إحتفلت تونس كسائر البلدان المتحضرة باليوم العالمي للمسرح ( 27 مارس ) ومواكبة لهذا الحدث إرتأينا استضافة أحد رجال المسرح التونسي تكريما له ونعني الفنان عبد الغني بن طارة ... على إمتداد نصف قرن تقريبا أعطى ضيفنا للمسرح الكثير كممثل وكمخرج وكسينوغراف قدم المسرح الكلاسيكي والفودفيل والمونودرام والاوبيرات تتلمذ على يد كبار المسرحيين كعبد العزيز العقربي وحسن الزمرلي والطاهر قيقة وتعامل مع مخرجين أفذاذ كالمرحوم علي بن عياد والفاضل الجعايبي والمنصف السويسي . أسس فرقا مسرحية ، مثل فرقة «المسرح الصغير» و«مسرح الحلقة» ومازال يعطي إلى اليوم من خلال فضاء «بيت الاحتفال» الذي أسسه منذ سنتين ... عن هذا المشوار الحافل بالانجازات وعن أحلامه دار هذا الحوار مع الفنان عبد الغني بن طارة * من أين أتيت للمسرح ? ولجت المسرح من «باب منارة» وهو حي شعبي بتونس العاصمة ، وأول علاقة لي بالمسرح كانت من خلال جمعية قدماء مدرسة التمثيل العربي سنة 1961 ، وكان مقرها قريبا من بيتنا ، ثم كانت لي تجارب مع مجموعة من الفرق مثل جمعية المسرح الشعبي وجمعية الكوكب الجديد ثم التحقت عام 1964 للدراسة بمركز الفني المسرحي الذي تخرجت منه عام 1967 . * هل تذكر أساتذتك ? طبعا ، لم ولن أنساهم مادمت حيا ، كيف أنسى من لقنني ابجديات المسرح وأصوله ، لازلت اذكر عبد العزيز العقربي ومحمد الحبيب وحسن الزمرلي والطاهر قيقة وسارج ايريك وعمر خلفة والدكتور محمد عزيزة . * بعد فترة الهواية والدراسة متى كانت لك أول تجربة محترفة وفي أي إطار ? أول تجربة مع مؤسسة محترفة كانت عام 1965 قبل تخرجي وذلك ضمن فرقة مدينة تونس للتمثيل بإدارة المرحوم علي بن عياد في مسرحية «العين بالعين» بعدها شاركت مع منتخب المسرح لاتحاد طلبة تونس في المهرجان العالمي للمسرح الجامعي بمدينة نانسى الفرنسية وعام 1967 وبعد تخرجي التحقت بالفرقة التمثيلة للاذاعة والتلفزة كممثل ثم كمساعد مخرج فمخرج إذاعي . * كانت لك أيضا تجارب أخرى مع علي بن عياد? صحيح ، شاركت بالتمثيل في مسرحية «هملت» ثم مسرحية «مراد الثالث» للاستاذ الحبيب بولعراس واخراج علي بن عياد * متى كانت أول تجربة لك في الاخراج ? كانت عام 1968 ، في مسرحية «معروف الاسكافي» وهو عمل استعراضي ضخم جمع أكثر من 75 ممثل وممثلة وهو عمل من انتاج الاذاعة والتلفزة الوطنية . * هناك فترة غياب سجلناها في مشوارك من 1969 إلى 1973 ، هل تركت المسرح في تلك الفترة ? لا ، في تلك الفترة انتقلت إلى باريس لمواصلة التعليم العالي ، انجزت خلالها دراسة معمقة في المسرح تمثيلا واخراجا ، وقمت بدورات تدريبية تقنية وفنية في السينوغرافيا مع فرق معروفة مثل مسرح الشاتلي مسرح المدينة ، والمسرح الوطني الفرنسي والكوميدي فرنساز ومسرح الاديون ... * بعد عودتك من فرنسا أسست فرقة «المسرح الصغير»? هذا صحيح ، وكانت باكورة أعمالها مسرحية «البرمكي» وهي كوميديا غنائية من تأليفي وإخراجي ، ثم تتالت الأعمال مثل اوبيرات «جوغرتة المنتصر» واوبيرات «برج الباف» وسرحية«يوميات مجنون» ومسرحية «سمسارة وكراي» كذلك مسرحية «فك