رئاسية 2024: الإعلان عن نتائج الانتخابات سيكون من قصر المؤتمرات بالعاصمة    منظمة الأعراف : ''لا يمكننا إجبار الغرفة الوطنية لأصحاب الفضاءات التجارية الصغرى على الانخراط في الاتفاقية الجديدة''    تونس تستضيف ولأول مرة منتدى الطاقة المتجددة في افريقيا    بنزرت: النظر في الاجراءات الكفيلة باستكمال انجاز مشروع سد الدويميس    سيدي بوزيد: تواصل حملات مراقبة المطاعم والمطاعم الجامعية والمبيتات المدرسية    150 سيارة كهربائية فقط في تونس رقم ضئيل لا يرتقي للتطلعات    مصر والأردن والعراق: إسرائيل تدفع المنطقة إلى حرب شاملة    عاجل : حريق بمجمع حبوب بمعتمدية السرس    غدا نهائي بطولة إفريقيا لكرة اليد أصاغر: المنتخب الوطني يواجه نظيره المصري.    المدافع الفرنسي رافايل فاران المتوّج بكأس العالم 2018 يعتزل    المنزه : تفكيك عصابة دولية مختصة في ترويج الأقراص المخدرة    الولايات المتحدة تمول مبادرة شبابية لإكتشاف التراث الثقافي في القصرين    سحب مُضاد حيوي : وزارة الصحة تطمئن التونسيين    الجامعة التونسية لكرة السلة: إلغاء الجلسة العامة العادية الإنتخابية.    مبابي مهاجم ريال مدريد يعاني من إصابة عضلية    رسمي: انخفض ب 10 دنانير...هذا سعر تلقيح ''القريب''    بلدية صفاقس:جلسة عمل لمواصلة التنسيق والإعداد لإنجاز مشروع الحديقة الذكية النموذجي "SMART GARDEN"    في شواطئ الشابة وسلقطة: البحر يلفظ 13 جثة.    الكاف: حادث مرور يُسفر عن وفاة شخص واصابة آخر    الافراج عن الطالبة مودة الجماعي    لجنة التشريع تواصل النظر في مقترح القانون المتعلق بتنقيح قانون الانتخابات والتصويت عليها    تفاصيل القبض على مروج مخدرات بحوزته مواد مخدرة من الكوكايين والقنب الهندي..    الدائرة الجنائية تصدر حكمها على رجل الأعمال لطفي عبد الناظر وصهر الرئيس السابق بلحسن الطرابلسي..    هيئة الإنتخابات تصدر بلاغًا هاما..#خبر_عاجل    عاجل/ حزب الله يعلن مقتل هذا القائد في غارة صهيونية على ضاحية بيروت..    سحب نوع من دواء ''أوڤمونتان'' من الصيدليات لهذه الأسباب    كميات الأمطار المُسجلة اليوم    التيكتوكوز ''وحش الكون'' وبناتها في قبضة الامن    المجمع المهني للصناعات السينمائية يختتم يوم الخميس ورشات التفكير المخصصة لبحث مشروع إصلاح هيكلي للقطاع    الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس ..وهذا موعده..    أقل الدول معرضة للمخاطر السيبرانية في العالم 2024    الحماية المدنية:377 إصابة خلال 24ساعة.    مفزع/بالأرقام: هذه حصيلة المحجوزات الديوانية خلال سنة 2024..    تونس: 1200 موقع واب فقط يعتمد الدفع الالكتروني    مدعومة بتحسن الطلب: السياحة الدولية تستعيد نسق تطورها    عاجل : أمريكا تعفي دولة عربية من'' الفيزا''    الرابطة الأولى: تشكيلة إتحاد بن قردان في مواجهة النادي الصفاقسي    الرابطة الأولى: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة مستقبل سليمان    وزير الصحة يدعو إلى تسريع إستكمال برامج الرقمنة الصحية    المرشد الإيراني: قوة حزب الله أكبر من أن تنهزم أمام إسرائيل والاغتيالات لن تهزه    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    النجم الساحلي: تأهيل آخر المنتدبين .. وإدارة الأولمبي الباجي تطالب بمنحة تكوين هذا اللاعب    استعداد الجانب الياباني لمزيد تطويره وتدعيمه لتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في تونس    2 أكتوبر: الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس    اليوم..الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس    أغلب التونسيين في لبنان يعملون كإطارات في قطاعات التعليم العالي والطب والخدمات والسياحة    حالة الطقس اليوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024..    الأمن، عمليات الترحيل وتجنيس الأجانب... أبرز مقترحات وزير الداخلية الفرنسي الجديد بخصوص الهجرة    إسبانيا.. "براد بيت مزيف" يحتال ب360 ألف دولار على امرأتين    متابعة تنفيذ توصيات لجنة التراث العالمي باليونسكو الخاصة بملف إدراج جزيرة جربة على لائحة التراث العالمي    الشاعر والروائي عبد الجبار العش في ذمة الله    كسوف حلقي للشمس يوم 2 أكتوبر 2024 : هل سيشاهده التونسيون ؟    فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس    سحب هذا المضاد الحيوي: هيئة الصيادلة توضّح    سرقة ''ألماس'' أحمد سعد في ايطاليا    متحور جديد من كورونا ينتشر بسرعة في 15 دولة    الرابطة الاولى - حسام بولعراس يقود مباراة الملعب التونسي ونجم المتلوي ونضال بن لطيف حكما للقاء الاتحاد المنستيري والنجم الساحلي    المتحف الوطني بباردو: افتتاح معرض "صلامبو من فلوبار إلى قرطاج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذوو الإعاقة في تونس.. أمر مع وقف التنفيذ ( تحقيق استقصائي )

تسع سنوات بعد إصدار قانون لتوفير التسهيلات اللازمة لهم ، ذوو الإعاقة في تونس يراوغون ظروفهم.. ونشطاء يؤكدون أهمية توعيتهم بحقوقهم.
واقع ذوي الاعاقة يراوح مكانه: تواصل الإقصاء من الفضاء العامّ ..ثغرات قانونيّة تفتح الباب على مصراعيه للتّجاوزات..متدخّلون كثر دون قيادة أو تنسيق أو رقابة.
مضت تسع سنوات، تخللتها ثورة، دون أن يجد آخر قانون لتوفير التسهيلات اللازمة لتنقل الأشخاص ذوي الإعاقة، طريقه إلى التنفيذ الكامل على أرض الواقع.
في 30 ماي/أيّار 2006 صدر الأمر”القرار” رقم 1467 المتعلّق بضبط المواصفات الفنيّة الخاصّة بتيسيير “تنقّل” الأشخاص ذوي الإعاقة داخل البناءات العموميّة والتّجهيزات المشتركة والمركّبات السكنيّة والبناءات الخاصّة المفتوحة للعموم.
أمر “القرار” جاء ليحلّ محلّ سلسلة مبادرات قانونيّة، سعت لضمان حقّ الأشخاص المعاقين في التنقل، بدأت منذ العام 1981، حين نصّ فصل وحيد في القانون المتعلّق بالنّهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم على “ضرورة أن تجهّز البناءات المدنيّة المفتوحة للعموم بممرّ سهل ومناسب لتنقّل المعوقين”.
وبدا “القرار” الأمر الصّادر سنة 2006 أكثر قابليّة للتنفيذ دون كلّ المبادرات التّشريعيّة السّابقة، إذ جاء سنة واحدة بعد صدور القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005، والمتعلّق بالنّهوض بالأشخاص المعوقين وحمايتهم، والذي خصَ تهيئة المحيط لضمان حقّ الأشخاص ذوي الإعاقة في التنقل بأربعة فصول.
بعد مرور تسع سنوات على صدور هذا القانون، ظلت الأمور على حالها تقريباً، وبقيت المعاناة، لعدم القدرة إلى الوصول للخدمات، الخبز اليوميّ للأشخاص ذوي الإعاقة، بما يعنيه كل ذلك من إقصاء وتهميش، حسبما تبين في تقص ميداني قامت به معدتا التحقيق.

فرح ينغصه نقص الخدمات
فراس زمزام، تلميذ بمعهد جمّال، طريق بني حسّان بولاية المنستير، فرحته بالنّجاح إلى السنة الثالثة من التّعليم الثّانوي اختصاص علوم تجريبية، وجدت ما ينغّصها. بسبب مرض عضلات ألمّ به، لا يقدر فراس على صعود الدّرج، فيما توجد قاعات الدّروس المجهّزة، والخاصّة بمادّتي الإعلاميّة والفيزياء في الطّابق الاوّل من مبنى المعهد. هذه الحال أرهقت فراس في السابق، إذ كثيراً ما كان يضطرّ للتغيّب عن الدروس، أو تأدية الإمتحانات في مقرّ الإدارة وحيداً وبعيداً عن زملائه.
وكحال زمزام، كانت حال ابتهال الزّواوي، التي كان فرحها بالنّجاح في الباكالوريا والانتقال إلى الجامعة مبتوراً، بسبب اضطرارها إلى الابتعاد عن عائلتها في مدينة منزل بورقيبة، والانتقال بالسكن إلى مدينة جرزونة في بنزرت قرب الكلّية.
تعاني ابتهال وهي من ذوي الإعاقة الحركيّة، كما تقول، الأمرّين من وسائل النّقل العموميّ والخاصّ، فالحافلات غير مهيأة لركوب من يتنقّلون على الكراسي المتحرّكة، فيما يحجم أصحاب سيارات الأجرة، تاكسي أو لواج، عن نقلها متعلّلين بأنّ الصندوق الخلفي لسياراتهم صغير، أو أنّ فيه قارورة الغاز، ولا يمكنه احتواء كرسيّها المتنقّل.
وحتى سيدة الغانمي، النّاشطة في المجتمع المدني في مدينة منزل بورقيبة، وهي أيضاً من ذوي الإعاقة الحركيّة، عانت من قرار إغلاق شارع الحبيب بورقيبة يوم 10 أيلول/ سبتمبر 2015، لأسباب أمنيّة.
كان يفترض أن تلقي الغانمي يومها في تمام الحادية عشرة بفندق في شارع الحبيب بورقيبة، محاضرة حول تجربة مدينتها في ضمان حق تنقل الأشخاص ذوي الإعاقة. ورغم وصولها إلى محطّة النّقل البرّي الشمالية بباب سعدون في الثامنة وأربعين دقيقة، إلا أنها لم تتمكّن من الالتحاق بالفندق إلا في منتصف النّهار، وهي مسافة يحتاج قطعها ما بين ثلاثين وخمسة وأربعين دقيقة على أقصى تقدير.
تضارب في الأرقام وإحصائيات تقديرية
فراس، ابتهال وسيدة، ثلاثة من أصل 251 ألف شخص ذوي إعاقة في تونس حسب آخر إحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعيّة. وهي إحصائيّات تبقى مجرّد تقديرات غير دقيقة لاعتمادها فقط على عدد بطاقات الإعاقة الممنوحة، فيما قد يكون عدد الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر من ذلك، إذ ليس كلّهم من حاملي هذه البطاقة، لسبب أو لآخر وفق ما أوضحه خالد عمايميّة، ناشط في المنظّمة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويكشف البحث عن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس، عن أرقام شديدة التباين، أو قديمة جدّا، حتى أنّ تقرير تونس الأوّل حول تطبيق اتّفاقيّة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصّادر سنة 2010 استند إلى إحصاءات أعدت سنة 2003.
ويثير غياب الإحصائيّات الدّقيقة، تساؤلات حول جدية استراتيجيّات تستهدف توفير الخدمات اللازمة للأشخاص ذوي الإعاقة، ومن بينها تلك الهادفة لتطبيق الأمر الصّادر سنة 2006 والذي يشمل أكثر من 15 ألف مبنى عمومي وخاصّ بين مؤسسات تعليميّة وثقافيّة، ومراكز خدمات بلديّة واجتماعيّة وصحيّة ومالية وبريدية وأمنيّة، عدا الطّرقات والأرصفة.
حلم متعثر عصفت به الثورة

ويستدل العربي شويخ، مسؤول المكتب التّقني لجمعيّة مدينة للجميع، على عدم تفعيل الأمر “القرار” الصّادر سنة 2006، بالإشارة إلى عدم وجود سياسة عامّة في تونس تتحدّث عن آليّات طبيق حقّ التنقل والنفاذ (التطبيق).
ويقول إنّ لجنة النفاذ التابعة لوزارة التجهيز والتي ينصّ عليها القانون، لم تجتمع منذ مدّة طويلة، والحال نفسه ينسحب على لجان البلديّات.
