الاحتفاظ بمسؤولة بجمعية تعنى بشؤون اللاجئين و'مكافحة العنصرية'    القبض على عنصر تكفيري وبحوزته مواد مخدّرة    الوضع الجوي: رياح قويّة وأمطار رعدية وغزيرة بهذه المناطق    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    دوري أبطال أوروبا : ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب الدور نصف النهائي    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    وزيرة الأسرة تعلن عن احداث مركز جديد للاصطياف وترفيه الأطفال بطبرقة    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    تالة: ايقاف شخص يُساعد ''المهاجرين الافارقة'' على دخول تونس بمقابل مادّي    هذه الآليات الجديدة التي يتضمنها مشروع مجلة أملاك الدولة    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    وزير السياحة : قطاع الصناعات التقليدية مكن من خلق 1378 موطن شغل سنة 2023    قريبا: وحدة لصناعة قوالب ''الفصّة'' في الحامة    أبطال إفريقيا: الكاف يكشف عن طاقم تحكيم مواجهة الإياب بين الترجي الرياضي والأهلي المصري    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    حماس: اجتياح الكيان الصهيونى لرفح يهدف لتعطيل جهود الوساطة لوقف إطلاق النار    ليبيا تتجاوز تونس في تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا في 2023    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    يومي 10 و 11 ماي:تونس تحتضن بطولة إفريقيا للجمباز.    منظومة الاستثمار: نحو مناخ أعمال محفز    تونس تسيطر على التداين.. احتياطي النقد يغطي سداد القروض بأكثر من ثلاثة اضعاف    فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    باكالوريا: كل التفاصيل حول دورة المراقبة    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    مشروع مصنع ثلاثي الفسفاط الرفيع المظيلة على طاولة الحكومة    الرابطة الأولى: النجم الساحلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة الترجي الرياضي    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الليلة في أبطال أوروبا ...باريس سان جرمان لقلب الطاولة على دورتموند    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    أولا وأخيرا .. دود الأرض    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024 الى 2ر7 بالمائة في ظل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة التونسيين من سوريا حقّ لا يخضع لمزاج الحاقدين
نشر في الحوار نت يوم 28 - 12 - 2016

رغم مرور ست سنوات على انطلاق الثورة، ورغم تنازلات عديد الأطراف قصد إنجاح المسار الثوري وقطع الطريق على المنادين بعسكرة الثورة وإحلال الفوضى بالبلاد، إلاّ أنّ البعض، ممّا لا تزال الرؤيا الأحادية تسيطر على عقولهم ولا يزال الحقد الإيديولوجي يسيطر على قلوبهم، يرفضون الحلول الواقعية ويريدون أن يفرضوا الحلول التي تناسب توجّهاتهم. من ذلك أنّهم بدؤوا يدعون إلى محاسبة ومحاكمة بل وسجن كل العائدين من سوريا ومن كلّ بؤر التوتّر في العالم بدعوى أنّهم اقترفوا عديد الجرائم في سوريا وعديد العمليات الإرهابية والإجرامية و أنّهم مجرمون خطيرون لا يستأمن جانبهم ولا بدّ من عزلهم عن المجتمع إمّا بزجّهم في السجون مباشرة بعد عودتهم أو بحصرهم وتجميعهم في مراكز إيواء كالذي أحدث في منطقة رجيم معتوق بالجنوب التونسي في زمن المخلوع بن علي. وأصرّ القوم على متابعة ومحاسبة العائدين من سوريا بكلّ الطرق. كما أصرّوا على رفضهم لسنّ قانون التوبة، والاحتجاج أمام كل دوائر القرار ومنها مجلس نواب الشعب. كما احتجّ العديد من النواب من داخل قبّة البرلمان برفع لافتات تدعو إلى منع الإرهابيين من العودة إلى تونس.
بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تونس هي وطن كلّ التونسيين وهي حضنهم الدافئ يرجعون إليها متى شاؤوا. وهي وليست ملكا خاصا لبعض النّاس من ذوي التوجهات المنحرفة والأنانية المفرطة ممّن تربّوا وترعرعوا في ظلّ الاستبداد ودأبوا على اعتبار تونس ملكا لهم من دون النّاس يصولون ويجولون فيها ويتصرّفون في مقدّراتها كما يشاؤون. فيما أنّ عامة الناس إنّما يكون مكانهم الطبيعي إمّا السجن والتعذيب أو النفي!!! إنّي أتساءل باستغراب لماذا يريدون أن يكرّروا سيناريوهات ومشاهد الماضي ؟ لماذا يريدون تكرار مشاهد الحزن والمعاناة على أناس آخرين ؟ ألا يستطيع هؤلاء القوم أن يعيشوا في كنف بيئة تحفظ وتصون كرامة الجميع ؟ فالجميع بمن فيهم الضحايا يعملون على نشر ثقافة التسامح والتوبة والاعتذار والصفح إلاّ هؤلاء القوم الذين يريدون أن ينتقموا من مخالفيهم في الرأي وفي التوجّهات بشتّى الطرق متى سنحت لهم الفرصة بذلك. لقد أبدى ضحايا الاستبداد استعدادهم للعفو عن جلاّديهم الذين أجرموا في حقّهم. وكانت الجرائم موثّقة بالصوت والصورة. أمّا المعارضين لقانون التوبة فهم يعارضون مسامحة المتهمين وسنّ قانون التوبة في حقّهم بدعوى أنّهم اقترفوا جرائم في سوريا. وهي الجرائم التي مازالت لم تثبت عليهم بعد ، وبدعوى أنّهم قد يرتكبون جرائم أخرى مماثلة في تونس!!!
بمعنى آخر أنّ شقّا من التونسيين أو الضحايا الذين تعرّضوا لكلّ أنواع التعذيب والتنكيل صفح عن جلاّديه الذين اقترفوا في حقّه جرائم ثابتة. في حين أنّ شقّا آخر من التونسيين لا يريد أن يصفح عن مجرّد متهمين مفترضين بدعوى أنّهم ربّما يرتكبون جرائم مستقبلية ضد الشعب !!!
وبمعنى آخر أيضا أنّ ضحايا التعذيب صفحوا عن جلاّديهم وسمحوا لهم بالاعتذار والتوبة في حين أنّ العديد ممن أعمى الحقد الإيديولوجي قلوبهم وممن انحازوا إلى الاستبداد في فترة من الفترات لا يريدون أن يلينوا ولا أن يصفحوا. فهم يغلقون نهائيّا طريق التوبة في وجه العائدين من بؤر القتال !!! فمن يا ترى أولى بعدم تطبيق قانون التوبة عليه ؟ وهذا ما دفع أحد المشاركين في اعتصام المصير للمطالبة بتفعيل العفو التشريعي بالتصريح لجريدة الصباح(الأحد 25 ديسمبر 2016) بالقول "في صورة عدم تطبيق العفو على العائدين من سوريا يجب محاسبة الجميع 'الإرهابي' والجلاّد والسياسي أيضا". وأضاف "موش واحد فرض والآخر سنّة'.
فلا بدّ إذن من توجيه أصابع الاتهام إلى العدو الحقيقي لا الافتراضي المزعوم. فأمّ المصائب هي الاستبداد وأصل البلاء هو الاستبداد. ولا بدّ إذا من إعادة توجيه البوصلة إلى القضايا الحقيقية التي تشغل بال النّاس. فالمنتج الحقيقي للتشدّد ولمناخ التشدّد والمتشدّدين إنّما هو الاستبداد ولا غير الاستبداد بما يتيحه للشباب من فرص سانحة وسهلة ومناخات ملائمة لسلك واتباع سبل التشدّد والمتشدّدين. فما هي الفرص أو المناخات أو السياقات التي تساعد على إنتاج عقلية التشدّد ؟
1) تجفيف منابع التديّن
هذه الخطّة الجهنّمية التي أقدم المخلوع بن علي على فرضها في الواقع مطلع التسعينات من القرن الماضي هي التي أنتجت مناخ التشدّد والمتشدّدين. فلو سمح بن علي لعلماء الدّين وللمؤسسات الدينية من تأطير الشباب وتلقينهم أصول وأسس الدّين الصحيح منذ نعومة أظفارهم لما كان الشاب أنيس العمري(مثلا) لقمة سائغة لشبكات التشدّد العالمية ولما غرّر به ولما دفعوه لارتكاب أعمال إرهابية. فالمتشدّدون لم ينزلوا علينا من السماء أو من كوكب آخر حتّى نحمّلهم لوحدهم المسؤولية ثم نطالب بعد ذلك بمحاسبتهم. بل هم جاؤوا وخرجوا إلينا وعلينا بعد أن تمّت برمجتهم وصناعتهم صناعة من طرف نظام الاستبداد لتكون لهم القابلية للتشدّد والتنطّع. والملاحظ هنا أنّ أغلب المتشددين في تونس ولدوا وتربّوا في فترة حكم المخلوع بن علي وفي فترة تجفيف المنابع.