علق» التي قدمت من خلالها ولأول مرة الممثلة زهيرة بن عمار التي عملت معي أيضا في مسرحية «القنطرة» * إلى جناب هذه المحطة الهامة في مشوارك هل ثمة محطات أخرى تعتبرها هامة? طبعا ، هناك الفرقة المسرحية القارة بسوسة التي أسستها وأدرتها ، أيضا المسرح الوطني التونسي بادارة المنصف السويسي حيث كنت المدير التقني للمؤسسة إلى جانب انجازي لأعمال مثل «اسمع ياعبد السميع» و«احتراماتي» * عندما هاجرت إلى السعودية، لم تقطع علاقتك بالمسرح ? انا هاجرت لتدريس المسرح وللعمل كمخرج تلفزيوني بمركز التوزيع الصوتي والتلفزيوني التابع لجامعة الملك سعود بالرياض لكني أيضا أنجزت أعمالا مسرحية لا يقل عددها عن الثلاثين عملا وذلك طيلة العشر سنوات التي قضيتها في السعودية وقد تحصلت بعض أعمالي على جوائز ودروع . * أول مسرحية كانت «معروف الاسكافي» وآخر أعمالك ? مسرحية «على قيد الحياة» ( 2009) * بين أول وآخر مسرحية ماذا تغير في عبد الغني بن طارة ? ازداد حبي للمسرح وتعلقي به رغم الهزات والخيبات والصدمات والعراقيل * ماذا أعطاك المسرح ? أعطاني كل شيء ، وخاصة محبة الحياة والاقبال عليها لا أتصور العيش بعيدا عن المسرح . * وماذا أعطيته ? أعطيته شبابي ووقتي وتفكيري ، وحتى عائلتي * هل حققت كل أحلامك الفنية ? حققت الكثير ومازال الكثير ... حلمي الأكبر لم يتحقق بعد . * وماهو ? أوبيرات ضخمة ، أحلم بانجاز مسرحية غنائية ضخمة بتقنيات متطورة لقد دأبت على دراسة هذه النوعية في فترة دراستي بفرنسا ولكن إفتقاري للامكانات المادية وغياب الطاقات البشرية حال دون تحقيق هذا الحلم . * بعد نصف قرن من العمل ، عندما تنظر إلى هذا المشوار هل تشعر بالرضى ? لست راضيا على كل ما قدمته ، لكن في المقابل أشعر بالرضى لأنني إجتهدت في كل عمل قدمته وكنت صادقا مع نفسي ومع الجمهور ، أشعر بالرضى لوفائي للمسرح طيلة هذه السنين صحيح ان النتائج لم تكن دائما في مستوى إنتظاراتي * من يتحمل المسؤولية في ذلك ? لا أعرف تحديدا ، يمكن أن تكون ظروف انتاج العمل أو بفعل فاعل المهم هناك دوما رغبة لقديم الأفضل لأن الرضى التام يعني النهاية بالنسبة للفنان * ماهو العمل الذي ندمت على تقديمه ? هي المسرحية التي لم يتفق النقاد على جودتها . * هل شعرت بالظلم طيلة مشوارك ? أحيانا ، عندما أرى البعض يتمتع بالشهرة وبالدعم والحضور ، أكثر مني رغم انهم لم يقدموا نصف ما قدمته أشعر بالغبن * هل تتهم ظرفا بعينه ? لا ، ولكنني أفتقر إلى «الخبث» في التخطيط ولا أحسن الترويج لشخصي كما يفعل البعض أنا همي الانتاج فقط . * لكنك صرت مشهورا من خلال مسلسل «مكتوب» ? هذا صحيح «مكتوب» أعطاني دفعا المساحة الزمنية التي منحت لي وحسن الأداء ونجاح المسلسل كلها عوامل ساهمت في شهرتي التي لم أحققها في نصف قرن من العمل المسرحي . * لكن لك مشاركات أخرى في الدراما التلفزية ? نعم ، في مسلسل «عشقة وحكايات» و«ريح المسك» و«الخطاب على الباب» لكن المشاركة لم تكن في حجم مسلسل «مكتوب» * آخر مشاريعك ? فضاء «بيت الإحتفال» الذي وضعت فيه كل ما أملك ، وأرجو أن لا أندم على ذلك .