قرأت في الآونة الأخيرة أنّ السلطات الاسرائيلية تمنع منذ ما يقارب العام المعتقلين الفلسطينيين من متابعة الأخبار كما تحجب عنهم هواء الحرّية. و تزامن علمي بهذا القرار القديم المتجددّ دائما مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، ويا لها من مفارقة متعبة ومملة كمفارقات الحياة، وقد حرمت سلطات الاحتلال مساجين الحرية من متابعة قناة الجزيرة للأخبار على وجه الخصوص. وبالطبع لا يمكن لأيّ كائن غير مسلوب الحرّية أن يرى في الأمر غرابة، بل على العكس فانه غالبا ما يرى أنّ الأخبار صداع متواصل و مشاكل لا حدّ لها، في المقابل منع الأخبار عن المعتقلين ليس بالأمر الهيّن لأنّها هي الشريان الذي يصله بالحياة وبوّابتهم نحو الشعور بأنفاس الحياة التي تصلهم متقطّعة وهي وسيلتهم للشعور باستمرارية الحياة وراء القضبان، وإيمانه أنّه طالما هناك أخبار فانّ هناك حياة. ومما لا شكّ فيه أنّ الآلاف من المعتقلين في السجون الاسرائلية يذوقون يوميّا ألوانا شتّى من العذاب ويشعرون كلّ لحظة أنّ الموت يحاصرهم من كلّ جانب لتدّونها ذاكراتهم المتعبة من التعذيب والذلّ والتدمير النفسي والجسدي. ومن الملاحظ أنّ جيل الشباب من الفلسطينيين هم المستهدفون من قبل الرحى الاسرائلية للدكّ به وراء قضبان حديدية تشتعل نيرانا تحرق كل لحظة ملايين الأحاسيس الإنسانية وتبث فيهم غيوم اليأس للعودة إلى طاولة الحياة... وهاهي جريمتهم الأكبر تتجسدّ مرّة أخرى في منعهم من حقهمّ الشرعيّ في الاطلاّع على ما يدور في كواليس الحياة وردهاتها عن طريق الوسيلة الإعلامية. ولعاقل أن يتساءل: لماذا تحجب إسرائيل الرؤية الإعلامية عن المعتقلين وهم مكبلّون بالقيود و فاقدون للحرية؟ والجواب بسيط جدّا:إسرائيل تسعى إلى حرمان المعتقلين من كلّ »مؤشرات« الحياة ومعالمها وتسعى إلى جرفهم إلى خندق الموت البطيء جدّا جدّا ذلك بعزلهم عن عالم يتشبثون من خلال سماع أخباره بتلابيبه لعلّ أسطورة الظلم والقهر تغدو يوما ما حكاية من حكايات الماضي المندثر، ولأنّ إسرائيل مدركة تماما لما تمثلّه الأخبار من تأثير على نفسية المعتقلين الأمر الذي يدعوهم إلى التفكير وفتح أبواب النقاش والحوار وإنماء الفكر رغم العذاب والحصار. وكما عودتنا دائما، فانّ إسرائيل في سعي متواصل لنحر كلّ فكر عربيّ يسعى إلى التقدّم والتطورّ والبينّ أنها ومنذ انبثاثها على أراضينا العربية سعت الدولة الاستيطانية إلى تهميش ودحر الفكر العربي وتهميشه وجعل العرب مجّرد دمى راقصة على مسرح الحياة التي تديرها بخيوط دقيقة وأشواك قاتلة. ومن المؤسف أن نقر بأنّ إسرائيل نجحت في حبك خيوط المؤامرة لاستنزاف الشعب العربي عامة والفلسطينيّ خاصّة وكما هي ساعية إلى تنفيذ مقولتها الشهيرة أو بالأحرى إلى تحقيق اعتقادها في مقولة »أرض بلا شعب لشعب بلا أرض« هاهي اليوم تبدأ في تنفيذ ألعوبة قديمة مستحدثة »معتقلون محرومون من الأخبار، منعزلون عن العالم مشروع شباب بلا فكر أو رؤى مع بعض الهدايا والحوافز الأخرى المعروفة عن إسرائيل و خاصّة منها محو الذاكرة الفلسطينية«. إن أبعاد إسرائيل بحرمان المعتقلين من أبسط الحقوق التي يرونها تمثّل كارثة بالنسبة لهم لعبة متقنة الأداء... هم صنعوا الموت ونسجوا حكايته المؤلمة المفجعة بأدق التفاصيل وأحسن الوسائل: الضياع الفكريّ والتشتتّ القوميّ... وهم في سعي مستديم إلى إبادة الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه وتكبيله ومنعه من الحرية الفكرية والتمتع بأبسط ما جادت به علينا غنائم العولمة والتقدّم. وآن لنا أن نصرخ ونطالب وندعو إلى حق هؤلاء في الحياة والتشبث بها فهم جزء منّا وهم المدافعون بأرواحهم وأجسادهم وعيونهم وأطفالهم ونساءهم عمن بقي منّا في الخارج وعن المساجين الآخرين من غير المعتقلين... وعلينا أن نبعث إليهم بالحياة التي يحجبها الاسرائليون عنهم، وأن ندعو بصوت واحد إلى تحقيق العدالة الإنسانية واستهلاك أوراق المجلّد الكبير من اتفاقية حقوق الإنسان.