في مراسلة "غريبة"( تم نشرها اخيرا) موجهة الى ادارات المحاكم الاستئنافية والابتدائية – ممثلة في رؤسائها واعضاء نيابتها – فضلا عن رؤساء الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية لا يجد المتفقد العام بوزارة العدل (السيد رياض بالقاضي ) حرجا في اصدار تعليمات مباشرة (ما انزل الله بها من سلطان !) تحت غطاء " الحرص على تطبيق مقتضيات الفصل 42 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها"فيما ينص عليه من احالة هيئة الحقيقة والكرامة للملفات الخاصة بالانتهاكات الجسيمة على النيابة العمومية . ومن الواضح ان التعليمات التي تضمنتها المراسلة قد صدرت تحت اشراف وزبر العدل بصفته عضوا في الحكومة طالما ان المتفقد العام هومن بين المسؤولين القضائيين (السامين) الملحقين بوزارة العدل والخاضعين لاشرافها (وتاثيرها !). وتكمن التعليمات المقصودة في محاولة "المسؤول السامي" الايحاء (للقضاة طبعا ) بان من توابع اختصاصاته (التي يتوسع فيها بقدر ما يستطيع!): 1- اصدار مذكرات اوتعليمات او توجيهات في شان العدالة الانتقالية الموكول تطبيقها الى دوائرقضائية مستقلة و متخصصة يتم احداثها بالمحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف في حين ان القانون المتعلق بتنظيم العدالة الانتقالية يخلو تماما من أي ذكر او اشارة للتفقدية العامة او وزارة العدل . 2- اعطاء تاويل او تفسير لنصوص قانونية – مهما كانت طبيعتها- تتعلق بتعهد النيابة العمومية او الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية من ذلك تاويل المتفقد العام للفصل 42 من القانون المذكوروضرورة ان يكون تعهد الدوائر المتخصصة في الاجال التي يحددها القانون المؤرخ في 24 ديسمبر 2013(أي بانتهاء يوم 31 ماي 2018 ) وخصوصا عدم اعتبار ما يتعلق بالتمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة .في حين ان ذلك يدخل في اختصاص الدوائر نفسها ويبت – بصفة تحكمية – في شروط قبول الدعوى فضلا عن انضمامه لوجهة نظر "سياسية "يتبناها اعضاء بمجلس نواب الشعب واطراف حكومية !. ويذكر في هذا السياق ان الفصل 8 من القانون المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المذكور لا يشترط لتعهد الدوائر المذكورة – بالنسبة لعدد من الانتهاكات الجسيمة – صدور الاحالة من هيئة الحقيقة و الكرامة وهو ما يجيز – طبق وجهة نظر اخرى – رفع الدعوى مباشرة لدى الدوائر المتخصصة التي تتعهد بالنظر"في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان على معنى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها "وعلى معنى احكام القانون المتعلق بالعدالة الانتقالية وذلك تطبيقا لحق التقاضي وعدم امكانية تعطيله او الحد منه. 3- الانتصاب في موقع الضامن "لحسن سير القضاء ومبادئ المحاكمة العادلة بعيدا عن كل ما من شانه ان يمس من حياد السلطة القضائية واستقلاليتها "وهو ما يبدو من قبيل المفارقات "المثيرة" التي لا تتناسب مع اصدار تعليمات مباشرة في شكل مذكرة او مراسلة موجهة الى قضاة الدوائر الحكمية في شان تطبيقها للقانون!. 4- تكليف القضاة – في صيغة "صادمة " – باعلام المتفقد العام بما قاموا به للغرض في الابان (كذا) وهو ما يتجاوز- بداهة –الحدود المقبولة في خطاب القضاة ويتنافى مع موقع الهيئات القضائية واستقلاليتها.