تقرير صهيوني.. مقاتلو حماس قدراتهم عالية ويقاتلون وكأنهم في بداية الحرب    لصناع المحتوى.. Adobe تعلن عن تطبيق مهم    عصابة تثير رعب نجم نابولي بأجهزة تعقب ومحاولة سرقة    الكرم الغربي.. مروج مخدرات مصنّف خطير في قبضة الأمن    هذا ما قالته الحكمة التركية الموقوفة مدى الحياة بسبب تهمة جنسية    كيف سيكون طقس الخميس 10 أكتوبر 2024؟    قفصة: اخماد حريق بمصنع لصناعة زيوت السيارات بالمنطقة الصناعية بالعڨيلة    وزارة الرياضة تقرر تأجيل جميع الجلسات العامة للجامعات الرياضية    شتّان بين الخروف والإنسان    المنصري: لا طعون في النتائج الأوليّة للانتخابات إلى حدود اليوم    تحويل لحركة المرور بالمدخل الجنوبي للعاصمة على مستوى بئر القصعة: التفاصيل    محطة تحلية مياه البحر سيدي عبد الحميد بسوسة ستدخل قريبا طور الاستغلال - وزير الفلاحة    "أحبها بلا ذاكرة" للروائي الأمين السعيدي.. نظرية جديدة في الادب "حلم تسبقه الحرية"    أولا وأخيرا...«مشكي وعاود»    وزير الخارجية يتحادث مع المندوب الإقليمي للبنك الأوروبي للاستثمار لتونس والجزائر    وزارة التجارة تؤكد: وصول شحنات إضافية من القهوة خلال الأيام القليلة القادمة    سامّة وخطيرة: ترويج هذه السمكة غير قانوني ويعرّض صاحبه لعقوبات جزائية    معرض تشكيلي بقصر برج البكوش في أريانة من 11 إلى 18 أكتوبر    قبلي: انطلاق حملة نظافة موسعة في دوز استعدادا للموسم السياحي والثقافي    مذنّب يقترب من الأرض السبت المقبل    خلال أسبوع فقط: حجز بضائع ومبالغ مالية مهرّبة قيمتها أكثر من مليار    برنامج مباريات الجولة الخامسة في الرابطة المحترفة الأولى    رجّة أرضيّة جنوب غرب وادي مليز من ولاية جندوبة    هل أخطأت وزارة التربية في روزنامة إمتحان الباكلوريا؟    تراجع الاستثمارات الفلاحية الخاصة المصادق عليها بنحو 28 بالمائة    تراجع عدد الكفاءات التونسية المنتدبة بالخارج في إطار التعاون الفني    اتحاد الفلاحة يطالب الحكومة بدعم زيت الزيتون    افتتاح السنة التكوينية الجديدة بمركز التكوين المهني الفلاحي بسيدي بوزيد    وزير النقل يؤدي زيارة غير معلنة إلى ورشة صيانة عربات المترو الخفيف    التقرير الرقمي للحركات الاحتجاجية وحالات العنف والانتحار لشهر سبتمبر 2024    وزير الخارجية يلتقي سفيرسلطنة عُمان بتونس    توزر تحيي الذكرى التسعين لوفاة الشاعر أبي القاسم الشابي    وفاة شاب عشريني غرقا في قنال غير مسيّج بهذه الجهة    وفاة عامل في انفجار للغاز داخل مخبزة    وفاة قائد طائرة أثناء رحلة جوية كان يقودها باتجاه إسطنبول    عاجل - الإصابة تحرم ديلان برون من مواصلة التربص مع المنتخب الوطني    الغاء الاضراب المقرر اليوم في حضيرة OMV بحقل نوارة    النسخة الخامسة من لقاء "ماكلتي تونسية" يوم 19 أكتوبر 2024 تخصّص لرمان قابس    نواب إيرانيون يدعون إلى مراجعة العقيدة النووية لطهران    3 علماء يفوزون بجائزة نوبل للكمياء    وفاة بطلة روسية .. بسبب لدغة حشرة    الكرة الطائرة: المنتخب الوطني يواجه اليوم نادي فنربخشة التركي    عاجل - المكنين : خيانة زوجية تكشف شبكة مخدرات و عشيقة متورطة    سامي الشافعي يحصد جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان ماربيلا السينمائي في إسبانيا    تسجيل كميات من الامطار خلال الاربع وعشرين ساعة الماضية    مفزع/حوادث: 10 قتلى خلال 24 ساعة..    