هل كتب على الولاياتالمتحدةالامريكية ورغم ما يختزنه شعبها من قيم ومن ابداعات اثرت التراث الانساني، ان تبقى بفعل انحياز وصمم إداراتها تتأرجح على الدوام بين «الغيتو «والفيتو».. لتمارس بذلك التعري السياسي الذي لا يأخذها الا من مستنقع الى مستنقع. «الغيتو» دخلته الإدارات الامريكية طائعة منذ عقود... حيث جرّدها زواج المتعة بين مصالحها وحاجتها الى قاعدة عسكرية متقدمة في مواجهة المد الشيوعي (ايام زمان)وبين مصالح اللوبي الصهيوني في امريكا وسطوته في دنيا المال والاعلام، الى دخول «الغيتو» الذي صنعته اسرائىل لنفسها منذ البداية... اسرائىل احتاجت هذا «الغيتو» لتنسف قرارات الشرعية الدولية التي زرعتها في المنطقة واعطتها شهادة الميلاد... كما احتاجته لتبتلع كل فلسطين ولترهب العرب فرادى ومجتمعين... وهي تحتاج الى «الغيتو» لتهويد فلسطين وحشر ما بقي من الشعب الفلسطيني بالداخل وسط محميات بشرية تحيلنا رأسا الى محميات الهنود الحمر... لأجل كل ذلك نجدها تتمرد على قرارات الشرعية الدولية وتتفنن في الاستهتار بالقانون الدولي وتصر على مخاطبة الشعب الفلسطيني بلغة الغطرسة والارهاب... لتبلغ السخرية اوجها مع إدارة بوش الابن الذي لم يتردد في تتويج السفاح شارون «رجل سلام» واعتماده وكيلا في ما يسميه «حرب امريكا على الارهاب» وكأن كل ما يجري لا يدور فوق اراض محتلة باعتراف امريكا نفسها! ومع كل مرة تحتاج فيها اسرائىل للمزيد من الابتزاز فإنها تعمد الى مزيد تغليق ابواب «الغيتو» حول نفسها... وفي كل مرة كانت الادارات الأمريكية المتعاقبة تتفاوت في درجات «انصهارها» داخل «الغيتو الصهيوني».. لكن إدارة بوش تميّزت عن كل سابقاتها حيث لم تكتف بدخول هذا «الغيتو» راضية مرضية.. بل انها شهرت في وجه العالم سلاح «الفيتو» عنوانا لالتجامها الكامل مع ظلمه وظلم الغيتو الصهيوني وعنوانا على التزامها، الكامل برؤية القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة بعيون صهيونية فقط وان كانت هذه العيون حاقدة وظالمة ولا تعترف بالمواثيق والقرارات الدولية. وقد كانت تداعيات عرض قضية الجدار الصهيوني العازل على محكمة العدل الدولية خير تجسيد لعبثية هذا الانصهار الأمريكي في الغيتو الصهيوني... حيث لم تتردد إدارة بوش في الاصطفاف وراء الموقف الصهيوني الرافض لحكم عادل ولا غبار عليه لأعلى هيئة قضائىة اممية (وليس فلسطينية او عربية) ممثلة في محكمة العدل الدولية التي نطقت بالحكم بناء على وثائق وأدلة وحجج ومعطيات قانونية وتاريخية وميدانية وليس من اجل عيون الفلسطينيين او نكاية بالفلسطينيين. لقد كان طبيعيا ان تمعن حكومة شارون بعد هذا الحكم التاريخي في الانطواء والانعزال داخل «الغيتو» الذي جعلها ترفض كل شيء وتتمرد على كل شيء... لكن ما لم يكن طبيعيا هو ان تسارع إدارة بوش وهي امريكية على اية حال وليست صهيونية حتى اشعار آخر، الى دخول هذا «الغيتو الصهيوني» والاختفاء وراء تبريرات واهية لمعاضدة الموقف الاسرائىلي... ليصل بها الامر في عملية «التعري السياسي» حدّ التلويح في مجلس الامن بوقف اي قرار مرتقب قد يتخذه المجلس انسجاما مع حكم محكمة لاهاي.. شيء واحد افتقدناه ولم تأخذه معها ادارة بوش وهي تترنّح بين «الغيتو والفيتو» تمثل في صوت دولة «ميكرونيزيا» الذي غاب هذه المرة بعد ان عودتنا هذه الدويلة المجهرية على ان تكون ثالث اثنين هما امريكا واسرائىل في التصويت ضد القرارات الأممية وفي ابطال مفعول قرارات منصفة للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة.