ايطاليا: تونس منعت وصول 61 الف مهاجر غير نظامي    تفكيك عصابة دولية مختصة في ترويج الأقراص المخدرة    مساكن: الاحتفاظ بشخص وحجز 15 طن من النحاس    هيئة الانتخابات تنشر بلاغا مهمّا للمقيمين بالخارج    الجزائر تقاضي نائبة أوروبية بتهمة نشر أخبار مضللة    عاجل : الترجي الرياضي يصدر هذا البلاغ لأحبائه    طرشون: ''غايتنا من تنقيح قانون الانتخابات حماية البلاد من المؤامرات''    جلسة صلحية بين الأعراف واتحاد الشغل حول إضراب أعوان المساحات الكبرى    التوقعات الجوية لهذه الليلة    براكاج في العاصمة : تحت طائلة التهديد ...يفتك سيارة مواطن و الامن يتدخل    القصرين : مبادرة شبابية ثقافية بسبيطلة تساهم في استكشاف المعالم الأثرية بطريقة تفاعلية ومبتكرة    كرة اليد: الحارس محمد صفر يعود للمنتخب ويحمل شارة القيادة    سيدي بوزيد: تواصل حملات مراقبة المطاعم والمطاعم الجامعية والمبيتات المدرسية    المدافع الفرنسي رافايل فاران المتوّج بكأس العالم 2018 يعتزل    غدا نهائي بطولة إفريقيا لكرة اليد أصاغر: المنتخب الوطني يواجه نظيره المصري.    150 سيارة كهربائية فقط في تونس رقم ضئيل لا يرتقي للتطلعات    رئاسية 2024: الإعلان عن نتائج الانتخابات سيكون من قصر المؤتمرات بالعاصمة    تونس تستضيف ولأول مرة منتدى الطاقة المتجددة في افريقيا    مصر والأردن والعراق: إسرائيل تدفع المنطقة إلى حرب شاملة    بنزرت: النظر في الاجراءات الكفيلة باستكمال انجاز مشروع سد الدويميس    سحب مُضاد حيوي : وزارة الصحة تطمئن التونسيين    مبابي مهاجم ريال مدريد يعاني من إصابة عضلية    الجامعة التونسية لكرة السلة: إلغاء الجلسة العامة العادية الإنتخابية.    رسمي: انخفض ب 10 دنانير...هذا سعر تلقيح ''القريب''    بلدية صفاقس:جلسة عمل لمواصلة التنسيق والإعداد لإنجاز مشروع الحديقة الذكية النموذجي "SMART GARDEN"    عثر بحوزته على كوكايين وزطلة: القبض على مروج مخدرات في المهدية    الدائرة الجنائية تصدر حكمها على رجل الأعمال لطفي عبد الناظر وصهر الرئيس السابق بلحسن الطرابلسي..    عاجل/ حزب الله يعلن مقتل هذا القائد في غارة صهيونية على ضاحية بيروت..    تفاصيل القبض على مروج مخدرات بحوزته مواد مخدرة من الكوكايين والقنب الهندي..    سحب نوع من دواء ''أوڤمونتان'' من الصيدليات لهذه الأسباب    كميات الأمطار المُسجلة اليوم    التيكتوكوز ''وحش الكون'' وبناتها في قبضة الامن    المجمع المهني للصناعات السينمائية يختتم يوم الخميس ورشات التفكير المخصصة لبحث مشروع إصلاح هيكلي للقطاع    الحماية المدنية:377 إصابة خلال 24ساعة.    أقل الدول معرضة للمخاطر السيبرانية في العالم 2024    الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس ..وهذا موعده..    مدعومة بتحسن الطلب: السياحة الدولية تستعيد نسق تطورها    تونس: 1200 موقع واب فقط يعتمد الدفع الالكتروني    عاجل : أمريكا تعفي دولة عربية من'' الفيزا''    وزير الصحة يدعو إلى تسريع إستكمال برامج الرقمنة الصحية    المرشد الإيراني: قوة حزب الله أكبر من أن تنهزم أمام إسرائيل والاغتيالات لن تهزه    الرابطة الأولى: تشكيلة إتحاد بن قردان في مواجهة النادي الصفاقسي    2 أكتوبر: الأرض تشهد كسوفا حلقيا للشمس    الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس يوم الأربعاء 2 أكتوبر 2024    بالأرقام.. حصيلة المحجوزات الديوانية خلال سنة 2024    استعداد الجانب الياباني لمزيد تطويره وتدعيمه لتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في تونس    النجم الساحلي: تأهيل آخر المنتدبين .. وإدارة الأولمبي الباجي تطالب بمنحة تكوين هذا اللاعب    اليوم..الارض تشهد كسوفا حلقيا للشمس    أغلب التونسيين في لبنان يعملون كإطارات في قطاعات التعليم العالي والطب والخدمات والسياحة    إسبانيا.. "براد بيت مزيف" يحتال ب360 ألف دولار على امرأتين    متابعة تنفيذ توصيات لجنة التراث العالمي باليونسكو الخاصة بملف إدراج جزيرة جربة على لائحة التراث العالمي    الشاعر والروائي عبد الجبار العش في ذمة الله    كسوف حلقي للشمس يوم 2 أكتوبر 2024 : هل سيشاهده التونسيون ؟    فتح باب الترشح للمشاركة في الدورة السادسة لأيام قرطاج لفنون العرائس    سحب هذا المضاد الحيوي: هيئة الصيادلة توضّح    سرقة ''ألماس'' أحمد سعد في ايطاليا    متحور جديد من كورونا ينتشر بسرعة في 15 دولة    المتحف الوطني بباردو: افتتاح معرض "صلامبو من فلوبار إلى قرطاج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعاقة في تونس وضرورة التحوّل من المنظور الإجتماعي إلى المنظور الحقوقي
نشر في الشروق يوم 09 - 01 - 2013