رئيس الامارات : '' أهنئ قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية بانتخابه لولاية رئاسية ثانية''    ظافر العابدين يبدأ في تصوير فيلمه الجديد و يكشف العلاقة التي تربطه بهند صبري    بطولة إيطاليا: معاقبة مدافع ميلان هيرنانديز بمباراتين    غموض وتضارب حول دفن جثة حسن نصر الله..!!    بايدن محذرا: إخلاء سكان فلوريدا ''مسألة حياة أو موت'' مع اقتراب إعصار ميلتون    أطباء: ملح الطعام يؤثر سلبا في المفاصل    أبو عبيدة بن الجراح "أمين الأمة"    7 كسوفات كلية للشمس ستشهدها الأرض على مدار العقد المقبل    وزارة الصحة تحذّر من الاستعمال المفرط للشاشات الالكترونية لدى الأطفال    تونس توصي بمجابهة الاستعمال المفرط للشاشات الالكترونية لدى الأطفال    عاجل/ لجنة مجابهة الكوارث تتدخّل لشفط مياه الأمطار من المنازل بهذه الولاية..    عاجل : الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رشائيات: من مذكرات أخي تميم 2: «هل النسيان ممكن؟ هل الغفران ممكن؟»
نشر في الشروق يوم 11 - 03 - 2011

قبل عدة أشهر لاحظنا عند الخروج «للاريه» أشياء غير عادية وحركة غير متعودة وغير مفهومة. واستطعنا أن نختطف من حديث الحراس أن سجن غار الملح سيغلق وأن السجن سينقل الى «برج الرومي».
هذه المعلومة التي ذكرت، استغرق تجميعها قرابة الشهر بالنسبة الينا. وأفرغ السجن من المساجين شيئا فشيئا، ولم نبق الا نحن. وظننا أنه سيخصص لنا وما تجمع خلال هذه السنوات من مساجين سياسيين لا نعرفهم. الا أن تقليع الأبواب الرئيسية للمدخل أضعف هذا الاحتمال لدينا.
وكان يوم أول أكتوبر (لا داعي للاستغراب فقد كان الشيخ الكفلي الشواشي هو الذي يمسك بحساب الأيام بالضبط حتى أن السنة الكبيسة عرفناها ونستطيع أن نتأكد من الحساب وقتها ) كان بالنسبة الينا يوما مهولا. ففي عشيته فتحت الأبواب ودخل حراس كثر فيهم من نعرف وفيهم من لا نعرف وبدأوا بتقييدنا بواسطة «الكلبشة». أيدينا الى الخلف ووقع ادخال الحلقة الثانية من السلسلة التي في أقدامنا بينهما. بحيث كنا مقيدين من ثلاث والحركة أو المشي بالنسبة لهذا الوضع تكاد تكون مستحيلة بدون السقوط على الأرض
ودحرجنا كالأكياس الى «السنترة» أين يقف مدير السجون وعدد آخر ربما من ادارة الأمن بالملابس المدنية وعشرات الحراس بأسلحة وبدون أسلحة.
كان مدير السجون يتفحص كل واحد منا بشماتة وتلذذ غير طبيعيين. ثم أشار، واذا بالحراس كالكلاب المسعورة تنهال علينا ركلا ورفسا وضربا وشتما، ونحن مرميين بلا حراك على الأرض وليس باستطاعتنا حتى الحركة لاتقاء الضرب، وربما أشار ثانية فقد كف الضرب فجأة وصمت الحراس. ووقعت دحرجتنا ثانية الى الباب الرئيسي، وحمل حارسان كل واحد منا. ليلقوا بنا كالأكياس في سيارة المساجين فوق بعضنا حتى اذا امتلأت واحدة جاؤوا بالأخرى.
وتحاملنا قدر المستطاع لنجلس وسارت الشاحنة. ووصلنا والدنيا ظلام، ظلام الليل وظلامنا نحن الذين لا نعرف ما هو المصير الذي ينتظرنا. وفتح الباب الخلفي للشاحنة بالقرب من هوة. كانت الأرض تعج بالحراس، واحد يهرول واحد يصيح والآخر يأمر. وساد الهدوء قليلا عندما ظهر مدير السجون وثلة المدنيين. وصدر الاذن بإنزالنا أو بالأحرى اسقاطنا على الأرض. وأنزل أولنا ولنقل دحرج الثاني، وهكذا كنا كالأكياس أو كصناديق البضاعة مرميين بلا حراك الا الأنين والتوجع
صدرت من هنا وهناك بعض الاحتجاجات على الأوامر المعطاة: كيفاش نهبطوهم وهما هكة.؟ وكيف يطيحولنا..؟ يطيحوا ونطيحوا معاهم..؟ خلينا نحلوهم هنا ما ينجموش يهبطوا مربوطين من ثلاثة؟ الدروج برشة يطيحوا ويتكسروا.. الى آخره من الملاحظات المنبهة للخطر من انزالنا مقيدين بهذا الشكل.
