بعد أن أخذ الصهاينة كل فلسطين وبعد أن شردوا نصف شعبها في المنافي والشتات وأخضعوا نصفه الآخر لاحتلال بغيض لم يبق لهم غير أن يحددوا لنا نحن العرب أولوياتنا؟ من نصارع ومن نهادن؟ ومن هم أعداؤنا الحقيقيون؟! فقد تخلص بيريز من بقايا الحرج والحياء ليزعم أن «الصراع الحقيقي في الشرق الأوسط هو بين ايران والعرب وليس بين اسرائيل والفلسطينيين.. وإذا كان بيريز يريد أن يضحك على ذقوننا بهذه الكلمات فإنه مخطئ على طول الخط.. ولأكثر من سبب.. إذا كان بيريز أطلق مزاعمه على خلفية تمسك طهران ببرنامجها النووي فإننا نقول له إنّ اسرائيل تخطّت مرحلة البرنامج والطموح والتخطيط لحيازة سلاح نووي (هذا على فرض ان برنامج ايران يفضي الى صناعة القنبلة النووية وهو ما تفنده طهران) الى مرحلة امتلاك المئات من الرؤوس النووية القادرة على احراق منطقة الشرق الأوسط برمتها.. فكيف يكون صراعنا مع ايران؟ وكيف تتحول الأولويات؟ أما إذا كان أطلق مزاعمه للتحذير مما يسمّى «الخطر الايراني»، فإنه يخطئ العنوان أيضا.. لأن من يحتل الأراضي الفلسطينية ويضطهد الشعب الفلسطيني هو اسرائيل وليس ايران. وإذا كان يريد استبدال خطر قائم بخطر داهم فإننا نتحداه أن يأمر بانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967على الأقل بما فيها القدسالشرقية ليصبح ممكنا قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.. ووقتها سنحوّل نحن العرب بوصلتنا باتجاه الخطر الايراني الداهم. ومع كل هذا، فإنّ الصهيوني بيريز يبقى محقّا من زاوية ما.. زاوية يقينه بقصور العرب عن تشكيل رؤية استراتيجية واضحة لمآل التحولات والصراعات الجارية في الشرق الأوسط، رؤية تحدّد الأولويات وتسطر برنامج عمل وتكون بمثابة المشروع الذي ينخرط فيه كل العرب من المحيط الى الخليج.. وهو ما شجعه على صياغة «رؤية» للعرب.. تعبث فيها اسرائيل بالأولويات كما تريد وتوجه العرب حيث تريد.. طالما أنهم «يخبطون خبط عشواء».. بلا بوصلة وبلا رؤية وبلا مشروع..