالجة مشاغل الفئات المحرومة بالمناطق المهمشة، إضافة إلى النظر بجدية في صعوبات التشغيل. وفي الجانب المقابل فإن كافة المواطنين مطالبون بالإلتحاق بمراكز عملهم والسعي بكلّّ جدية إلى إعادة الحياة إلى وضعها الطبيعي، فلا تنمية والسياحة معطلة ولا تنمية وتصدير الفسفاط معطّل. كيف يمكن أن يتطور الاقتصاد التونسي في غياب الاستثمار الأجنبي المباشر؟ بل أن العديد من المستثمرين الأجانب المنتصبين بتونس يفكرون في مغادرة البلاد بسبب التهديد بالإضراب من العمّال بالرغم من أن وضعهم المادي جدّ مقبول، وكذلك بسبب الحضور اليومي لممثلي اتحاد الشغل الذين بداعي الدفاع عن العمّال المستغلين من الأجانب يجدون الأسباب الشرعية لتواجدهم داخل تلك المؤسسات. لقد نسي الجميع أن تونس دولة في طور النموّ، وهروب بن علي لم يجعل منها دولة متقدّمة في ليلة وضحاها، بلّ بالعكس فإن أحداث الثورة أثرت سلبيا على الاقتصاد الوطني، الذي لم يعد قادرا على مجابهة الطلبات الضرورية، فما بالك بمن يطالب بجزء من الكعكة؟ أين هي الوطنية التي تنادي بها الذين نزلوا إلى الشوارع ألم يرددوا «نموت ونحيا على عهدها، حياة الكرام وموت العظام».