من حق لبنان واللبنانيين من كل الفئات والاطياف السياسية ان يشتركوا في الاحتفال بنجاح صفقة تبادل الاسرى التي تعد مكسبا سياسيا وشعبيا لا يستهان به، لا سيما في اعقاب الازمة السياسية الخانقة التي مر بها لبنان وكادت تعصف به في اتون حرب اهلية طاحنة.. فمشهد الاسرى العائدين وبينهم عميد الاسرى اللبنانيين في السجون الاسرائلية سمير القنطار يفوق كل محاولات الوصف ويغني عن كل العبارات.. وحرية الانسان اثمن واقدس من كل القراءات والتقييمات.. ولا شك ان مثل تلك اللحظات بكل ما تختزله من احاسيس ومشاعر لا يمكن الا ان تدعوللتوقف عندها والاستفادة منها والامر طبعا لا يتوقف عند حدود ما حققته المقاومة اللبنانية عندما اكدت التزامها بملف الاسرى فهذه حقيقة لا مجال لانكارها اوتجاهلها اوالتقليل منها.. وما حققته المقاومة اللبنانية المصنفة في قائمة المنظمات الارهابية في عديد العواصمالغربية لم توفق في تحقيقه اطراف رسمية باتت تتحرج من شعبية المقاومة ومكانتها لدى الراي العام اللبناني والعربي عموما، رغم كل ما تحظى به تلك الاطراف من دعم سياسي ومادي ومن تأييد من اصحاب القرار في الساحة الدولية. والحقيقة لقد شكلت الساعات القليلة الماضية التي عاش على وقعها لبنان استعدادا لاتمام صفقة تبادل الاسرى بين «حزب الله» واسرائيل لحظات تاريخية حاسمة في ابعادها الانسانية والاخلاقية والاجتماعية والسياسية في الحاضر والمستقبل ولم تكن لتخلو من الاثارة والغموض والترقب في مختلف تلك الجوانب ايضا. ورغم انه لا اسرائيل تعترف ب«حزب الله» ولا «حزب الله» يعترف باسرائيل فقد امكن بوساطة ألمانية اتمام صفقة تبادل الاسرى التي اطلق عليها صفقة "عملية الرضوان" تكريما للشهيد عماد مغنية الذي تم اغتياله قبل اشهر في دمشق وحققت بمقتضاها المقاومة اللبنانية مكسبا جديدا يضاف الى رصيدها السابق في جرأتها وقدرتها على التفاوض لتحرير المزيد من الاسرى اللبنانيين والفلسطينيين وتكريم رفاة الشهداء العرب الذين ستتمكن عائلاتهم من استعادتهم بعد طول انتظار.. لقد جاء اتمام صفقة تبادل الاسرى مع سلسلة من الاحداث حيث تزامنت مع الذكرى الثانية لحرب "تموز" الهمجية التي شنتها اسرائيل على لبنان على مدى ثلاثة وثلاثين يوما واعترافات الاستخبارات الاسرائيلية بفشلها في تحقيق اهدافها من تلك الحرب وأولها تحرير الجنديين الاسرائيليين اللذين حرصت المقاومة اللبنانية على التكتم والسرية بشان مصيرهما حتى اللحظة الاخيرة ليكتشف الراي العام الاسرائيلي موت الجنديين اللذين استعادت عائلتهما رفاتهما بالامس فكانت صفعة اخرى تتلقاها الحكومة الاسرائيلية التي تمر بأوقات عصيبة في مواجهة الراي العام الاسرائيلي الذي لا شك انه ادرك عبثية الحرب التي كانت اسرائيل شنتها على لبنان لتحرير الجنديين.. اما الدرس الثاني الذي سجلته المقاومة اللبنانية فهو بدون شك ما اكدته من خبرة وقدرة على الصبر والاحتمال في المفاوضات الطويلة والمضنية مع الاسرائيليين وقد كشفت الصفقة ان المفاوضات فن من فنون الديبلوماسية لا يحذقها الا قليل من المتمرسين بها والقادرين على تحمل اعبائها وتبعاتها.. ولعل في اجماع الصحف الاسرائيلية بالامس على اعتبار ان صفقة الاسرى شكلت انتصارا للمقاومة اللبنانية واقرارها بحجم الاهانة والاذلال التي لحقت باسرائيل والجيش الذي لا يقهر ما يؤكد انه بالامكان عندما تتوفر بعض المعطيات والشروط ان ترضخ اسرائيل للتنازلات وتقبل بمتطلبات اللعبة السياسية وتتخلى عن بعض عنجهيتها وانانيتها واحساسها الدائم بانها فوق كل انواع الحساب وكل القوانين والشرائع.. على ان الحقيقة انه رغم الاستياء الحاصل في اسرائيل فان خلف تلك المشاهد ايضا ما يؤكد اصرارا اسرائيليا على اهمية حياة جنودها وتمسكها بمقايضتهم وتكريمهم احياء وأمواتا.. وفي انتظار ان تكتمل اطوار الصفقة وان يتم تقديم خرائط الالغام التي زرعتها اسرائيل في لبنان والتي طالما امتنعت عن تقديمها للامم المتحدة والى ان يتم كشف مواقع القنابل العنقودية التي تهدد آلاف اللبنانيين.. فان الاكيد ان الساحة اللبنانية الخارجة لتوها من اسر وقيود ازمة سياسية خانقة كانت توشك في كل مرة ان تتحول الى حرب اهلية مدمرة من شانه ان يمنح كل اللبنانيين دفعا جديدا يفتح المشهد اللبناني على واقع جديد بعيدا عن لغة تصفية الحسابات الضيقة يكون اكثر تناسقا بين مختلف مكوناته السياسية واكثر اصرارا على مواجهة التحديات المستقبلية بما يمكن ان يعيد لبنان الى موقعه على الساحة الدولية والاقليمية.. ولكن ايضا بما يمكن ان يعيد الى السطح ملف كل الاسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية لا سيما ان اكثر من اثني عشر ألف اسير فلسطيني ممن يتوقون الى الحرية ويتابعون في شوق اطوار صفقة الاسرى اللبنانيين وياملون في استعادة حقوقهم المصادرة وحقهم في التمتع بالحياة بعيدا عن القضبان والقيود الاسرائيلية التي تطوقهم بلا ذنب سوى انهم رفضوا الاحتلال واصروا على مقاومته.. ولا شك ان الراي العام الاسرائيلي بدوره مدعو اكثر من أي وقت وهو يستقبل رفاة جنوده العائدين الى تامل تلك اللحظات المؤثرة التي تبقى نهاية منطقية للنزاعات المستمرة والحروب المدمرة في المنطقة بسبب استمرار غياب السلام العادل والشامل وفقا لقرارات الشرعية الدولية والذي بدونه لا مجال لاسرائيل ولبقية شعوب المنطقة ان تعيش في امن وسلام.. فهل يستوعب المجتمع الدولي دروس صفقة الاسرى؟ فهنيئا للبنان بما انجزه على امل ان تتحقق الحرية لكل الاسرى في المعتقلات الاسرائيلية.