وكان رد مدير السجون صارما: «يهبطوا هكة» كل اثنين أو ثلاثة يهبطوا واحد. وفعلا بدئ بتنفيذ الأمر. وسحبني اثنان الى الفوهة. كانت عميقة وعميقة جدا بدرج حجري يغوص في الأرض بلا نهاية. ولأول مرة أسمع كلمة شفقة من حارس. قال مخاطبا صاحبه بالشوية عليه. وقال يخاطبني. سايس روحك. و لا أعرف كيف وصلت الى قاع الجب. ولا أظن أن أحدا منا يتذكر كيف وصل.
كان الضوء في داخله باهتا وبمجرد وصولي شعرت بالرطوبة وكأني في سحابة غيم. وجرني آخران الى موقعي الجديد بينما صعد من أنزلني ليأتي بالباقي. كان أولئك الذين يرتدون الثياب المدنية قد سبقوا انزالنا وهم يحملون أوراقا وملفات يتفحصونها بالقرب من الضوء الخافت، بعد أن يسألوا كل واحد عن اسمه ويأمرون الحراس بايصالنا الى زنزانة بعينها.
الجبل بصخوره الناتئة فوقنا وفي جوانب الممر الطويل الطويل. والزنزانات بأبوابها الحديدية تظهر من حين لآخر في هذا الممر. وأوصلت الى المكان الذي عين لي، ثم عبد القادر بن يشرط ثم عز الدين الشريف ثم المنصف الماطري ثم محمد قيزة , خمسة.
كانت ضالة الاسمنت لا زالت طرية نوعا ما وقد برزت منها حلقات حديدية، وأوقف كل واحد أمام حلقة. وبقينا هكذا زمنا، ربما حتى تم انزال الجميع. الى أن جاء مدير السجون ليتأكد بنفسه وهو يراجع ملفه وليعين بالضبط الحلقة التي يجب أن نربط فيها وهكذا نقل كل واحد منا. حسب أوامره الى المكان المعين له..
وجيء بالحداد و هو «سجين» صحبة سندانه ومطرقته. وفك الحراس قيود أيدينا وأخذ الحداد حلقة القيد الثانية التي في أقدامنا. وبشمها بمسمار بشيمة في الحلقة. أمام أعين المدنيين الرقيبة..
طوال الاستنطاق، والمحاكمة، والحكم، وخلال سنوات غار الملح. في عنق الجمل. و كل الذي مر بي. لم أشعر باليأس و لم أفقد الأمل في الحياة. كل هذا الأمل أحسست به يطير. وأنا أرى الحداد يجمع القيد الذي ألصق بساقي والحلقة التي في الأرض ويفلسها بين السندان والمطرقة بضربات ترن في الجب العميق الذي وضعنا فيه. انها النهاية لن نخرج أحياء.. وأخذ الحراس يتفقدون صنعة الحداد واحدا واحدا وقد علا الجميع الصمت. وأنهى الحداد مهمته بالنسبة الينا كلنا، سواء نحن الخمسة أو الباقي في الزنزانة القريبة منا. أو الزنزانات الأخرى..
وغلقت الأبواب، وأطفئت الأنوار تماما. وساد الصمت الفظيع والذي زاد من كثافته الرطوبة الثقيلة التي بدأت تلتصق بملابسنا وتتحول الى ماء. وزادنا الظلام الدامس كآبة..
وبدأنا الحركة، ونحن نتلمس أبداننا أولا بحثا عن كسر أو رضوض ونسأل بعضنا كل عن حاله. الشيء الأول الذي لاحظناه أن الاحساس شبه منعدم في كفينا. فالقيد الذي أحاط بمعاصمنا أوقف جريان الدم فيهما لساعات نقلنا. فأصبحت شبه ميتة..
ولا يعرف أحد هل أصيب بكسور في أضلاعه أم هي تشعر أم رضوض فقط. وتحسست المكان وجلست منكمشا بقدر الامكان وقد بدأت أسناني تصطك و لا أقوى على ايقافها. والقشعريرة تهز بدني كله وأنا أرتجف من البرد في ملابسي المبللة.
حفاة.. عراة.. جياع.. عطاشى.. تحت الأرض.. مقيدون بالأرض.. في الظلام الدامس.. البرد شديد.. تقطعت بنا الأسباب. «لا وجه الا وجهك يارب صبر جميل والله المستعان». ramaracha@yahoo. fr


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.