بعد مرور أكثر من عام على احتلال العراق مازال الرئيس الأمريكي جورج بوش مصرا على إيهام العالم بصواب خياراته وسلامة توجهاته، بل وب»قداسة» هذا الذي ينجزه في العراق مما جعل العالم «أكثر أمنا» حسب تعبيره. على أن الوقائع الميدانية أثبتت حتى الآن أنه لا العراق ولا العالم بأسره ينعم بالأمان مذ بدأ بوش بحشد جيوشه لغزو العراق بل ان عكس ذلك تماما هو الذي يحدث في العراق وخارجه وليست سلسلة التفجيرات التي شهدتها مدن الموصل وبعقوبة والرمادي والفلوجة أمس الأول ولا تفجيري أنقرة واسطنبول اللذين حصلا قبل يومين من وصول بوش الى تركيا آخر هذه الأحداث. ومنذ بدأ الاحتلال شهد العراق عشرات التفجيرات التي راح ضحيتها آلاف القتلى دون أن تقدر قوات الاحتلال الأمريكي ولا قوات الأمن التي أشرفت على تدريبها على وقف النزيف ولا على تحديد المسؤولين واكتفت سلطات الاحتلال في كل مرة بتزويد ذريعة ضلوع «مقاتلين أجانب» في هذه العمليات وتوجيه أصابع الاتهام الى تنظيم أبي مصعب الزرقاوي دون أن يثبت حتى الآن تورط أية جهة معينة في ما يجري. ثمّ إن العمليات التفجيرية التي تحدث في العراق اليوم تستهدف المحتلين والعملاء على السواء ،وقي ذلك تأكيد واضح على رفض الاحتلال وتبعاته برغم جميع أدوات التجميل التي لجأت اليها ادارة بوش، ويبدو أنها استنفذتها، فعادت الى أوهامها القديمة! «العالم أصبح أكثر أمنا» يرددها بوش اليوم كما قالتها من قبل مستشارته للأمن القومي كوندوليزا رايس، ولكن في سياق دعائي، من نوع آخر، لتبرير الحرب على العراق ولإغواء أصحاب النفوس المريضة بأن العالم «سيكون أكثر أمنا دون صدام»!.. هكذا قالت رايس منذ عام ونصف، وهكذاعاش العالم على وهم الحرية الموعودة للعراق والأمن الموعود له. وحتى استطلاعات الرأي داخل الولاياتالمتحدة فقد كشفت أخيرا أن أغلبية من الأمريكيين يعتقدون أن الحرب على العراق جعلت الولاياتالمتحدة أقل أمنا وهو ما يتضارب تماما مع مقولة بوش، ولعله من غير اللائق أن تتعارض مقولات قائد أكبر دولة «مبشّرة» بالديمقراطية مع آراء شعبه! ومازال بوش يردد مزاعمه حتى ينفضّ من حوله من دقّ معه طبول الحرب على العراق من قبل وحتى يزداد المعارضون معارضة والمنتقدون انتقادا، وليس آخرهم حتما آل غور نائب الرئيس الأمريكي الديمقراطي السابق الذي اتهم بوش بتضليل الشعب الأمريكي وبترديد «كذبة متقنة» وبالالتفاف على الحقيقة لتجنب مواجهتها! والحرب على العراق جعلت العالم بلا شك أقل أمنا اعتبارا لمواقف بعض الحكومات وإيثارها الوقوف في صف بوش طمعا في اقتسام العراق بعد الاجهاز عليه. فقد شهدت العاصمة الاسبانية في مارس الماضي انفجارات غير مسبوقة تلاها سقوط مدوّ لحكومة أزنار التي تحدّت ملايين الاسبان وذهبت في طريق الحرب، وتلقّت بريطانيا وايطاليا تهديدات جدية بتنفيذ عمليات واسعة في لندنوروما احتجاجا على مشاركتهما في الحرب على العراق. وتحدثت أجهزة المخابرات في الدول الآسيوية الحليفة للولايات المتحدة عن مخططات جدية لضرب مواقع حيوية في طوكيو وسيول ومانيلا، وغيرها.. للمرة الأولى، أليس ذلك بسبب مواقف حكوماتها من الحرب على العراق. .. ولو كانت هذه الحرب اللامشروعة بكل المقاييس لتجعل من العالم واحة أمن كما يزعم بوش لما استنفرت قوات الأمن التركية وجنّدت 10 آلاف من عناصرها لحماية موكب الرئيس الأمريكي في زيارته المرتقبة الى أنقرة، ولما خصّصت أجهزة الأمن الايطالية من قبل 10 آلاف شرطي فقط لتأمين الطريق بين مقر اقامة الرئيس الأمريكي في روما والقاعة التي ستحتضن مؤتمره الصحفي مع حليفه برلسكوني.. ليفكّر بوش في ذلك قليلا!