باريس الشروق من مبعوثنا الخاص نورالدين بالطيب: في كل زيارة لفرنسا اكتشف عمق السراب الذي يلهث وراءه الحالمون بالهجرة عبر زوارق الموت في الضفة الجنوبية للمتوسّط الى أوروبا! ففرنسا التي فتحت أبوابها لملايين المهاجرين بل التي سعت في الستينات والسبعينات الى جلب المهاجرين واغرائهم بالبقاء ومنحتهم الامتيازات الاجتماعية ليست فرنسا ساركوزي التي يلزم قانونها الجديد لتنظيم الهجرة عقوبة بالسجن لخمس سنوات مع ضريبة مالية تصل الى 30 ألف يورو لكل من يساعد أو يقدّم العون أو المساعدة لأي مهاجر غير شرعي! هذا ما تضمّنته الفقرة 622 من قانون الأجانب الذي تقدّم 150 عضوا في البرلمان الفرنسي بطلب لتعديله بعد مشاهدتهم للشريط السينمائي Welcome للمخرج الفرنسي فيليب لواريه الذي طالب البرلمانيون بمشاهدته تحت قبّة البرلمان بعد الجدل الكبير الذي أثاره عندما عرض في فرنسا. فهذا الشريط الذي صوّر معاناة المهاجرين العراقيين والأفغان في مخيّم «كاليه» أقرب المدن الى بريطانيا أثار مرّة أخرى جدلا واسعا بين المطالبين باحترام حقوق المهاجرين وحقهم في العيش في فرنسا وبين التيارات اليمينية التي لا ترى في الهجرة الا عبءا اقتصاديا واجتماعيا ثقيلا. وقد توجّهت مؤخرا قوّات من الشرطة الى هذا المخيّم واعتقلت حوالي 300 مهاجر ورحّلتهم الى بلدانهم وهذا الترحيل الاجباري الذي يسمّيه اليمينيون «بالابعاد» أصبح سلوكا يوميا للأمن الفرنسي منذ وصول ساركوزي الى الحكم في اطار تنفيذ رؤيته للهجرة «النظيفة» وتخليص فرنسا من مرحلة الهجرة المفروضة عليها الى مرحلة اختيار المهاجرين وتنفيذا لهذا المشروع ارتفعت نسبة هجرة العمل من 7 الى 50 بالمائة في حين انخفضت الهجرة العائلية وأحدثت بموجب هذا القانون الذي تمّ اقراره في 2007 بطاقة «الكفاءة والمهنة» التي تحدّد إقامة المهاجرين الذين تحتاجهم فرنسا بثلاث سنوات قابلة للتجديد أما من لا تحتاجه فرنسا فليحزم حقائب الرحيل لأنه لا مكان للغرباء على أرض فرنسا! وفي شوارع باريس وخاصة في الضواحي المعروفة بكثافة المهاجرين دوريات يومية للأمن الفرنسي «لاصطياد» المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم نحو بلدانهم. الانتخابات بعد سنتين ستنظّم الانتخابات البلدية وسيكون المهاجرون هم مجال التنافس الاساسي بين اليمين واليسار وأحزاب الوسط ففي فرنسا الآن بين 200 و400 ألف مهاجر غير شرعي سيكون مصيرهم الترحيل في المقابل تطالب جمعيات الهجرة وحقوق الانسان بضرورة احترام حق المهاجرين في العمل والعيش في فرنسا في الوقت الذي حدّد فيه قانون الهجرة الجديد 30 مهنة فقط متاحة أمام المهاجرين للعمل بالنسبة لغير الاوروبيين أما الاوروبيون فمن حقهم ان يعملوا في 150 مهنة. هكذا تسعى فرنسا للتضييق على فرص الهجرة وقد بدأت في تطبيق اجراء جديد يجبر شركات الطيران على تقديم بيانات شخصية واضحة للمسافرين على طائرتها القادمين من 7 دول الى جانب الاجراءات الجديدة في التأشيرة مثل البصمات والصور الفنية وهذه اجراءات جديدة تكشف عزم ساركوزي على «تطهير» فرنسا من المهاجرين غير الشرعيين والتضييق على المهاجرين الحاصلين على بطاقات اقامة الرحيل عن فرنسا في اتجاه بلدانهم! هكذا تفقد فرنسا وجهها الذي صاغه فلاسفة الأنوار والجمهورية فيكون لها وجها آخر عنوانه الرئيسي مكافحة الهجرة السرية والشرعية. ولئن تبدو مبرّرات السلطة الفرنسية معقولةومنطقية في هذا التمشي الذي يسعى الىمقاربة جديدة في علاقة الشمال والجنوب فإن السؤال الذي سيظل يلحّ على مجموعات القرار في فرنسا هو ماذا عن جرائم الاستعمار وحق الدول التي عانت منه في التعويض؟