هكذا عرفت السياسة في الريف عندنا منذ نعومة أظافري هي اللطف والاعتدال والاتزان فإذا قيل عند الأهل «سايس» أخاك فمعناه خذه بلطف واعتدال ووسع بال. وإذا قيل دع الأفعال تمضي بالسياسة فمعناه أيضا كن صبورا ومتزنا ومعتدلا حتى أن من أقدس النصائح التي تسند إلى كل عزيز وغال من الناس وأكثرها انتشارا وشيوعا بين الناس من العامة هي «سايس روحك» ومعناه أن يسوّس المرء نفسه بالصفات التي ذكرناها مع الفطنة والحذر من النفس ذاتها ومن الآخر في نفس الوقت. هكذا عرفت السياسة البيولوجية أي السياسة على طبيعتها أو لنقل السياسة «البعلي» التي تنبت وتنمو وتنضج تحت العوامل الطبيعية دون «سواها» إلى أن كبرت وعرفت السياسة السقوية المروية من آبار الديمقراطية، السطحية تحت البيوت المكيفة. وعرفت ما شاء اللّه من صغار وكبار المزارعين فيها وحتى من المستوردين لسمادها ولما تحتاجه من أدوية ومبيدات ضارة بالمحيط جميعه وعرفت أن السياسة عند بعضهم حرث وحارث ومحروث وزرع للريح «الشرش» و«البراني» وخاصة للرياح الغربية بالأساس. هكذا هي سياسة الصغار، وتلك هي سياسة الكبار وللناس في ما يعشقون سياسات ومذاهب. ولهذا «سايسوني» إن حدثتكم بالسياسة عن السياسة و«سايست روحي» في القول: لا تستغربوا إن سمعتم يوما بمن هو مريض بالسياسة عفانا اللّه جميعا من أعراضها كارتفاع ضغط الدم والسكري وبوصفير والحمّى والهذيان. ولهذا «سايسوا» أرواحكم فهنالك من يعيش بالسياسة ويتحرك بالسياسة ويتعامل مع الآخرين بالسياسة و«يُسايس» الجميع، وهنالك من يمرض بالسياسة، ويموت بالسياسة، ولهذا «سايس» روحك يا أخي.