في إطار مشاركته في الندوة النقابية الدولية حول «رؤية نقابية في سياق تحالف الحضارات» التي احتضنتها مدينة «الجزيراس» الاسبانية يومي 22 و23 نوفمبر، ألقى الأخ عبد السلام جراد الامين العام للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي كلمة أكد فيها: أن الحوار الأورومتوسطي هو جزء من الحوار العالمي الهادف الى اشاعة ثقافة السلام والتعايش بين البلدان، وأن مكوّنات المجتمع المدني وفي طليعتها النقابات العمالية تضطلع بدور أساسي في توفير الارضية الملائمة لهذا الحوار وإرساء فضاء مشترك للتعارف وتبادل الآراء بما يحدّ من مظاهر التنافر وسوء التفاهم والافكار المسبقة. وخلص الى الحديث عن المشهد السياسي السائد حاليا في المنطقة المتوسطية حيث لاحظ أنّ القضية الفلسطينية تزداد تعقيدا حيث تزداد حدة النزاع كل يوم مخلفة المزيد من الضحايا في وقت تواصل فيه إسرائيل تجاهل قرارات الاممالمتحدة وحرمان الشعب الفلسطيني من حقه المشروع في الاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كما يتواصل احتلالها للجولان السوري ومناطق من جنوب لبنان في تحد كامل للشرعية الدولية وارادة المجتمع الدولي في تحقيق سلام عادل ودائم وشامل لهذا الصراع. وأشار في نفس السياق أنّ العراق غرق في مستنقع العنف حيث بلغ عدد الضحايا منذ الاحتلال أكثر من 650 الف عراقي جلهم من المدنيين العزل في نفس الوقت الذي يخيم على هذا البلد شبح الحرب الأهلية والتقسيم على أسس طائفي ذلك أنّ ما يحدث في العراق هو نقيض الحرية ونقيض السلام ونقيض الديمقراطية التي بشرت بها الادارة الامريكية وانه الدليل على ان الديمقراطية والسلام والحرية والعدالة لا يمكن ان تفرض من الخارج فما بالك اذا جاءت على ظهر دبابة وعلى جثث الموتى وعلى عكس ما يردده الرئيس الامريكي جورج بوش فإن العالم ليس أكثر أمنا وحرية بعد احتلال أفغانستان والعراق وسوف يكون أسوأ لو احتل السودان وضربت إيران. وبالاضافة الى كل هذه الأوضاع فإن المنطقة العربية لا تزال تعاني من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وللحريات النقابية بالخصوص كما ان اقتصاد السوق والخيارات الليبرالية لم تقض على الفقر بل فاقمت ظاهرتي البطالة والاقصاء الإجتماعي وعمقت الفوارق الاجتماعية وزادت الهوة عمقا بين الشمال والجنوب.
وتساءل الأخ عبد السلام جراد بعد ذلك كيف السبيل الى حوار بين شعوب هذه المنطقة استنادا الى الإرث الحضاري المشترك بينها؟ وفي إجابته عن هذا السؤال، قال أنّ منطقتنا بالرغم من النزاعات والحروب عرفت فترات زاهية من التعاون والتفاهم والتبادل، وفي هذا الاطار، كنا ندرج اتفاقية الشراكة الأورومتوسطية ضمن هذه الفترات الزاهية والتي كان بوسعها فتح صفحة جديدة من العلاقات المتكافئة والتنمية المشتركة. لقد علقنا آمالا عريضة على هذه الاتفاقيات وأيدناها بقوة برغم تحفظات قطاعات واسعة من قواعدنا النقابية واليوم وبعد مرور اكثر من 10 سنوات على مسار برشلونة فإننا نشعر بالمرارة وخيبة الامل، فجوهر العلاقة بين الشمال والجنوب بقي على حاله يعيد توليد العلاقات الموروثة عن الحقبة الاستعمارية بل ان الفوارق ازدادت حدة بين ضفتي المتوسط على جميع المستويات كما ان الفجوة الرقمية تزداد هوة بينهما يوما بعد يوم اضافة الى ما أحدثه التبادل الحر من تدمير للانسجة الصناعية الوطنية في الجنوب وما انجر عنه من تسريح للعمال