هدى الشريف
(قياديّة في الحزب الجمهوري)

«تحمي الدولة ذوي الإعاقة من أي شكل من أشكال التمييز»- هذا ما ورد حول المعاق في مشروع دستور الجمهورية التونسية الثانية, جمهورية القرن الواحد والعشرين.

نعم. عشر كلمات «خفاف نظاف» تحسم موضوعا من أكثر المواضيع التي يجب الاهتمام بها اليوم داخل المجتمع التونسي الذي يعتبر من أكثر المجتمعات انفتاحا على العالم.

في الظرف الحالي الذي تعيشه البلاد التونسية وفي ظل الإنتقال الديمقراطي الذي نأمل إليه بعد إندلاع الثورة في تونس وقرار إعادة كتابة الدستور انكبّ المجتمع المدني والفاعلون السياسيون في محاولة لمراجعة المكتسبات التونسية في ميدان حقوق الإنسان والإشارة إلى مختلف النواقص التي عاش عليها هذا المجال عندما كان يعدّ أمرا يكاد يكون صوريا ومجالا يتخفّى وراءه نظام استفرادي استبدادي بعيدا كل البعد عن الميدان الحقوقي.
وفي هذا السياق كان يجب على كلّ الأطراف العمل على جلب إهتمام العامة والخاصة إلى موضوع طالما وقع الإهتمام به في العهد البائد ولكن أي إهتمام؟ هو موضوع الإعاقة والمعاقين بمختلف درجاتهم.. فقد أدرجه النظام السابق في صلب إهتماماته ولكن كان ذلك لأغراض سياسية بحتة ولمصالح خاصة ولم تر في حقيقة الأمر حياة المعاق أي تطوّر أو أي تماش مع واقع العصر وما يحدث اليوم في العالم من تسهيل وتيسير لعيشه.

فقد بقي المعاق العضوي مثلا اليوم في تونس معاقا بأتمّ معنى الكلمة بل أصبح معاقا جسديا وفكريا ومعاقا سياسيا وإقتصاديا وحتى إجتماعيا.حيث صدّت في وجهه سبل العلم والمعرفة و صدت في وجهه أبواب العمل وكسب الرزق فبات مهمّشا ينظر إليه كعالة على أسرته ومحيطه ومجتمعه وهذا أمر خطير جدّا حيث أن المعاق العضوي لديه كلّ القدرة على إعتلاء أكبر الوظائف والوصول إلى أهم المراكز. فلما لا نرى في يوم من الأيام المعاق وزيرا أو كاتب دولة أو مديرا لمؤسسة ...؟
لقد آن الأوان اليوم في تونس أن تتغير نظرة التونسيين للمعاق العضوي وتتحول من المنظور الإجتماعي إلى المنظور الحقوقي حيث يضمن حقه في الرعاية الصحية وفي توفير النقل المناسب والتعليم المناسب داخل المدارس العمومية العادية وضمان فرص العمل له كإنسان وكمواطن.

وقد فوجئت بمشروع دستور جديد لجمهورية ثانية يأتي بفصيّل إذا صحّ التعبير ( الفصل 39) يقول بكلّ بساطة «تحمي الدولة ذوي الإعاقة من أي شكل من أشكال التمييز»- في حين كان من المنتظر أن تضمن الدولة جميع حقوق المعاق المدنية والسياسية والإقتصادية والثقافية ، فالمعاق العضوي إنسان كامل المدارك العقلية وجب الإهتمام بكل ظروف تيسير عيشه خلال ممارسته لأنشطته ومشاركته في الحياة اليومية للبلاد وذلك لا يتم إلا إذا عملنا على ضمان إدماجهم إدماجا صحيحا في الأربعة مجالات التالية ألا وهي: المجال الصحي ومجال النقل والتجهيز ومجال التربية والتعليم ومجال التشغيل.