تطبيق الأمر شهد بعد صدوره تعثّراً قبل أن تعصف به الثّورة، وخصوصاً مع حالة الفوضى والتّراخي التي سادت البلاد بعد 14 جانفي/يناير 2011، إذ توقّف العمل بتطبيق الاستراتيجيّة الوطنيّة لتهيئة المحيط وإمكانيّة الوصول، والتي كان يفترض أن يمتدّ تطبيقها لثلاث سنوات ابتداء من سنة 2008، بحسب أحمد البلعزي، مدير التضامن والتّنمية الاجتماعيّة بالإدارة العامة للنهوض الاجتماعي.
ويعتبرالبلعزي أن ضمان حقّ التنقل للأشخاص ذوي الإعاقة من “أصعب المشاكل التي نواجهها في تونس”.
وفي ظلّ تعثّر تنفيذ الاستراتيجيّة الوطنيّة لتهيئة المحيط وإمكانيّة الوصول، تفاوتت الجهود الرّامية لتنفيذ “أمر 2006” وتشتّتت بقدر تعدّد المتدخلين، في غياب جهة قيادة وتنسيق صمت القانون عن تحديدها، ما فسح المجال أمام ارتكاب تجاوزات عدّة.
كما أن الأمر “القرار” الصادر سنة 2006 لم يحدّد مدد زمنية في حالات إعادة التهيئة التي نصّ عليها، تاركا الحبل على الغارب، حتى أنّ مبنى إدارة النّهوض الاجتماعي، مرجع نظرالأشخاص ذوي الإعاقة في تونس لم تتمّ تهيئته. ويبرّرالبلعزي ذلك بقدم المبنى وعدم إمكانيّة تهيئته بأي شكل من الأشكال، مشيراً إلى تعذّر تطبيق الحلول الأخرى على غرار المصعد الذي يتمّ تركيبه في الدرج بسبب تعقيدات إداريّة، فضلا عن عدم توفّر هذا النوع من المصاعد في تونس.

تقص ميداني يكشف قصوراً متعدداً
وفي جولة تقص ميدانية في مدينة تونس، كشفت معدتا التحقيق أوجه قصور عدة في تطبيق “أمر 2006″؛ فحتى معابر الدخول الخاصة بالإشخاص ذوي الإعاقة، وعلى قلتها، كان عدد لا بأس به منها، غير مطابق للمواصفات بما لا يسمح باستعمالها في أيّ حال من الأحوال.
ويقول كمال القمري مدير مراقبة إسناد الرّخص ببلديّة تونس في هذا الخصوص “إنّ المسألة تتعلّق بتلك المباني القديمة التي يكون مستوى مدخلها عال نوعاً ما وتكون المساحة أمامها ضيّقة بما لا يسمح بوضع معبر مطابق للمواصفات.
ولكن الأمر ذاته ينسحب حتى على بنايات جديدة، وهي كثيرة ومنها مثلاً مبنى هيئة الانتخابات، بنهج بن الجزّار بالعاصمة. ويشرح فارس الدّامرجي، مسؤول مراجعة رخص البناء ببلديّة تونس، ذلك بالقول إن “شهادة تطابق الاشغال تسلّم إلى صاحب المبنى لحفظ المحلّ بعد إتمام عمليّة البناء، ومعاينة مدى مطابقة المبنى للترخيص المسند واحترامه كلّ المواصفات”.
ويشير إلى أن “أصحاب المباني يحتاجون هذه الشهادة فقط في حال كانت مبانيهم مخصصة للبيع، أمّا إذا كانوا سيستغلّون المبنى لحسابهم الخاصّ أو سيخصّصونه للكراء “التأجير” فهم غير مضطرّين للحصول على هذه الشهادة وبالتالي سيسهل وقوع التجاوزات”.
وفيما يتعلق بتهيئة الطرقات والأرصفة، تؤكد بلديّة تونس أنّ ذلك عمل متواصل تسعى في كلّ فرصة تحقيقه من خلال إنشاء ممرات للأشخاص ذوي الإعاقة في الأرصفة، خصوصاً في مواقع المؤسّسات لتي يؤمّها المواطنون، وهو أمر لاحظته معدتا التحقيق، اللتان تبين لهما في الوقت نفسه غياب الإشارات الدالّة على أماكن هذه الممرات، ما يكلّف الأشخاص ذوي الإعاقة عناء البحث عنها، وهي مهمّة قد تصبح صعبة أو مستحيلة في حال توقف السيّارات أمام هذه الممرات.
