تعيد نبرة التفاؤل الحذر حينا والمفرط احيانا اخرى في خطاب الرئيس الامريكي باراك اوباما بشان التوجهات الايجابية مع بدء العد التنازلي واقتراب موعد انسحاب القوات الامريكية من المدن العراقية الى الاذهان الكثير من نقاط الاستفهام العالقة حول حقيقة المشهد العراقي لتذكر بان حجم تركة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش طوال ثماني سنوات من ادارته البيت الابيض اطاحت بتوقعات اكثر المحللين والاستراتيجيين وخيبت امال وطموحات تلك الفئة التي ما انفكت تروج للعراق الجديد والانفراج الوشيك في المشهد العراقي خاصة تلك الفئة التي انجرفت لعدة اسباب وراء مقولة الرئيس بوش الشهيرة في ماي 2003من على متن السفينة الحربية «بان المهمة انجزت وان العمليات القتالية الرئيسية انتهت « قبل ان تحول العراق الى ساحة مفتوحة للصراعات الدموية والانتهاكات ومسلسل الفضائح التي ارتبطت بسجون ومعتقلات ابوغريب وقبل ان يدخل شعب العراق مرحلة طويلة من المعاناة والظمأ والفقر والفتنة ويغرق في اتون جروح عجزت كل خطط البنتاغون حتى الآن في تخفيف وطئها... بل لعله قد يكون من الصعب جدا بالنسبة للرئيس اوباما ان يجد ما يكفي من التبريرات للدفاع عن رايه المتفائل او اقناع المشككين بجدوى الاستراتيجيات الامريكية ونجاعة الاختبارات المتلاحقة في العراق لا سيما في خضم موجة العنف التي تعود لتغرق المدن العراقية من بغداد الى كرادة ومدينة الصدر وغيرها في دماء واشلاء ابنائها بعد التراجع النسبي في موجة العنف المسجل خلال العام الماضي قبل ان تعود مشاهد القتل اليومي والخراب لتؤجل كل التوقعات والقراءات بشان اقتراب موعد الانفراج او عودة العراق الى وضعه الطبيعي بعد ست سنوات على الاجتياح الامريكي للعراق بدعوى تخليص العالم من اسلحة الدمار الشامل... من المستفيد؟ حتى كتابة هذه الاسطر وقبل ساعات معدودة على الموعد المرتقب في العراق لانسحاب القوات الامريكية الى قواعدها في انتظار تحقيق الخطوة الاهم في التوصل الى الانسحاب الكامل نهاية 2011 لم تكن الاخبار المتواترة من بلاد الرافدين تؤشر الى احتمال تجاوز العراق محنته نهائيا مع العنف وانعدام الاستقرار او ان الشعب العراقي اقترب من طي صفحة الماضي الدموي استعدادا لمرحلة المصالحة والمصارحة المطلوبة حيث يظل الغموض والشك والارتياب سيد الموقف امام تعدد التفجيرات والعمليات الانتحارية التي يبدو ان القوات العراقية ومعها قوات التحالف فشلت في استباقها والكشف عنها اوحتى الحد من ضحاياها بل لعل في تعدد واختلاف التكتيكات المتبعة في تنفيذ تلك العمليات واعتمادها على السيارات المفخخة حينا او الاحزمة المتفجرة احيانا اخرى او العبوات الناسفة المزروعة على مختلف الطرقات في احيان اخرى ما يمكن ان يؤشر الى تعدد الاطراف والجماعات التي تقف وراء عودة التفجيرات الى المشهد العراقي من الاسواق الشعبية المزدحمة الى الحافلات او مراكز الامن وغيرها والتي غالبا ما يكون المدنيون العراقيون اول ضحاياها ...على ان الحقيقة ايضا ان في تنوع الطرق والاساليب الهجومية ايضا ما لا يمكن ان يبرئ أو يجرم طرفا دون غيره فتبقى كل الاحتمالات والقراءات قائمة وكما ان للجماعات المسلحة حساباتها واهدافها من استمرارالوضع على حاله في العراق والترويج على ان الامريتعلق بحرب طائفية بين السنة والشيعة فان للقوات الامريكية ايضا حساباتها... واذا كانت بعض تلك الجماعات المسلحة التي تحسب على نظام القاعدة في العراق حينا او على ايران حينا اخر تجد في العمليات التفجيرية ما يمكن ان يعجل برحيل القوات الاجنبية من العراق فان الوجود العسكري الامريكي في العراق بدوره قد يجد في تلك التفجيرات ذريعة لتبرير استمراروجود قواعده في العراق تحت اقنعة مختلفة كل ذلك طبعا في انتظار ان يتمكن الجيش العراقي من استعادة موقعه على الساحة العراقية وضمان الامن في العراق. و في ظل هذا المشهد يبقى من المهم الاشارة الى ان ما يحدث اليوم على الساحة العراقية يوفر الشماعة المطلوبة لكل الاطراف لتوجيه اصابع الاتهام الى الآخر فيما يبقى المواطن العراقي وحده يدفع ثمن حرب اخرى تدورعلى ارضه دون ارادته... العراق الى اين؟ ولاشك ان في تصريحات قائد الجيش البريطاني في العراق الجنرال رياشارد دانات بان بلاده قد اضاعت فرصة ترسيخ الاستقرارفي العراق وفشلت في منع بروز الميليشيات في البصرة ما يعد اعترافا صريحا من جانب الحليف الاول لواشنطن في حربها على العراق وافغانستان بافلاس الاستراتيجيات العسكرية التي تحول العراق وشعبه بمقتضاها الى مخبر مفتوح لاحدث انواع السلاح المصنعة في الغرب... اما الاصرار الامريكي على الالتزام بالانسحاب في الموعد المقرر حسب تصريحات كبار المسؤولين العسكريين في البنتاغون فانه يعزز بدوره الاعتقاد في رغبة الرئيس الامريكي اوباما في الخروج من المستنقع العراقي ولكن ليس قبل ضمان ما يكفي لحماية المصالح الامريكية في العراق وفي المنطقة وبما يحول ايضا دون السماح لايران بملئ الفراغ او الاستفادة من التغييرات المتسارعة في المنطقة وهو ما يبدو ان الاتفاقية الامنية التي حرص الرئيس الامريكي على الخروج بها من العراق قبل انتهاء ولايته الثانية قد حققتها اوعلى الاقل ضمنت تحقيقها بنود الاتفاقية على المدى الطويل بما يمنح الادارة الامريكية القدرة على التحكم في مصدر ثروات العراق النفطية ويوفر للقوات الامريكية الحصانة والحماية من المساءلة في ما يمكن ان تتورط في ارتكابه من انتهاكات او تجاوزات قانونية خارج قواعدها اما الانسحاب الى خارج المدن العراقية فهو بالتاكيد لا يمكن ان يكون مرادفا لانهاء الاحتلال بل عملية لاعادة انتشار تلك القوات مع تقليص عدد الجنود من 130 الفا حتى الآن الى بضعة الاف مستقبلا وهو في مفهوم القانون الدولي ليس اكثر من احتلال مقنع...