بسم الله الرحمان الرحيم حضرات السيدات والسادة، يطيب لي أن أفتتح اليوم أشغال هذه الندوة الوطنية التي ينظمها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية بالتعاون مع وزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة حول موضوع: “المرأة التونسية : فخر بالإنجازات وتفاؤل بالمستقبل”، منوّهة بما يحمله هذا الموضوع من دلالات عميقة وأبعاد حضارية. إنّ في اعتزازكم بالإنجازات التي تحققت على أرض الواقع من ناحية، وتفاؤلكم بالمستقبل المشرق لبلادنا من ناحية ثانية، إدراكا واعيا لطبيعة الدور الذي ينتظر المرأة في المرحلة القادمة، وتأكيدا لاستعدادها للقيام بمهامها بكل إقدام وحماس، بفضل ما تتمتع به في بلادنا من وضع متميز تحتله اليوم عن جدارة واقتدار، كشريك مكتمل الحقوق والواجبات في عملية البناء الوطني، وتثبيت أركان النظام الجمهوري، وتعزيز مكاسب تونس على درب الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. وإذ أتوجه بجزيل الشكر إلى السيدة سكينة بوراوي المديرة التنفيذية لمركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “كوثر” على إسنادها إليّ الدرع الحامل لشعار “غد أفضل بمشاركة المرأة العربية”، فإنّني أثني على ما تضمنته كلمتها اللطيفة من معان قيمة ومشاعر نبيلة. وأهنئ بهذه المناسبة السيدة إكرام القيزاني بالتكريم الذي شملها بنيلها جائزة رئيس الجمهورية لأحسن بحث علمي نسائي، معربة لها عن خالص التشجيع والتقدير للجهود التي تبذلها في هذا الميدان المتميز، وأحيي من خلالها كافة الباحثات التونسيات في مختلف الاختصاصات، كما أتوجه بالتحية والتقدير إلى الآنسة غادة الشريف الرياضية البارزة لإقدامها على قطع مسافة 22 كلم سباحة من مدينة قربص إلى قصر قرطاج معبّرة من خلال هذه المبادرة الرياضية عما تتحلى به الرياضيات التونسيات من خصال وقدرات. حضرات السيدات والسادة، يحق للمرأة التونسية أيا كان موقعها بالمدن والأرياف، أن تفاخر بما بلغته من منزلة رفيعة، بفضل نضالها وانخراطها الواعي في المشروع المجتمعي والحضاري لتونس التغيير، تشهد على ذلك مؤشرات النجاح والتميز التي أصبحت سمة بارزة للتجربة التونسية الرائدة في مجال النهوض بالمرأة، هذه التجربة التي تعد اليوم مثالا يحتذى. إنّ ما تحقق للمرأة في بلادنا يستند إلى موروث إصلاحي نيّر ميّز تونس، استأثرت فيه بموقع متقدم، إيمانا من رواد الإصلاح وزعماء الحركة الوطنية ومن قيادة التغيير، بأنّ تحرير المرأة وإدماجها في منظومة التنمية الشاملة والمستدامة يمثلان العنصرين الكفيلين بإنجاح مسعى البلاد الثابت للعبور إلى الحداثة. وإذ نحتفل اليوم بالذكرى الثالثة والخمسين لإصدار مجلة الأحوال الشخصية، فإنّه يحق للمرأة التونسية التي عرفت على مر تاريخنا العريق، بتوقها إلى الحرية والكرامة، وتعلقها بخصال التضحية والمسؤولية، ومساهمتها باقتدار، في الذود عن عزة تونس، وصيانة مجدها، وإعلاء شأنها بين الأمم، أن تتطلع إلى غد أفضل ومستقبل أكثر إشراقا. وإنّه لمن دواعي اعتزازنا أنّ بلادنا تنفرد اليوم بمنظومة تشريعية رائدة في مجال المرأة، ضمنت لها من الحقوق ما لم يزل حتى الآن يعتبر طموحات ثمينة لدى العديد من النساء في أنحاء كثيرة من العالم المتقدم كالمساواة التامة في الأجر، وحق المشاركة في الحياة