تونس (وات- تحرير مفيدة بن تواتى)- أسالت الأحداث التي تشهدها كلية الآداب والفنون والإنسانيات منذ حوالي الأسبوعين الكثير من الحبر، وأثارت جدلا واسعا سواء في صفوف الطبقة السياسية والنخب أو لدى المواطنين. وانطلقت هذه الأحداث بعد ان منع احد الأساتذة طالبة منقبة من اجتياز الامتحان تنفيذا لقرار المجلس العلمي للكلية والقاضى "بمنع المنقبات من دخول قاعات الدراسة وذلك قصد التعرف على هوية كل شخص يدخل الكلية". ويعد كشف وجه المنقبات بحسب المجلس العلمي "شرطا أساسيا للتواصل العلمي والبيداغوجي بين الأساتذة والطلبة في حصص الدرس والتأطير وعند إجراء الامتحانات". وأثارت هذه الحادثة احتجاجا واسعا لدى عدد من الطلبة المحسوبين على التيار السلفي، اذ عمدوا الى تنفيذ اعتصام امام مكتب عميد الكلية، مطالبين بالخصوص بالحق في ارتداء النقاب داخل الجامعة وبتخصيص مكان لإقامة الصلاة. وتطورت الأحداث إثر ذلك لتصل إلى وقوع مناوشات وحتى صدامات بين المعتصمين من جهة والعميد وعدد من أساتذة الكلية من جهة أخرى، ولتشق كذلك صفوف الطلبة بين مؤيد للنقاب باعتباره من الحريات الشخصية ورافض له باعتباره يتنافى وقوانين ونواميس الفضاء الجامعي. وأمام تأزم الوضع داخل الكلية واقتحامها من قبل غرباء عنها، وبعد إصرار المعتصمين على مواصلة حركتهم الاحتجاجية رغم الوساطات العديدة التي قام بها بالخصوص سياسيون من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وعلى إثر ما تعرض له عدد من الاساتدة والإداريين والأعوان من اعتداءات، قرر المجلس العلمي غلق أبواب الكلية إلى حين فك الاعتصام وهو ما حرم أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة من إجراء امتحاناتهم. وفي رد فعل على هذه الأحداث، استجاب عدد كبير من أساتذة التعليم العالي إلى دعوة الجامعة العامة للتعليم العالي إلى شن إضراب عام يوم الخميس غرة ديسمبر 2011 . كما استنكرت وزارة التعليم العالى والبحث العلمي "المس المتكرر باستقلالية المؤسسات الجامعية وذلك بالاعتداء على حرمة الجامعة وحرية الجامعيين والزج بالجامعة في خضم الصراعات العقائدية والسياسية". وحظيت هذه الأحداث بتغطية واسعة من قبل وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، وأصبح "النقاب" حديث الشارع التونسي بين مؤيد بقوة ورافض بشدة ومتوجس باعتبار ان من يقف وراء الدعوة إلى ارتداء النقاب سلفيون معروفون بتشددهم، وهو ما يشكل خطرا على المجتمع التونسي الذي عرف باعتداله ووسطيته. وفضلا عن المنظمات والجمعيات على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل اللذين عبرا عن انشغالهما البالغ بالأوضاع التي بلغتها كلية الآداب بمنوبة خاصة بعد الاعتداء على العميد وعلى عدد من الموظفين، أدلت الأحزاب السياسية بدلوها في هذا الموضوع، وأصدرت بيانات عبرت فيها عن مواقفها إزاء هذه المسألة. وفي هذا الخصوص، أكد حزب حركة النهضة في بيان له بإمضاء رئيسه راشد الغنوشي رفضه توفير تبرير لأي طرف لا يحترم القانون ويسعى لفرض إرادته أو ممارسة الوصاية على الغالبية بعنوان الحداثة والأصالة. ودعا هذا البيان إلى إبعاد الجامعة عن التجاذبات الايديولجية أو السياسية والى احترام القوانين والتراتيب الإدارية الجاري بها العمل لتنظيم الحياة الجامعية. كما نددت العديد من الأحزاب الأخرى بمحاولات "تسييس الحرم الجامعي وإقحام المؤسسات التعليمية في صراعات "عقائدية ومذهبية" ورفضت سيطرة "أفكار أقلية غريبة عن الكلية على السير العادي لغالبية الطلبة وللقانون المسير للجامعة." وللتعرف على ظاهرة النقاب من وجهة نظر علم الاجتماع، استطلعت"وات" رأي السيد فتحى الجراي المختص في علم الاجتماع الذي افاد ان النقاب هو ظاهرة سطحية وغريبة، صدمت المجتمع التونسي الذي لم يتعود عليها ولم يكن يتوقع ان يشاهد منقبات تونسيات يرتدين اللون الأسود. واستبعد هذا المختص ان يقبل التونسي بهذا اللباس الغريب، معربا عن اعتقاده بان هذه الظاهرة هي بمثابة "الموضة" التي لن تدوم لان التونسي معتدل بشكل عام ولا يقبل التطرف في اي اتجاه كان. وعن وجود النقاب في الجامعة قال الجراي "هناك تأثيرات خارجية لا يمكن التغافل عنها فقد نشأت هذه الأفكار من الفضائيات التي تدعم التيار السلفي"، الا انه لم يستبعد ان تكون السياسة السابقة التي اعتمدت ضرب القيم في جوهرها، جعلت البعض، وفي ظل غياب فكر إسلامي حر، يرد بطريقة عنيفة ومتطرفة. ومن جهتها نبهت ربيعة العليبى المختصة في علم النفس من تفاقم ظاهرة ارتداء النقاب، خاصة في الجامعة التونسية اذا لم يتم التعامل معها قانونيا، مشيرة الى ان علم النفس التواصلي يؤكد على ان العلاقة البيداغوجية تقتضى التواصل بين الاساتذة والطلبة. وأضافت ان الحرية بعد الثورة أضحت في منظور عدد من الأفراد "مطلقة لا حدود لها" في حين ان هناك ضوابط اجتماعية ونفسية للحرية قائلة في هذا الصدد: " لا يمكن فرض افكار متشددة من الجانبين اليساري والإسلامي على المجتمع التونسي أو حب الظهور عبر جلب الانتباه من خلال اللباس أو التصرف".