تحيي تونس اليوم الذكرى ال80 لعيد الشهداء الذين سقطوا في يوم 9 أفريل من سنة 1938 إثر خروج مظاهرتين الأولى من ساحة الحلفاوين بقيادة علي بلهوان والثانية من رحبة الغنم بقيادة المنجي سليم، وذلك مطالبة بإصلاحات سياسية و احداث برلمان تونسي يمارس من خلاله الشعب سيادته داخل وطنه. وقد واجهت قوات الاحتلال الفرنسي هذا التحرك بالقمع العنيف برصاص الاحتلال الفرنسي مما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء ، تبعتها حملة اعتقالات واسعة شملت قيادات الحركة الوطنية آنذاك من هم علي البلهوان والحبيب بورقيبة. وشكّل هذا اليوم منعرجا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني له الفضل في الإعداد لمحطات سياسية لاحقة أدت في النهاية إلى نيل الاستقلال يوم 20 مارس 1956 ثم إعلان النظام الجمهوري في 25 جويلية 1957. وفي خضم هذا الشأن، اعتبر أستاذ التاريخ المعاصر ورئيس جامعة صفاقس، الدكتور عبد الواحد المكني، يوم الأحد، أن شهداء تونس ليسوا فقط شهداء 9 افريل 1938 بل هم كل شهداء المعركة الوطنية بمن فيهم الذين يموتون وهم يؤدون وظائفهم لفائدة الوطن من مختلف المواقع ويساهمون في رفع الراية الوطنية عاليا. وبيّن المكني في مداخلة ألقاها بمقر ولاية صفاقس حول أحداث 9 أفريل 1938 بمناسبة احتفالات الجهة بهذه الذكرى الوطنية أن الشهادة في سبيل تونس ليست حكرا على حزب دون غيره ولا فئة ولا زعيم ولا جهة، ولا تقتصر كذلك على الذين سقطوا في أحداث 9 أفريل 1938 التي تعد المحطة الكبرى التي تركت حصيلة ثقيلة تقدر ب22 شهيدا و188 جريحا و2000 بين معتقل ومحتجز. وقال إن تونس قدمت قوافلا من الشهداء منذ ما قبل الحماية الفرنسية إلى اليوم، مذكّرا بدور مدينة صفاقس في هذا الصدد من خلال عديد المحطات النضالية ومنها معركة جوان وجويلية 1881 والتي سقط فيها المئات من الشهداء وارتكبت فيها فرنسا جرائم حرب، بحسب وصفه. وتطرق المؤرخ أيضا إلى أحداث معركة الجلاز وأحداث الجنوب بين 1915 و1918 وشهداء الحوض المنجمي مرورا بمعركة 9 أفريل التي وصفها بالمحطة الكبرى في تاريخ النضال الوطني بالنظر إلى حجم التضحية التي عرفتها ونوعية المطالب التي رفعت ولا سيما المطالبة بحكومة وطنية وبرلمان تونسي، مشيرا إلى مساهمة جهة صفاقس إلى جانب مختلف جهات البلاد في هذه المحطة النضالية التي انتهت باعتقال عدد من الرموز ومنهم علي البلهوان والهادي شاكر. وقال إن العبرة والنتيجة الإيجابية المستخلصة من معركة 9 أفريل 1938 التي قامت بسبب التضييق على الحريات والقمع الفرنسي للمقاومة هو أنها رفعت الخوف من النفوس، وساهمت في توسيع رقعة الحركة الوطنية وإعطائها طابعا شعبيا واسعا شاركت فيه كل الفئات ولا سيما المرأة وكذلك كل الحساسيات السياسية والمدنية وحتى الفرق الرياضية. ولاحظ عبد الواحد المكني في محاضرته أن عدد الشهداء الذين سجلتهم تونس منذ 2011 بسبب الإرهاب، ولا سيما شهداء الجيش والأمن الوطنيين، يضاهي عدد الشهداء الذين سقطوا في الحركة الوطنية، واصفا ذلك بالتدمير الذاتي الذي رافق عملية الانتقال الديمقراطي التي تعيشها تونس بعد ثورة 14 جانفي 2011، وفق تقديره. ولئن تمثل ذكرى عيد الشهداء مرحلة فارقة في تاريخ تونس ونضالات شعبها في سبيل الحرية ، بيد أنها اليوم على أهميتها فإن رمزيتها تتناقض مع مقتضيات الفترة حيث إلى يومنا هذا لم تنشر رئاسة الجمهورية قائمة شهداء وجرحى الثورة على الرغم من أنها سبق أن تعهدت بنشرها في موفّى مارس المنقضي. ويتواصل جدل قائمة شهداء وجرحى الثورة ، سيما وقد انتهت المهلة التي سبق ان تعهد بها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي لنشرها ، وأضحى جدل القائمة يتصدر الواجهة ويسيل الكثير من الحبر سيّما وقد تعطل الإعلان عن القائمة التي يترقبها التونسيون، وبالخصوص عائلات الشهداء والجرحى، رغم مرور أكثر من سبع سنوات على ثورة الحرية والكرامة .. وكان من المفترض أن يقع نشر القائمة السبت 31 مارس 2018 , وفق ما تعهد به رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم الاحتفال بالذكرى السابعة لثورة 14 جانفي ، الذي أكد بأن تكون القائمة النهائية لشهداء الثورة وجرحاها، جاهزة في 31 مارس المقبل "على أقصى تقدير" ، بيد أن القائمة لم تصدر بعد! ولئن كانت القائمة الرسمية لشهداء الثورة جاهزة للنشر بالرائد الرسمي للجمهورية منذ أكثر من سنتين ولكن اختلاف الرؤى حال دون ذلك. وقد اختلفت القراءات القانونية بين الهيئة العليا للحقوق والحريات الأساسية من جهة ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى، إذ رأت الأولى أن يتم نشرها في انتظار استكمال قائمة الجرحى لتخفيف عبء الانتظار على العائلات في حين رأت الثانية أن يتم نشر القائمتين معا .