شرح الدكتور ماهر الطاهر في حديث ل «الشروق» موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي يتولّى المسؤولية عنها في الخارج من الوضع الفلسطيني القائم في ضوء ما استجدّ من حديث عن إحياء مسار التسوية واستئناف المفاوضات واصفا ما يجري بأنه عملية تضليل ضخمة الهدف منها «دفن» الحقوق الوطنية الفلسطينية... الدكتور ماهر الطاهر تحدث أيضا في هذا اللقاء الذي جرى عبر الهاتف من دمشق عن حظوظ تحقيق المصالحة المتاحة في المرحلة القادمة وعن الخيارات الفلسطينية وعن بعض المسائل أو الملفات الأخرى الشائكة... وفي ما يلي هذا الحديث: بداية دكتور... كيف تنظرون الى المحاولات التي تقودها الولاياتالمتحدة في هذه المرحلة تحت ستار تنشيط مسارات التسوية... وهل ترون أن الظرف القائم بالمنطقة اليوم يمكن أن يبعث فعلا بإشارات في هذا الاتجاه خاصة في ضوء تصاعد لهجة الحرب في الفترة الاخيرة؟ نحن موقفنا أنه لا توجد اليوم عملية تسوية أصلا... وأن كل ما يجري منذ التوقيع على اتفاق أوسلو كان عبارة عن عملية تضليل وخداع من الولاياتالمتحدة بهدف تصفية القضية الفلسطينية وليس إيجاد تسوية لها قائمة على أساس مبادئ القانون الدولي المطروح اليوم في اعتقادي هو شطب حق العودة والسيطرة النهائية على القدس ورفض قيام دولة مستقلة وذات سيادة، أمريكا واسرائيل تريدان اليوم إقامة كيان فلسطيني في غزة وإخضاع بعض أجزاء الضفة الغربية تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا... ومن هنا لا نرى أي أفق لعملية السلام لأن اسرائيل لا تريد السلام... اسرائيل تريد اليوم العودة الى المفاوضات دون شروط مسبقة ودون وقف للاستيطان مع الاستمرار في متابعة مخططاتها وبرامجها العدوانية... أنتم في الجبهة الشعبية ما موقفكم من الطرح الذي يتم الترويج له داخل السلطة والقاضي باستئناف المفاوضات مقابل تجميد الاستيطان؟... نحن في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ندعو الى عدم العودة الى المفاوضات وعدم الانجرار وراء الأوهام الامريكية والصهيونية ونطالب السلطة بعدم العودة الى المفاوضات والخروج من المجرى السياسي الذي دخلت فيه السلطة منذ التوقيع على اتفاق أوسلو... وكما قلت اليوم... هناك في ضوء وصول التسوية الى طريق مسدود سعي أمريكي واسرائيلي الى ممارسة لعبة جديدة للتغطية على البرنامج العدواني الاسرائيلي... وهذا استمرار لذات النهج الذي دفع الشعب الفلسطيني بسببه ثمنا غاليا... اليوم الحركة الوطنية تعيش مأزقا عميقا وشاملا لأنه كما قلت اتضح أن التسوية كذبة كبرى تمارس على الشعب الفلسطيني والعربي... اليوم هناك أزمة انقسام فلسطيني داخليا بشكل غير مسبوق... هناك أيضا مصاعب كبيرة في ما يتعلق بالكفاح المسلح بسبب استمرار الانقسام الذي كانت المقاومة من أول ضحاياه... إذن ما هي برأيكم المخارج المتاحة اليوم وهل ترون أن الحركة الوطنية الفلسطينية لاتزال تملك من مواصفات الصمود ما يجعلها قادرة على قيادة العمل الوطني الفلسطيني في ضوء الانسداد القائم في مسار التسوية؟ أعتقد أن المرحلة تحتاج منا اليوم بالاساس الى العمل على تجديد الحركة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام وإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وهذه باعتقادي أسئلة كبيرة وخطيرة مطروحة على كل الشعب الفلسطيني كذلك مطلوب اليوم مراجعة سياسية شاملة وجذرية لمسار الوضع الفلسطيني على مدى ال20 سنة الماضية وأعتقد أن الجميع الآن يدرك حتى السلطة نفسها أن نهج أوسلو لم يحقق شيئا للجانب الفلسطيني... أنا أضيف أنه ظهرت الكثير من الاشياء التي كانت لصالح اسرائيل... اليوم القدس تهوّد... والارض الفلسطينية تصادر وكل هذا تم تحت ستار عملية السلام... نهج أوسلو كان نكبة للشعب الفلسطيني... وبالتالي أدعو السلطة الفلسطينية اليوم الى إنهاء اتفاقيات أوسلو والخروج من هذا المجرى السياسي الذي ثبت فشله بالكامل... كذلك أطالب اليوم برسم استراتيجية فلسطينية جديدة تقوم على قاعدة التمسّك بالثوابت الفلسطينية وإعادة الاعتبار الى المقاومة والكفاح المسلح... كما أدعو أيضا الى ضرورة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية لأنه لا يوجد في التاريخ أن حركة تحرّر وطني حققت الانتصار دون الوحدة... وهذه في اعتقادي تمثل أولوية في اللحظة السياسية الراهنة وذلك عبر حوار وطني شامل... كذلك لابد، في رأيي، من إعادة الاعتبار الى البعد القومي العربي للقضية الفلسطينية لأن الخطر الصهيوني يطال الأمة العربية بأسرها... تؤكدون على العودة الى الكفاح المسلح لكن كيف تفسرون تراجع دور الجبهة الشعبية الذي أصبح بالكاد مهمّشا على هذا الصعيد؟ كما أشرت اليوم هناك أزمة شاملة ولكن بالنسبة إلينا يظل خيار المقاومة خيارا استراتيجيا لأننا نواجه مشروعا استيطانيا عنصريا... وأنت تعلم أن هناك ضربات كبيرة وجّهت الى الجبهة الشعبية التي فقدت أبو علي مصطفى وكذلك تم اعتقال النائب أحمد سعدات إضافة الى اعتقال مئات الكوادر الآخرين... وبالتالي واجهنا ظروفا في غاية الصعوبة ولكن رغم كل ذلك فإن خيار المقاومة يبقى خيارنا ومطلوب منا أن نبذل كل ما نستطيع من أجل تصعيد العمل الكفاحي والمقاوم بكل أشكاله العسكرية. في هذه الحالة كيف يمكن أن نفهم تعثر مساعي التوصل الى المصالحة... وأين تقف الجبهة الشعبية من هذه المسألة؟ إن اتصالاتنا مستمرة مع «فتح» و«حماس» ونعمل كل ما نستطيع من أجل إنهاء هذا الانقسام الذي لا يمكن إنهاؤه دون حوار وطني شامل نستند فيه الى بلورة رؤية جماعية... أنا باعتقادي أن المطلوب اليوم لإنهاء هذه الحالة تطبيق وثيقة القاهرة حول إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير وأيضا وثيقة الاسرى التي تشكل أرضية وبرنامجا سياسيا مشتركا للوحدة الوطنية. أكدتم في معرض حديثكم على إعادة الاعتبار الى البعد القومي العربي للقضية... لكن هل ترون أن مثل هذه الدعوة يمكن أن تجد صداها ومفعولها في ضوء حالة الضعف والانهيار القائمة عربيا على مستويات عدة؟ نحن نعلم أن الأمة تمر بمرحلة صعبة وعصيبة ولكن يظل مطلوبا من العرب القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم من أجل انتزاع الحقوق الفلسطينية لأنه بصراحة تخلّت العديد من الدول العربية تحت ستار القرار الفلسطيني المستقل عن دورها تجاه القضية الفلسطينية وبالتالي فإنه مطلوب من الأمة العربية أن تعمل على فك الحصار الجائر المفروض على الشعب الفلسطيني وإعادة النظر في هذه السياسة لأننا أمام كيان لا يريد السلام... وقد رأينا كيف أن اسرائيل رمت بالمبادرة العربية في سلة المهملات فلماذا إذن لا يسحب العرب هذه المبادرة ويقولون إن لدينا خياراتنا الأخرى مادامت اسرائيل تتصرف على أساس أن العرب لا يملكون إلا خيار السلام.