الحيل والخزعبلات والتكتيكات التي يستعملها رئيس الجمهورية المفدّى الباجي قايد السبسي للرجوع بتونس إلى نفس الممارسات الدكتاتوريّة لما قبل 14 جانفي 2017.. والتي يحنّ إليها الباجي ولا يؤمن إلاّ بها طريقة للحكم.. تؤتي ثمارها.. للأسف !! فبرغم مرور ثلاثة سنوات على الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة لسنة 2014 وعلى بدأ الجمهوريّة الثانية.. لم يقع حتّى اليوم تأسيس المحكمة الدستوريّة التي نصّ دستور 2014 على إحداثها لأوّل مرّة بتونس كأعلى جهة قضائيّة بالبلاد تحرص على حسن تطبيق واحترام أعلى مرجع قانوني وهو الدستور.. وتلغي كلّ القوانين والأعمال والقرارات التي تخرق نصوصه وأحكامه.. لكنّ السبسي وشركائه في الحكم حرصوا على أن لا ترى المحكمة الدستوريّة النور.. حتّى يفعلوا بالبلاد ما بدا لهم خارج الدستور.. ولأنّ تأسيس واختيار أعضاء المحكمة الدستوريّة يرتبط في جزء منه بتأسيس المجلس الأعلى للقضاء.. فقد فعل السبسي وصحبه كلّ ما بوسعهم لتأخير إتمام تأسيس هذا المجلس.. وبعد التأخير والمماطلة والتعطل وانتخاب المجلس في النهاية بعد سنتين من التسويف.. لا يزال المجلس الأعلى للقضاء حتّى اليوم يشكو نقصا في تركيبته.. وصراعات بين أعضائه.. وقضايا في المحاكم الإداريّة طعنا في انتخاباته.. وأخيرا شكا المجلس أيضا من تعمّد الحكومة عدم تمكينه من مقرّ.. وعدم صرف الميزانيّة الماليّة اللاّزمة لممارسة عمله ووظيفته..!! وهو طبعا ما يعكس النيّة الواضحة في المماطلة لمنع استكمال تأسيس المحكمة الدستوريّة..!!! في المقابل.. وفي الأثناء.. يرقص السبسي على أشلاء الدستور التونسي الجديد بعيدا عن أيّ رقابة على مدى التزام أعماله وقراراته وقوانينه بأحكام ومبادئ الدستور..!! إذ أنّه حتّى الهيئة الوقتية لمراقبة دستوريّة مشاريع القوانين.. والتي تعمل وقتيّا في انتظار تأسيس المحكمة الدستورية.. سقطت في الولاءات والتواطئ والحسابات الضيّقة للكثير من أعضائها الذين أصبحوا يتعمّدون الغياب أو الامتناع عن المشاركة في الجلسات أو في التصويت للبتّ في الطعونات.. وذلك بتعلاّت مختلفة.. والذي نتيجته بالتأكيد هو السماح بمرور القوانين غير الدستوريّة.. وهو ما حصل في طعونات سابقة.. وتماما كما حصل البارحة في ما يخصّ الطعن المقدّم ضدّ قانون "المصالحة الإداريّة للفاسدين".. فقد قرّرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، "إحالة مشروع القانون الأساسي عدد 49 لسنة 2015، المتعلّق بالمصالحة في المجال الإداري إلى رئيس الجمهورية، لعدم توفّر الأغلبيّة المطلوبة لإصدار قرار في الغرض".. كما جاء في بيانها إثر امتناعها عن قبول أو رفض الطعن قضاء..!! يعني أنّه نتيجة تعمّد بعض الأعضاء في الهيئة الوقتيّة عدم توفير النصاب والأغلبيّة المطلوبة لإصدار قرارتها.. لم يتكوّن النصاب القانوني للحكم في الطعن.. وعوض أن تكون النتيجة هي تعطيل إقرار القانون المطعون فيه حتّى تتوفر الفرصة لمراقبة مدى مطابقته للدستور.. يقع على العكس من ذلك تماما (ويا للغرابة!!) مكافأة من تعمّد تعطيل إحداث الآليّات القانونيّة والمؤسّسات القضائيّة العليا بإنجاح مساعيه وجهوده لتمرير القوانين غير الدستوريّة كما أراد.. وذلك بإرجاع القانون المطعون فيه إلى المطعون ضدّه نفسه للبتّ فيه عوض الهيئة !!! وطبعا هذا هو بالتحديد ما هدف إليه الباجي وشركائه من تعمّدهم تعطيل وتأجيل تأسيس المحكمة الدستوريّة..!!! – هكذا فإنّ الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وهي تمتنع عن البتّ في قانون المصالحة بدعوى عدم اكتمال نصاب الأغلبية القانونيّة للبتّ فيه.. حتّى ولو كان مخالفا للدستور.. وزعم إحالته لرئيس الجمهوريّة لاتّخاذ القرار الذي يراه مناسبا تبعا لذلك.. سواء بالمصادقة عليه نهائيّا أو بارجاعه لمجلس نواب الشعب لمراجعته تلافيا لأسباب الطعن فيه.. قيام الهيئة بذلك وهي تدرك أصلا أنّ الرئيس السبسي نفسه هو صاحب فكرة ومشروع القانون المطعون فيه.. وهو من استمات لإصداره.. يكون معه أعضاء هذه الهيئة كمن رأى رئيس الجمهورية المفدّى السبسي يرقص على أشلاء الدستور.. واكتفوا بغضّ البصر عنه ورعا وتقوى وحياء لفرط إيمانهم ونزاهتهم وخجلهم والتزامهم بالقانون والمبادئ السامية..!!!