وبمواجهته بهذه الحقيقة، أقرً عيسى بوهجّة، مدير إدارة الطّرقات والأرصفة ببلديّة تونس، “بعدم تعميم الإشارات، وإن كان من السّهل وضعها”.
وجه آخر من التّجاوزات، التي تقف عائقا أمام ممارسة الأشخاص ذوي الإعاقة نشاطهم اليوميّ، يتمثل في استغلال الأرصفة رغم وجود الضّوابط القانونيّة المقيّدة لذلك.
واستفحلت الظّاهرة إلى حدّ أزعجت معه كلّ الرّاجلين دون استثناء، فالرصيف في تونس بات محلّاً للتجّار المتجوّلين ومرآب سيّارات، وحقّا مكتسباً لأصحاب المحلاّت والمقاهي لنشر بضائعهم ووضع كراسيهم وطاولاتهم. وهو ما حدا بناشطين في المجتمع المدني إلى إطلاق حملة “سيّب التروتوار”، التي تستهدف إرجاع الرّصيف للمترجّلين.
ورغم الانخراط القويّ لكثير من المواطنين وعديد الجهات في هذه الحملة، فإنّها لم تأت إلاّ ببعض من أكلها مع إصرار أصحاب المحلات والمقاهي والأكشاك على العودة إلى التجاوزات في كل مرّة.
زهير بوجلابية، مدير الشرطة البلديّة، أرجع السبب إلى أنّ العقوبات “قد تكون غير ذات بال، مقارنة بحجم التجاوزات في بعض الأحيان”، مؤكّداً أن إدارة الشّرطة البلديّة قد تقدّمت بمقترحات لتشديد العقوبات.
وكذلك نصّ”أمر 2006″على تخصيص أماكن توقّف ووقوف لسيّارات الأشخاص ذوي الإعاقة داخل المآوي. وأحصت معدتا التحقيق ستّا منها في العاصمة، اثنان منها فقط، وهما الأحدث تمّ بناؤهما بعد 2006، احتويا على أماكن مخصّصة لسيّارات الأشخاص ذوي الإعاقة في مطابقة تامّة لترخيص البناء ولكرّاس الشّروط.
ولكنّ المفاجأة كانت عدم ترك هذه الأماكن لمستحقّيها، “ولا حلّ لذلك ولا سبيل إليه”، حسب مسؤول المأوى.
ويؤكّد المسؤول أن”الزبائن من أصحاب السيّارات لا يحترمون الإشارات التي كانت تدلّ بوضوح على طبيعة المكان”.
وقد تعهد زهير بوجلابية مدير الشرطة البلديّة أمام هذا الواقع، وقد بدا أنه خالي الذهن منه تماما، بالعمل على التحرّي في الموضوع، وذلك بعد أن أقرّ بأنّ في ركن سيّارة في مكان مخصص للأشخاص ذوي الإعاقة داخل موقع منظم، مخالفتان الأولى من صاحب السيّارة والثانية من صاحب الموقع الذي لم يحرص على تطبيق القانون.

المؤسسات الحكومية: وزارة التربية مثالاً.
يبلغ عدد المؤسّسات التّعليمية التّابعة لوزارة التربية 5970 مؤسسة بين ابتدائي وثانوي.
وتؤكّد الوزارة أنّها تعتبر مساعدة التّلاميذ ذوي الإعاقة على الإدماج من المسائل الاستراتيجية، وأنّها تعمل وفقا لمقاربة حقوقيّة تقوم على مبدأي الإنصاف وتكافؤ الفرص.
وفي هذا الإطار، وقبل بداية كلّ سنة دراسيّة تطلب الوزارة من مندوبيها الجهويّين عقد اجتماع للّجهة الجهويّة المكلّفة بدراسة ملفّات التّلاميذ ذوي الإعاقة، وتوجيههم إلى المدارس العاديّة إذا أثبت الفحص والملفّ إمكانيّة ذلك،حسب كمال الحجّام، مدير المرحلة الابتدائيّة لوزارة التربية.