وقد تسبب اختلاف وجهتي النظر في تعطيل.. ولئن نشرت رئاسة الجمهورية بيانا أكدت فيه أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي تسلّم الاثنين 2 أفريل 2018 بقصر قرطاج ، النسخة النهائية لقائمة شهداء وجرحى الثورة ، فإن المناسبة على أهميتها لم تلغ إضراب عائلات شهداء الثورة المقرر الأربعاء 4 أفريل 2018 ، طالما لم تصدر القائمة النهائية بالرائد الرسمي . و أكد نصّ البيان أن رئيس الجمهورية تسلم النسخة النهائية عند استقباله رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريّات الأساسية توفيق بودربالة، ومقرر لجنة شهداء الثورة ومصابيها عبد اللطيف الفوراتي. في المقابل، لم يغير بيان رئاسة الجمهورية قرار أهالي شهداء وجرحى الثورة الذين يعيشون على وقع خيبة أمل كبيرة نتيجة عدم صدور القائمة الرسمية التي تضم أسماء أبنائهم، تخليدا لهم . وهو ما دفع عائلات الضحايا الى التحرك من أجل التذكير بالوعد وتجديد التذكير بمطلبهم القديم المتجدد. وفي خضم هذا الشأن، قال منسق التحرك وشقيق احد شهداء مدينة دقاش علي المكي إن «التحرك الذي انطلق يوم 4 افريل الجاري بالتجمهر والاحتجاج قد يتحول إلى اعتصام إذا لم نتوصل إلى نتيجة وقد وجّهنا مراسلات إلى عدد من المنظمات وجمعيات المجتمع المدني وكذلك إلى الأحزاب التي ليست في السلطة ومن المنتظر أن يكونوا في الموعد للتعبير عن مساندتهم لمطلب عائلات الشهداء والجرحى كما عهدناهم» هذا وأضاف » كل عائلات وشهداء وجرحى الثورة من جنوب البلاد إلى شمالها كانوا على يقين بأن ما تعهدت به رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من نشر القائمة الرسمية في مارس المنقضي هي وعود فاقدة للمصداقية فالتواصل تم بين عائلات الشهداء وجرحى الثورة في كامل الجهات وهم سئموا وملوا من الوعود الزائفة وعبروا عن غضبهم من وراء ذلك وعن يقينهم بأن هناك محاولة كبيرة للالتفاف على الثورة». ولفت رئيس الجمعية الى ان الأهالي ضاقوا ذرعا بالوعود، متابعا القول ان " عدم وجود نتائج ملموسة يبقي إضرابهم قائما". و أشار المكي إلى أن عشرات العائلات احتجت الاثنين بالقصرين أمام مقر الولاية خصوصاً من الأحياء التي سقط فيها عدد كبير من الشهداء، لا سيما حيّ النور وحيّ الزهور، ومع ذلك لم يقابلهم أي مسؤول، أو يصلهم رد رسمي من أي جهة، ما ينبئ أن عملية النشر بالرائد الرسمي قد تستغرق أسابيع أو أشهرا. وأضاف المكي أن "الإرادة السياسية متى توفرت تُنشر القائمة في ظرف 24 ساعة، مثلما حصل مع قوانين سابقة،"، مضيفاً أنهم سينتظرون الساعات المقبلة وإلا فإن الاحتجاج سيظل قائما. ومن جانبها، قالت محامية عائلات الشهداء والجرحى، ليلى حداد، إنّه "متى توفّرت الإرادة السياسية، فإنّ القائمة سوف تصدر، خصوصاً أنّها بمثابة عنوان الثورة التونسية واعتراف رسمي بها". وكشفت حداد أنها تتلقى "مئات المكالمات الهاتفية يومياً، من عائلات الشهداء والجرحى ومن تونسيين آخرين ينتظرون هذه القائمة لردّ الاعتبار للثورة ولتخليد ذكرى الذين ضحّوا بدمائهم وحياتهم من أجل تحرير تونس من الاستبداد ومن نظام بن علي". وتابعت حداد أنّ "قيمة هذه القائمة رمزية ومعنوية، إذ إنّه لن تعقبها تعويضات مادية وجبر للضرر، لأنّ ذلك من صلاحيات الأجهزة القضائية التي تتابع القضايا. لكنّ أهمية القائمة تكمن في الاعتراف بهؤلاء الشهداء وتخليد أسمائهم". بيد أن عدم نشر القائمة رغم انتهاء شهر مارس ودخول شهر أفريل قلب الموازين ، حيث من المرتقب أن تنظم العائلات ونشطاء حقوقيون وقفة يوم 4 افريل في ساحة الحكومة في القصبة، تحت شعار: "سيب القائمة النهائية". ووفق الأرقام المتداولة فإن هناك 368 شهيداً بين مواطنين مدنيين وأمنيين، من بينهم 319 شهيداً مدنياً. كذلك، فإنّ ثمّة نحو أربعة آلاف جريح في الثورة.