فمن خلال إدماج قضية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة العضوية بصفة خاصة في أنظمة هذه القطاعات وبالحرص على تطبيقها وتطويرها والعمل على أن تبقى موازية لما يحظى به المعاق العضوي وغير العضوي من إمتيازات في مختلف أنحاء المعمورة ستتغير نظرة مجتمعنا إلى معاقيه من رضّع وأطفال وشبان وكهول ومسنين.. ويتحول من ذلك الإحساس بالعطف والحرج واليأس أحيانا وحتى الإستهزاء والإحتقار والتعالي أحيانا أخرى إلى ثقة بقدرات المعاق وإحترامه والإفتخار بمساهماته وتحديه للصعاب والشعور بتساوي حظوظ المواطنة لديه.

ففي المجال الصحي اليوم في تونس نرى ضرورة التعامل بأكثر جدية مع المرأة الحامل خلال فترة الحمل والوضع وما بعد الوضع قصد التفطن إلى كلّ ما من شأنه أن يقع تجنبه أو تفادي تطوره أو معالجته في مرحلة مبكرة من حياة الطفل المعاق مع الحرص على إحداث قوانين صارمة تدين كل أشكال التهاون وعدم الجدّية في العمل من طرف الإطار الصحي والطبي. كما تجب الرعاية الصحية اللازمة وتوفير جميع المعدات الطبية لضمان حسن تشخيص وعلاج المعاق في جميع الحالات.

أما في مجال النقل والتجهيز فالبلاد التونسية لا تزال تشكو من العديد من النقائص بل إن العمل في هذا المجال أكاد أقول إنه لم يبدأ بعد. فوسائل النقل في تونس لا تستجيب لأدنى مستلزمات الإعاقة العضوية وهذا بالنسبة لكل الأنواع بدون إستثناء من حافلات وسيارات أجرة وقطارات.. أما عن الطرقات والأرصفة وإشارات المرور فحدّث ولا حرج حيث تنعدم تمام الإنعدام كلّ التجهيزات الخاصة بالمعاقين. فهم اليوم و في القرن الحادي والعشرين يعيشون مكبلين لا يمكنهم التنقل بسهولة المواطن غير المعاق لطلب العلم والمعرفة أو لقضاء حاجة أو للبحث عن موطن رزق يمكّنه من العيش الكريم... ولا ننسى في هذا المجال وأقصد هنا مجال النقل والتنّقل إنعدام فرص الإعتماد على الذات حيث أن المعاقين في تونس ليست لديهم فرص تعلّم سياقة السيارات بحكم رسوخ فكرة عدم قدرتهم على ذلك في مخيلة الأغلبية الساحقة من المجتمع والتي تدّعمت بعدم إهتمام الدولة وحرصها على تشجيع إعتماد المعاق على نفسه والإهتمام بشؤونه مباشرة.
أما على الصعيد التربوي فإن المعاق العضوي يجد العديد من العراقيل التي تحول دونه ودون وصول المعرفة بصفة كاملة و شاملة إليه. فإلى جانب عدم تمتع المؤسسات التربوية بالتجهيزات اللازمة وإنعدام المدارس أو حتى الخلايا الخاصة بفاقدي السمع أو البصرمثلا فإن الخبرة والوعي بضرورة ردّ الإعتبار للمعاق العضوي والإيمان بأنه فرد فاعل لديه حقوق وعليه واجبات وهو جزء لا يتجزّأ من المجتمع يكاد يكون منعدما لدى بعض المدرسين والعاملين في المجال التربوي وهذا يستلزم توعية وعملا يوميا على تغيير العقليات وكذلك مجهودا جبّارا من طرف الدولة للإستثمار في مجال التعليم وحسن إدماج المعاق في هذه المنظومة لضمان إفادته وقدرته على المضيّ قدما على مدارج العلم والمعرفة فيضمن بذلك حظا في المصعد الإجتماعي.

ونأتي هنا فنتحدّث عن التشغيل وإنتداب المعاقين اليوم في تونس حيث يسنّ قانون التشغيل اليوم في تونس على أن تلتزم المؤسسات العمومية بإنتداب 1 بالمئة من المعاقين من جملة الإنتدابات وهو قانون يكاد أن يمثل في حدّ ذاته سوء نية المشرّع وعدم ثقته في قدرة المعاق على العطاء. هذا الواجب والحق في نفس الوقت الذي لو أعطي للمعاق العضوي لبدا قادرا على العمل في جميع الميادين ولأبهر وأظهر للمجتمع أنه إنسان شاء القدر أن يكون ناقصا عضويا و لكن كفء كلّ الكفاءة عقليا و بهذا يقع تغيير نظرة المجتمع من تلك النظرة السلبية إلى نظرة إيجابية من شأنها أن ترتفع بالأشخاص ذوي الإعاقة العضوية في تونس إلى المساواة في المواطنة على كلّ المستويات.

ولذا فإنني أعتبر ورقتي هذه رسالة مفتوحة إلى كلّ أعضاء المجلس التأسيسي وكلّ الفاعلين داخل المجتمع المدني وأدعو إلى إعادة النظر في الفصل 39 وإعطاء ذوي الإعاقة بمختلف أصنافهم وخاصة ذوي الإعاقة العضوية حقوقهم كاملة والإهتمام بصفة جدية بالبقية والإرتفاع بهم إلى حياة أفضل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.