اسرائيل كيان فوق القانون الدولي، وفوق قرارات الشرعية الدولية... هذه «الحقيقة» التي تجسدت على مدى عقود من خلال عبث هذا الكيان بالاعراف والمواثيق الدولية ومن خلال استهتاره بقرارات الأممالمتحدة في طريقها الى التدعيم بعنصر آخر سوف يكمل الدائرة فعليا ويحصن اسرائيل نهائيا ضد النواميس الدولية وتجعلها بحق دولة فوق كل شيء... فقد بدأ الحديث عن صفقة ستبرم بين اسرائيل والوكالة الدولية للطاقة النووية يتم بمقتضاها اضفاء الشرعية على وضع اسرائيل النووي والاعتراف بها قوة نووية وحيدة في الشرق الأوسط... وتقول التقارير الصحفية المتعلقة بالمسألة أن الصفقة تتضمن أيضا تحذيرا الى كل من يطالب بنزع السلاح النووي الإسرائيلي وبمنح تل أبيب اعفاء من الخضوع لمعاهدة منع الانتشار النووي... وبذلك تتأكد مجددا قاعدة المكاييل والموازين المزدوجة التي يتعامل بها «القائمون» عى الشؤون الدولية وتتكرس اسرائيل كدولة فوق القانون الدولي وتستثنى من كل النواميس والاعراف التي تسري على باقي الدول... والواقع أن المسار الذي اتخذه الدعم البريطاني ثم الأمريكي (ان لم نقل الغربي عموما) لاسرائيل كان يسير بخطى حثيثة ومدروسة نحو هذا الاتجاه... حيث أعفيت اسرائيل من تطبيق كل قرارات الشرعية الدولية وحتى تلك التي أفلتت من الفيتو الأمريكي وحظيت بموافقة واشنطن... وظلت على مدى العقود الماضية تتمدد وتتمطط الى أن استحوذت على كامل فلسطين واجزاء من الأراضي العربية وظلت تقضم الأراضي الفلسطينية وتنزل بسقف الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني الى درجة أصبحت معها الأرض الفلسطينية عبارة عن قطعة جبن تنخرها وتخترقها البؤر والطرق الاستيطانية... وأصبحت حقوق الشعب الفلسطيني لا تتعدى الحكم الذاتي لمحميات بشرية متناثرة بامكانها أن تدير شؤونها اليومية فيما تبقى الأرض والأجواء من مشمولات اسرائيل وهو ما ينهي عمليا كل أمل لقيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة» كما أقر بذلك الرئيس بوش نفسه... في مقابل هذه «الحصانة» التي منحتها أمريكا لاسرائيل لتنسف كل القرارات الأممية التي تحكم الصراع عملت الآلة الأمريكية في الاتجاه الآخر لتضرب كل أمل عربي في تحقيق نوع من التوازن مع القوى الإسرائيلية ولتجهض كل أمل في بناء قوة ردع عربية تحقق التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل وتسهل التوصل الى تسوية متكافئة تعيد الحقوق الفلسطينية والعربية لأصحابها... وقد كان ما حصل للعراق من تذمر وحصار وغزو واحتلال خير دليل على هذا حيث تجاوز الأمر تدمير دولة وتحطيم مؤسساتها الى ملاحقة الأدمغة والعلماء للقضاء نهائيا على أية فرصة لظهور قاعدة علمية عربية فى المدى المنظور تكون قادرة على اعادة صياغة تجربة العراق في بناء القوة.... ولكي تكتمل الدائرة وتفرض اسرائيل نهائيا كقوة «مهيمنة» على المنطقة العربية بعد اطلاق يدها في فلسطين وتخليصها من كابوس العراق كان لا بد من وصول هذه الصفقة التي تعتزم الوكالة ابرامها مع اسرائيل.... وكل المفردات والبهلوانيات والمصطلحات التي تطلق بشأن ما يسمى «الشرق الأوسط الكبير» ما هي في الأخير إلا اعادة صياغة ل»الشرق أوسطية» التي تروج لها اسرائيل... وما هي إلا تعبير عن مخطط مشبوه يهدف الى تركيع المنطقة العربية واخضاعها لهيمنة الكيان الصهيوني... وهو ما تهدف هذه الصفقة الى ضمانه استراتيجيا حيث تشرع النووي الإسرائيلي وتقصي أي أمل عربي في بناء قوة نووية في ظل احتلال العراق وانتصاب أمريكا في المنطقة... يبقى السؤال الكبير : أين العرب من كل هذا؟ وهو سؤال يبقى معلقا إلى فترة قد تطول... كثيرا جدا؟