2) إشاعة ثقافة العري والتعرّي وثقافة الفواحش
من الأسباب التي تساعد على بروز ظاهرة التشدّد والمتشدّدين هو إشاعة ومحاولة فرض ثقافة العري والتعرّي والتفسّخ والانحلال الأخلاقي والتخنّث وثقافة الكلام البذيء والفاحش. فأغلب قنواتنا التلفزيونية تحارب ثقافة البلاد المنبثقة من الهوية العربية الإسلامية وتعمل على فرض لون تغريبي معادي للأخلاق وللقيم الإسلامية السمحة. ويعسر ويصعب جدّا أن تقدّم هذه القنوات مادّة إعلامية للمشاهد بدون أن تغلّفها وتلفّها بغلاف التعرّي والتخنّث والشذوذ. ومعلوم أنّ النّاس معادن. فمنهم من يكظم غيظه ويحاول أن يقاوم من خلال فضح هذه الممارسات الإجرامية بالكلمة وكلّ الوسائل السلمية المتاحة. و لكن منهم كذلك من لا يستطيع تحمّل كل ذلك الإجرام في حقّ الأخلاق، لذلك فإنّه ينخرط في ردّ فعل عنيف ربّما يكون أعنف ممّا يمارس عليه من عنف على الأخلاق والقيم. فلا يمكن القضاء على التشدّد والتنطّع بدون تبنّي سياسة إعلامية معتدلة تراعي هوية البلاد وتجرّم كل الذين يريدون أن يفرضوا نمطا أخلاقيا متدنّيا غريبا عن الثقافة العربية الإسلامية. ومن يدعو إلى محاربة التشدّد والمتشدّدين بدون تبنّي سياسة إعلامية معتدلة متصالحة مع هوية الشعب فكأنّما يحرث في الماء.

3) محاربة ومعاداة علماء الأمة
دأب المعادون لثقافة وهوية البلاد على الاستهانة بالعلماء (وتحديدا علماء الدين) وعملوا كل ما في وسعهم على تشويههم والحط من قيمتهم العلمية ومكانتهم الاجتماعية والاستهزاء بهم بأشكال مختلفة. كما أنّهم عملوا على دقّ إسفين بينهم وبين عامّة النّاس لغاية إخراجهم وانتزاع محبّتهم من قلوب الناس. فعلى سبيل الذكر لا الحصر كلنا يذكر الحملات التشويهية التي تعرّض لها الشيخ راشد الغنوشي إبّان الثورة في عديد وسائل الإعلام ومنها حملة القلابس. فإذا انفضّ النّاس أو بعضهم من حول العلماء فمن الصعب أن يستمعوا وينصتوا إليهم بعد ذلك. ومن الصعب أن يسيطروا على أفكارهم وعلى بعض تصرفاتهم. ومن الصعب أن يوجهونهم إلى الطريق الصحيح وأن يقنعونهم بالقول الفصل في عديد المسائل المتشابهة والخلافية. ذلك أنّ صور العلماء تكون قد اهتزّت في أذهانهم. ومن هنا يكون التشدّد في طريق مفتوح. ولقد تمادى المعادون لثقافة الأمة في توسيع نهج القطيعة بين العلماء والعامّة عندما شنّوا هجوما شرسا على الشيخ راشد الغنوشي إبّان تصريحه في بداية الثورة بأنّ السلفيين يذكرونه بشبابه.
إنّ المطلوب اليوم هو العمل على إعطاء المكانة اللائقة للعلم والعلماء وإعطائهم كل الحرية حتّى يعملوا على دعوة الشباب واستقطابهم واحتضانهم بكل الطرق والوسائل وتلقينهم مبادئ الدين الإسلامي الحقّ. وهكذا يتمكّن العلماء من النفاذ إلى قلوب الناس والسيطرة بالتالي على تصرفاتهم. وبدون هذه المقاربة لا يمكن في تقديري الحد من ظاهرة التشدّد والمتشدّدين.
والخلاصة أنّ الحل الأمني الذي ينادي به أصحاب الحقد الإيديولوجي ليس هو الحل. ولا بدّ من البحث عن مقاربة أخرى تعتمد على التأهيل النفسي والاجتماعي وعلى تكوين ديني يصحّح المفاهيم. والمنادون بفرض الحل الأمني وبسجن المتشدّدين مباشرة بعد عودتهم من سوريا إنّما يفعلون ذلك لكي لا يتمكّن المتشدّدون وعائلاتهم وبقية الشعب التونسي من التعرّف على مفاهيم وأصول ومقاصد الدّين الإسلامي. وبالتالي ليمنعوا انتشار التديّن الصحيح على نطاق واسع وذلك من أجل الحدّ من معاناتهم ومعاناة كلّ المصابين بمرض الحقد الإيديولوجي.
منجي المازني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.