وبحسب المسؤول، تعتبر الوزارة كلّ المدارس دامجة، وأنّ كل المدارس الجديدة يجب أن يطابق المواصفات، أما إذا كانت المدرسة قديمة فإنّ الوزارة تتدخّل لتهيئتها كلّما استقبلت تلميذا ذي إعاقة.
وتستند الوزارة في إجراءاتها إلى نصّ الفصل 48 من الدّستور، الذي يوجب على الدّولة اتّخاذ جميع التّدابير الضّروريّة لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة بما ييسّر اندماجهم في المجتمع.
وعلى أرض الواقع، لابد من اتخاذ وزارة التّربية إجراءات إضافيّة لتحسيس منظوريها من مديري المدارس في مجال إدماج التلاميذ ذوي الإعاقة، لأن أولياء أمور التلاميذ ( الطلبة ) يواجهون ما واجهته صحفية من معدتي التحقيق في جولة قامت بها وشمل تقصّيها تسع مدارس، في معتمديّة المنيهلة من ولاية اريانة. خلال هذه الجولة تقدّمت إحدى معدتي التحقيق على أساس أنّها وليّة لتلميذ ذي إعاقة يدرس في السّنة الرابعة من التعليم الأساسي، ويتنقّل بواسطة كرسيّ متحرّك وسألت عن مدى الاستعداد لقبوله، وقوبلت برفض تسجيل التلميذ، حتى في المدرسة المهيّأة، حيث قيل لها إن هذه المدرسة لا تستقبل ذوي إعاقة حركيّة.

وسائل النقل: الهاجس الأكبر
أمّا قطاع النّقل، والبرّي منه خصوصاً، وسواء كان نقلاً جماعيّاً أو فرديّاً، فيبقى الهاجس الأكبر لذوي الإعاقة والأعسر حلاّ على الإطلاق، وهو ما أقرّ به مسؤول شركة نقل تونس.
محمّد الشّملي، مدير الاتّصال والعلاقات الخارجيّة، في الشركة، أقرّ بأنّ نقاط توقّف “المترو الخفيف” داخل العاصمة “غير مهيّأة خصوصاً لمن يتنقلون على كراس متحرّكة، وذلك لطبيعة مكان المحطّات على الشارع”.
لكنه أوضح في المقابل أنه تمّ تنفيذ برنامج لتهيئة محطات الحافلات الرّئيسيّة، ومع ذلك يبقى صعود الحافلة من قبل ذوي الإعاقة ممن يتنقلون على كراسي متحركة “مهمة مستحيلة”.
وتتعدد العراقيل، في قطاع النقل، أمام ذوي الإعاقة، من عدم مطابقة عربات النقل للمواصفات، مرورا بالاكتظاظ داخلها، وصولا الى مخفّضات السّرعة (مطبات تخفيض). محمّد الشّملي، مدير الاتّصال والعلاقات الخارجيّة بشركة نقل تونس، يعتبر أنّ مخفّضات السرعة في الطرق “غير مطابقة في أغلبها للمواصفات، وهو ما يشكّل حجر عثرة أمام عربات النقل ذات الأرضيّة المنخفضة التي تسمح بصعود ذوي الإعاقة”.
فيما قدّرت رئيسة مصلحة الدراسات المعمارية بالإدارة العامة للبنايات المدنية بوزارة التجهيز والاسكان المهندسة المعمارية غادة الجلالي كلفة تأهيل ممرّ عادي لكراسي ذوي الاعاقة ما بين 300 و 500 دينار / قرابة ال 150 دولار، وكلفة تركيب حمام خاص لذوي الاعاقة ما بين 1500 و 2000 دينار/ قرابة 750 و 1000 دولار.
أما كلفة مخفضات السرعة المطابقة للمواصفات فتقدر الجلالي أيضا كلفتها ما بين 400 و600 دينار/ قرابة 200 و300 دولار.

تجاوزات مركبّة وشكاوى معدومة
ورغم هذا الكمّ الهائل من النّقائص والتّجاوزات المركبة، لا يبادر الأشخاص ذوي الإعاقة بتقديم شكاوى لفرض تطبيق القوانين التي تمّ سنّها لصالحهم.
