تظاهر عشرات الآلاف من الإسلامين التونسيين، في ما أسموه "جمعة نصرة الشريعة"، أمام المجلس الوطني التأسيسي، في ضاحية باردو، 8 كيلومترات غرب تونس العاصمة، للمطالبة ب "تضمين الشريعة في الدستور الذي يعكف المجلس على صياغته". وقد دعت إليها "الجبهة الوطنية للجمعيات الإسلامية في تونس" من أجل "لم شمل المسلمين ونبذ الفرقة في البلاد واعتماد الشريعة الإسلامية في الدستور المقبل". وردد المتظاهرون شعارات مثل "الشعب يريد تطبيق الشريعة"، و"كفانا علمانية الشعب يريد شريعة إسلامية"، فيما أكّدت "الجبهة التونسية للجمعيات الإسلامية" أنّ هذه المظاهرة "لاقت مساندة من الداعية المصري وجدي غنيم". وقد رفض علمانيو تونس هذا المبدأ تمامًا لأنّه "سيمس بالحقوق الإنسانية بشكل عام، وبحقوق المرأة بشكل خاص"، ويتمسك العديد من الأحزاب السياسية بالفصل الأوّل من دستور "يونيو 1959"، والذي ينصّ على أن "تونس دولة حرة ومستقلة وتتمتع بالسيادة، دينها الإسلام ولغتها العربية ونظامها الجمهورية وتوافد المتظاهرون، الذين فاق عددهم السبعين ألفًا، من مختلف المحافظات التونسية، وأدوا صلاة الجمعة أمام مبنى قصر باردو، ثم اجتمعوا في محيط "قصر باردو" مردّدين عدّة شعارات من بينها "الشعب يريد تطبيق الشريعة" و"تونس إسلامية وليست علمانية" و "شريعة الإسلام تحمي المخالفين في المعتقد"، إلى جانب "المسلم يحب الله، المسلم يريد تطبيق شرع الله"، و"كفانا علمانية الشعب يريد شريعة إسلامية". وقال أحد منظّمي هذه المسيرة، الأولى من نوعها في تونس منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، في تصريح ل"العرب اليوم"، "إن المطلب الأساسي لهذه المسيرة هو تطبيق واعتماد الشريعة كمصدر وحيد للدستور الجديد لتونس". وقال آخر "لا حاجة لنا بدستور لا ينصّ صراحة على أن تكون الشريعة مصدرًا رئيسيًا للتشريع"، وأضاف "الشعب يريد تطبيق الشريعة ودستور لا ينصّ على ذلك لا فائدة منه وليذهب كاتبوه عنا". وتساءل آخر "من قال إن تطبيق شرع الله يعني المساس بمدنية الدولة؟"، قبل أن يضيف "إنّ دولة الإسلام هي دولة مدنية بامتياز ولا أحد يزايد علينا في ذلك". كما شهدت التظاهرة العديد الخطب التي ألقاها عدد من رجال الدين، أجمعوا في مضمونها على "ضرورة أن تكون الشريعة هي المصدر الواحد والوحيد للتشريع". وأكّدت الجبهة التونسية للجمعيات الإسلامية"، في صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنّ هذه المظاهرة "لاقت مساندة من الداعية المصري وجدي غنيم" وقالت "الشيخ غنيم يرسل رسالة هاتفية يقول فيها وفقكم الله، وقولوا لمن لا يحب شرع الله موتوا بغيظكم". وكان من المقرّر أن يُسلّم ممثّلون عن 112 جمعية إسلامية بيانًا إلى رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، يتضمن مقترحات الجبهة الوطنية للجمعيات الإسلامية لصياغة الدستور الجديد للبلاد، لكن بن جعفر تغيّب بسبب إشرافه على مؤتمر ينظّمه حزبه عن "تصوّرات الدستور التونسي الجديد". وتزامنت هذه المسيرة مع انطلاق المشاورات داخل اللجان الفرعية للمجلس الوطني التأسيسي، المكلفة بإعداد الدستور، وسط جدل بشأن موضع الشريعة الإسلامية من بين مصادر التشريع الأخرى. وكان رئيس كتلة "حركة النهضة الإسلامية"، الصحبي عتيق، قد تقدّم إلى المجلس التأسيسي، منذ مدّة، باقتراح ينص على "أن تكون الشريعة الإسلامية المرجعية التشريعية الأساسية للدستور الجديد"، وقال حينها "يجب أنّ يؤسس الدستور الجديد على منظومة القيم الإسلامية لتحقيق المصالحة بين هوية الشعب والنصوص التي تحكمه". كما اعتبر أنّ الدستور "لا بد أن يعزز انتماء تونس العربي الإسلامي، وألا تصاغ نصوصه على نحو يناقض القرآن الكريم ولا السنة الشريفة". ويرفض علمانيو تونس هذا المبدأ لأنّه "سيمس بالحقوق الإنسانية بشكل عام، وبحقوق المرأة بشكل خاص، وسيؤدي إلى تراجع كبير في مكتسبات النساء"، وفي هذا السياق قالت رئيس الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أحلام بالحاج، ل "العرب اليوم"، "نرفض إدراج الشريعة في الدستور المستقبلي، وندعو كل الأحزاب السياسية إلى الوفاء بوعودها الانتخابية". من جانبها قالت الناشطة السياسية ورئيسة حركة "كلّنا تونس"، آمنة منيف، في لقاء سابق لها مع "العرب اليوم"، "لا أرى ضرورة لذلك، لأن الإشكال الرئيسي ليس في تضمين الشريعة من عدمه وإنّما في القراءات والتفاسير التي سيتم الاستناد إليها في صورة ما إذا تمّ ذلك"، موضّحة أنّ "الأطراف السياسية والمجتمعية متوافقة على الفصل الأول من دستور 1959، الذي ينصّ على مدنية الدولة التونسية، وبالتالي لا نرى ضرورة في التنصيص على الشريعة". ويطالب العديد من الأحزاب السياسية بضرورة التمسّك بالفصل الأوّل من دستور "يونيو 1959" ،الذي كتبه أوّل مجلس تأسيسي تونسي، والذي ينصّ على أن "تونس دولة حرة ومستقلة وتتمتع بالسيادة، دينها الإسلام ولغتها العربية ونظامها الجمهورية". وكان المجلس الوطني التأسيسي قد استدعى، خلال الأيام الأخيرة، العديد من الخبراء في القانون الدستوري للاستفادة من آرائهم بشأن الدستور الجديد، وقد أجمع غالب هؤلاء الخبراء على "ضرورة إبقاء الشريعة كأحد مصادر التشريع من بين مصادر أخرى، ولكن ليس المصدر الأساسي"، إلى جانب مطالبتهم "بأن يكون الدستور التونسي الجديد مستمدًا من الموروث الثقافي والحضاري الذي يعكس الخصوصية التونسية".