الأستاذ أحمد بن صالح وأسرار وخفايا تكشف لأول مرة (310) حوار وإعداد : فاطمة بن عبد الله الكراي اعتبر «سي احمد» بن صالح ان المثال الذي توخته تونس هو أقرب الى بلدان أوروبا الشمالية حيث يقول في معرض رده على ملف الديمقراطية وفترة الستينات: «أنا لا أعتبر أن فرنسا مثال في الديمقراطية... الأقرب هي بلدان أوروبا الشمالية، حيث الأولوية هي الاعتناء بالشعب من حيث تركيز التوازن بين أصناف المجتمع...» وهنا أشار «سي احمد» مذكرا بما كان صرّح به عبر هذه الحلقات: «نحن لسنا شيوعيين ولا متطرفين في الوطنية. فعندما بدأنا نسير خطوة خطوة، اخترنا الآفاق العشرية وقد شارك في المخطط آلاف الكفاءات التونسية كما ذكرت ذلك آنفا (5 آلاف شخص على الأقل عبر أرجاء الجمهورية) وحتى تتعود البلاد اخترنا ان تكون المدة الاولى ثلاثية السنوات اي المخطط الثلاثي، وفي المقدمة ذكرنا انه من جملة الأسباب، أننا نقوم بهذه المقدمة للتنمية، وأننا لا نعتبر أنفسنا أننا ننطلق في تنمية شاملة وناجحة، والجزائر غير مستقلة وذلك انطلاقا من ضرورة ارساء التنمية الشاملة ومن ضرورة بناء المغرب العربي الكبير... وهذا الذي أذكره ضمّناه أول مخطط ثلاثي نقوم به... اذ عندما أعددنا «الآفاق العشرية» انطلاقا من القواعد الخمس، لم نرد ان نهجم مباشرة في العشرية... هناك حرص على تدرب المجتمع على اعداد العدة للقيام بالمنجزات والقضاء على مخلّفات الاستعمار الناتئة في كل مواطن الحياة في تونس». وهنا يتوقف «سي احمد» لحظة ثم يقول: سؤالي الدراماتيكي: لماذا لم يقع البحث والتمحيص في ماذا كانت تقول الصحافة في ذاك الوقت؟ صدرت مرة «ما نشيت» في جريدة أقول فيها: دعوا التعاضديات وشأنها... Laissez les coopératives tranquilles. قلت ل«سيد احمد» : ولكن الصحافة محكومة... النظام يتحكم في الصحافة..؟ وقال: «يمكن ان يكون الامر صحيحا... لكن نفس الشيء كان بعد الأزمة... فقد انقلبت الصحافة... ألا يسأل الناس أنفسهم لماذا هذا الانقلاب؟ في سؤال آخر لأحد القرّاء قال صاحب الرسالة مستفسرا: ذهب بورقيبة وهو رئيس حكومة الى الولاياتالمتحدةالامريكية فكان له لقاء مع مسؤولين في النقابات هناك، حيث تحدث عن بن صالح على أساس انه شيوعي... هل لك ان تكشف لنا القصة؟ يقول «سي احمد» وهو يستذكر الحادثة، كان بورقيبة وقتها رئيسا للحكومة (1956) وكنت كاتب عام الاتحاد العام التونسي للشغل، وقد ذهب بورقيبة على رأس وفد لحضور اجتماع من اجتماعات الأممالمتحدة، حيث تنضم تونس لأول مرة الى الأممالمتحدة... أقام الأمريكيون من النقابيين (من اليمين ومن اليسار) مأدبة عشاء لبورقيبة والوفد المرافق له، وهذه الحادثة جدت بعد الشقاق الذي حصل على مستوى الاتحاد، وقد أعطى بورقيبة مفاتيح نهج اليونان الى عاشور، المهم ألقى بورقيبة كلمة في مأدبة العشاء، وصوّر بن صالح على انه شيوعي، وكنت غائبا طبعا لم أكن هناك، وتركزت خطبته أو كلمته في مأدبة العشاء على أساس ان «احمد بن صالح» شيوعي... وعندما أتم بورقيبة كلمته تقدم احد الزعماء النقابيين من النقابات الامريكية ذات التوجه التقدمي CIO وبدا يضحك بقهقهة على الطريقة الامريكية، ودفع بالكرسي الى الخلف مطلقا رجله وهو يواصل الضحك بصوت عال، وقال متوجها الى بورقيبة والى الحاضرين: «آه... بن صالح هذا، لابد وان يكون شديد الخبث... بل هو خبيث جدا، دون ريب... اذ لم نتفطن له طوال معرفتنا به (في السيزل وعبر السيزل) انه شيوعي... فقد انطلت علينا حيلته... لابد وان يكون شديد الخبث...» وبعد هذا الرد قيل لي، إن بورقيبة أبدى انفعالا كبيرا بان على تقاسيم وجهه ولم ينبس بكلمة... وقد تزامن هذا الامر مع ما أبداه بورقيبة من اعتراض على وثيقة الاتحاد، وأقصد البرنامج الاقتصادي الذي قبله بورقيبة بكثير من الترحيب في مؤتمر الحزب 1955 لكنه عاد ورفضه في مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل في 1956». فإلى حلقة أخرى وأسرار جديدة... ان شاء الله.