يؤكد ذلك فارس الدّامرجي، مسؤول مراجعة رخص البناء ببلديّة تونس، الذي يوضح أنه لم يتلق أي شكوى من ذوي الإعاقة أو أولياء أمورهم، رغم أنّه يستقبل كلّ يوم عددا كبيراً من الشكاوى المتعلّقة بسائر أصناف التجاوزات الأخرى. وهو التأكيد ذاته الذي كرره زهير بوجلابية مدير الشرطة البلديّة.
وفي البحث عن سبب عدم رفع الشكاوى من قبل ذوي الإعاقة، تبين أن الأمر يعود لثغرة في “أمر 2006″، تتمثل في صمته عن تحديد الجهة المسؤولة عن استقبال الشكاوى، إذ يتحدّث في العموم عن “سلطات مختصّة” لا يحدّدها من بين متدخّلين كثر، كما صمت أيضا عن اجراءات تحديد العقوبات التي قال إنّها تتراوح بين 50 الف و100 الف دينار تونسي/ 25 الف و50 الف دولار.
أما ذوو الإعاقة أنفسهم والذين التقتهما معدتا التحقيق، فقد اختاروا الصّبر على الأذى، وهم يحاولون مراوغة الظروف والبحث عن بدائل كلما كان إليها سبيلاً، كالاقتراب بالسّكنى من مقرّات عملهم أو دراستهم، أو الاستعاضة عن التنقّل باستعمال وسائل الاتّصال الحديثة للنّفاذ إلى بعض الخدمات إذا أمكن ذلك.
قلّة هم، وفي أغلبهم ناشطون في المجتمع المدني، من يتشبّثون بحقوقهم ويكسبون معاركهم، ومنهم حياة الصيد والدة التلميذ فراس زمزام.
طيلة فترة إعداد التحقيق التي استمرّت أكثر من ثلاثة أشهر، كانت حياة تكدّ لاقتلاع حقّ ابنها في أن تتوفّر له الظروف التي ينصّ عليها القانون حتى يتمكّن من متابعة دروسه مثل زملائه. وقد نجحت في مسعاها، بعد تنقّلات عدّة بين الإدارة الجهوّية للتّربية والمدرسة، في نقل القاعات المخصّصة لتدريس مادّتي الإعلامية والفيزياء إلى الطّابق الأرضيّ ما مكّن ابنها من متابعة دروس هاتين المادّتين مع زملائه دون أيّ تمييز.
توعية وتعويل على التمكين
ويعوّل نّاشطون في مجال النهوض بذوي الإعاقة وحمايتهم في تونس كثيراً على مسألة تمكين هذه الفئة وتوعيتها، وفي إشراكها في وضع السياسات العامّة لفائدتها.
فاطمة المقدّم، عن المنظمة الدولية للإعاقة، تؤكّد أنّ تونس في “وضع جيّد” من حيث التّشريعات والقانون، وأن جانبا مهمّا من الإشكال يكمن في عدم معرفة ذوي الإعاقة بحقوقهم.
ومن شأن تأهيل حاملي الإعاقة وتوعيتهم أن تهيّئهم لممارسة دور الرّقيب الذي يضغط لتطبيق القوانين.
وفي هذا الصدد، يقول احمد البلعزي مدير التضامن والتّنمية الاجتماعيّة بالإدارة العامة للنهوض الاجتماعي إنّ علينا أن نفهم أنّ تطبيق الأمر الصادر سنة 2006 حقّ وليس منّة، وعلى المجتمع المدني، وخصوصا الجمعيّات المهتمّة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مواصلة التحرّك لفرض تطبيقه”.
وتسعى جمعيّات مجتمع مدني اليوم إلى استثمار القانون بتنفيذ برامج نموذجيّة لتهيئة الفضاء وتيسير تنقل حاملي الاعاقة داخله، ومن هذه البرامج ما تم إنجازه في كلّ من مدينتي منزل بورقيبة ومنّوبة وهي برامج من شأن القائمين على الدّولة، اعتمادها كأساس للبناء والتطوير بما يسمح باندماج حاملي الاعاقة دون اقصاء أو تمييز شأنهم في ذلك شأن باقي المواطنين.
أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف من شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) www.arij.net.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.