بقطع النظر عن تصوري وتصوّر الكثيرين للحكومة المُثلى في هذه المرحلة وبقطع النظر عن عدم استجابة حكومة الشاهد لتصورنا هذا، فالديمقراطية تقتضي أن تحكم الأغلبية وتقرّر ، وعلينا احترام ذلك. ولكن الشرعيّة لوحدها وعلى أهميتها لا تكفي للخروج بالبلاد من أزمتها الخانقة ولا تكفي لتطمين التونسيين على مصيرهم، كما أنّ الحاكم الشرعي قد يخرق الدستور بصفة ممنهجة فيفقد شرعيّته. يجب الإقرار اليوم بأنّ الوضع لا يمكن تغييره بانتظار وصول الحاكم الأمثل الذي قد لا يأتي. الحل يكمن اليوم في تحرّك التونسيين الذين يؤمنون بالوطن سواء كانوا متحزّبين أو غير متحزّبين لدفع الأغلبية الحاكمة لتوخّي سياسة تخدم الوطن، ولردعها عن كل تجاوز يصبّ في خدمة مراكز النفوذ المالي أو أحزابها أو مصالحها الخاصة أو قوى أجنبية. مهما كانت قراءتنا لشخص رئيس الحكومة ولبعض وزرائه وحزبه والأحزاب المشكّلة للحكومة أو التي صوتت لها، فإنّ سياستهم ووضع حد لتجاوزاتهم المفترضة رهين مدى قدرتنا على المتابعة والتصدي لها بكل الطرق المناسبة. أرى أن نبدأ باختبار حسن النوايا برفع أصواتنا بالمطالب التالية وغيرها مما يسهل تنفيذه بمجرّد توفّر الإرادة لدى الأغلبية. – الإعلان الفوري عن سحب قانون المصالح، كإجراء معبّر عن القطع مع خدمة مراكز النفوذ المالي وكإعلان عن التقيد بالدستور وبأهداف الثورة ونشر لقيمة تحمل مسؤولية الأخطاء، وحتى لحماية المورطين في الفساد من ردود فعل متهوّرة قد يعمد إليها من سيرفضون الخضوع لدولة ساستها حماة للفساد، مارقين عن دستور البلاد. – المصادقة على مشروع قانون الشفافية ومكافحة الإثراء غير الشرعي باعتباره القانون الذي يمكّن بحسن تطبيقه، من القطع مع الفساد السياسي والإداري وجعل السياسيين والموظفين ومسؤولي الأحزاب والجمعيات والإعلاميين ينكبّون على خدمة المواطنين لا خدمة مموّليهم ومصالحهم الخاصة، – دعم هيئة الحقيقة والكرامة وتفاعل رئاسة الحكومة والمكلف العام وسائر الوزارات بإيجابية معها، لتسريع البت في مطالب التحكيم والمصالحة وإتمام الهيئة لأعمالها التي سطرها القانون بكل استقلالية وفي الأجل القانوني المقرر لذلك وهو سنة 2018 ، بما يساهم في توضيح الرؤية لدى المستثمرين ويوفّر تعويضات هامة للدولة تقلّص الحاجة إلى التداين الخارجي وتُغني عن بعض الإجراءات المؤلمة للأطراف الضعيفة في المجتمع، – المرور إلى مرحلة فرض القانون على الجميع دون استثناء أي كان، واحترام أحكام القضاء وتنفيذها، مع الحرص على احترام حقوق الإنسان ودعم منظومتها، – التعامل بصرامة مع تجاوزات أعضاء الحكومة والبرلمان واعتبار نزاهتهم وتجنّبهم للشبهات شرطا لا محيصا عنه للتمكّن من دفع المواطنين لإعلاء قيمة العمل والقيام بواجباتهم تجاه وطنهم، – الإقرار بكون منظومة الرقابة الإدارية مهمّشة عمدا قبل الثورة وبعدها وتطويرها وتوفير الإمكانيات البشرية الضروريّة لمقاومة الفساد ومنح الهيئات الرقابية والتفقديات ضمانات لتعمل دون خشية موظفيها على مسارهم المهني ولتتعهد تلقائيا بالتجاوزات. – التسريع في تغييير النصوص والممارسات البيروقراطية، وينبغي اعتبار تنفيذ الإجراءات والسياسات المذكورة شرطا للثقة في نوايا الحكومة، ورفضها اختيارا مقصودا لسياسة الفساد، لا يُقبل فيه أي تبرير، وهذا سيكون له تأثيرا على الاستقرار السياسي وعلى صورة تونس في الداخل والخارج. عندما تحترم الحكومة الأمانة، على الأقل في الحد الأدنى، ستجد حتما معارضة نزيهة وجدية ومواطنين ( يؤمنون بالوطن) يتفاعلون معها بإيجابية وإن لم يختاروها، غير ذلك هي ستكون حكومة إفساد ستُغرق البلاد في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وطبعا السياسية، وما يتبعها من فوضى، وساعتها يصبح الواجب الوطني الأساسي لكلّ من يفخر بكونه تونسي أو يريد أن يفخر بذلك يوما، لا الاستعداد لانتخابات ستحدّد "الماكينة" نتيجتها، وإنّما خوض معركة مطاردة اللصوص في الحكم، معركة حاسمة يذكرها التاريخ، لن يهمّ فيها الخسائر ولا التضحيات، وإنّما النصر بوضع اللصوص في موضعهم الطبيعي، ألا وهو السجن أو الفرار. قد يعوّل البعض على طغيان الأنانية على أغلبية شعبنا، ولكن مازال على هذه الأرض تونسيون نفخر بهم وبقدرتهم على التضحية وبوعيهم بكوننا أمام فرصة تاريخيّة لإكمال مسار القطع النهائي مع الاستبداد ومع الفساد كسياسة دولة. نعم للشرعية، نعم للوحدة الوطنيّة للنهوض ببلادنا، لا لحكومة سمّت نفسها بحكومة الوحدة الوطنية إذا ثبت أنّ وحدتها قائمة على شدّ وطننا إلى ماضي التخلّف والنهب.