السياسية والعامة. ولئن تمّ التأسيس للمنظومة الوطنية لحقوق المرأة مع إصدار مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956، فقد شهد هذا المسار دعما متواصلا بفضل الإجراءات الثورية لسنة 1992 وما تلاها من تنقيحات تشريعية جوهرية تجاوزت معها المرأة التونسية مرحلة المطالبة بالحقوق الأساسية إلى طور جديد من الشراكة المتكافئة والفاعلة مع الرجل في تعزيز الصرح الاجتماعي، وتوطيد أركان دولة القانون والحرية والحداثة والتقدم. وقد ارتقت تونس بقوانين الأحوال الشخصية، وبما ضمنته للمرأة من حقوق ومكاسب إلى مرتبة دستورية، وأثبتت صواب خياراتها المناصرة لقضايا المرأة في محيطها الحضاري وعلى الصعيد العالمي، وكانت دائما في مقدمة القوى الداعية إلى المراهنة على قدرات النساء باعتبارهنّ نصف المجتمع، وقوة من أهم القوى الدافعة إلى الأمام، وعلى كفاءتهن ودورهن في رفع التحديات الجسيمة التي تواجه عالمنا اليوم على أكثر من صعيد، في الوقت الذي تحتاج فيه المجتمعات الإنسانية، ولا سيما في الدول الصاعدة، إلى توظيف كل الكفاءات والقدرات والطاقات المتاحة لديها. ونحن حريصون، في إطار رئاستنا الحالية لمنظمة المرأة العربية، على مزيد تعزيز الوعي على الصعيدين العربي والدولي، بأهمية الارتقاء بأوضاع المرأة، ودعم حقوقها، وتعزيز آليات الشراكة والتعاون بين الأمم لخدمة قضاياها باعتبارها منطلقا أساسيا لتحقيق التنمية المستدامة العادلة والشاملة والمتوازنة. وإنّ المرأة التونسية في بلادنا اليوم حريصة على أداء دورها كاملا، مؤمنة إيمانا راسخا بأنّها مدعوة إلى مزيد العمل والبذل دعما للخيارات الوطنية الثابتة وإسهاما في الرقي بالبلاد إلى ما تصبو إليه من مراتب التطوّر والعلى، بما يتناسب مع ما تتحلى به من أصالة وانفتاح وحداثة، وما توفر لها من حقوق وضمانات، وما تيسر لها من حظوظ الانخراط الفاعل في مسارات العلم والعمل والإبداع والمبادرة، وينسجم مع وعيها العميق بتحديات المرحلة، ومشاركتها الواسعة في الشأن العام، وسعيها الدؤوب إلى مزيد الإشعاع والتميّز، ولا سيما بعدما برهنت عن جدارتها بتحمّل المسؤوليات. وإنّني لعلى يقين بأنّ المرأة التونسية، التي كانت لها إسهامات بارزة في الكفاح الوطني وفي بناء الدولة الحديثة، ستواصل المسيرة بعزم واقتدار كشريك فاعل في بناء تونس الغد، وبالتزام متجدد بخيارات التغيير وأهدافه. وهو ما تؤكده باستمرار منظمتها العريقة، الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، بما يعكس وفاءها الدائم واعترافها بالجميل للتغيير والمشروع الحضاري الذي جاء به. ويمثل استعداد المرأة التونسية لإنجاح المواعيد السياسية القادمة، وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية والتشريعية، التي تهيئ بلادنا لفترة جديدة ثرية بمزيد الإنجازات والمكاسب، تأكيدا لعزمها الثابت على مواصلة مسيرة النضال خدمة للوطن. وإذ أعرب في الختام عن خالص شكري وتقديري لكل المناضلات والمناضلين من أجل مزيد الرقي بالمرأة التونسية، فإنّي على يقين بأنّ أشغال ندوتكم هذه ستتوج بمقترحات وتوصيات تشكل إضافة مهمة لجهود تونس، تعزيزا لمنزلة المرأة، وإعلاء لشأن تونس ورقي شعبها وازدهاره. مع تمنياتي لأعمالكم بكامل النجاح والتوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.