وتفاقم للبطالة. إن الفصل بين الاقتصادي والسياسي وبين التجاري والاجتماعي في اتفاقيات الشراكة انعكس سلبا على العلاقات البشرية بين الضفتين حيث بدأ الشمال لدى قطاعات واسعة من شعوبنا ذلك الطرف الجشع الذي لم يتخل عن استعلائه وانانيته واطماعه الهيمنية مستعيدين صور الحروب الاستعمارية التي لا تزال عالقة في أذهانهم. كما ان بعض التصرفات لمسؤولين سياسيين ومراجع دينية مرموقة زادت الطين بلة وكانت بمثابة صب الزيت على نار الحقد والعنف والكراهية. وإثر ذلك، خلص الاخ عبد السلام جراد الى الحديث عن المبادرة الاساسية باعتبارها تكرس رغبة نقابيي وعمال ضفتي المتوسط في المساهمة في التأسيس لعلاقات جديدة بين شعوبنا وفتح حوار جدي بينها لتجاوز البعد التجاري ومصالح رأس المال ورسم معالم المصير المشترك وتحقيق الامن والسلام والعدل في منطقتنا. وأضاف ان هذا الدور ليس بالمستعصي على الحركة النقابية الأورومتوسطية وهي التي تستند الى ثقافة العمل القائمة على البذل والعطاء والبناء وتعتمد المساواة والعدل واحترام الحقوق النقابية. ان الحركة النقابية هي المؤهلة اليوم وأكثر من غيرها الى ترميم الجسور المتكسّرة بين الضفتين لانها خاضت النضال المشترك ضد الاستعمار والاحتلال سواء الاحتلال الاوروبي لجنوب المتوسط او الاحتلال النازي لأوروبا، كما انها تشترك في الكفاح ضد الاستغلال والاقصاء والتهميش ومن أجل إعادة الاعتبار للعمل كقيمة حضارية من خلال الدفاع عن العمل اللائق ومقاومة البطالة. وقال انه يتوجب علينا افتكاك زمام المبادرة من الداعين الى صدام الحضارات وحروب الاديان والعودة بالصراع الى مجاله الحقيقي وهو صراع ضد الاستعمار بأشكاله القديمة والجديدة وضد الاستغلال والظلم والفقر والاقصاء وضد القمع والاعتداء على حقوق الإنسان وعلى الحريات وبخاصة الحريات النقابية. إن العالم لا ينقسم فقط الى مسلمين ومسيحيين وبوذيين ويهود وغيرها من الاديان والمعتقدات، فهذا التقسيم يطمس انقسام العالم الى طبقات فقيرة مسحوقة وأخرى غنية مترفة ويتجاهل الفوارق بين بلدان غنية متقدمة يستأثر سكانها البالغون اقل من 20 من سكان العالم على أكثر من 80 من الثروات العالمية وبلدان فقيرة بائسة يعيش اغلب سكانها تحت عتبة الفقر وتتجاوز مديونيتها أضعاف دخلها القومي. وأضاف الأخ عبد السلام جراد إنه تقسيم لا يعير وزنا كذلك لوجود قوى تناهض هذه العولمة المتوحشة وتناضل بصفة مشتركة من أجل عالم آخر ممكن يسوده العدل والمساواة وتنتفي فيه مظاهر الحيف والحروب والاحتلال والهيمنة وهذه القوى تخترق العالم من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه بقطع النظر عن اللون والمعتقد والجنس. وفي ختام كلمته قال الأخ الامين العام: إن مسؤولياتنا متعاظمة كنقابات في ظل انكشاف ازدواجية الخطاب لدى الاحزاب السياسية وتنكر الحكومات لمسؤولياتها وعلينا أن نضطلع بهذه المسؤوليات بمعية مؤسسات المجتمع المدني المستقلة والاتحاد العام التونسي للشغل وكذا الامر بالنسبة للنقابات بالمغرب العربي والوطن العربي ككل متحفزون لتحمل مسؤولياتها في هذا المجال من أجل فضاء أورومتوسطي خال من كل مظاهر الاحتلال والظلم والدكتاتورية ومن أسلحة الدمار الشامل يسوده السلام والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. من جهة أخرى، فإن الاخ عبد السلام جراد القى كلمة في الجلسة الختامية توجه في مستهلها بالتحية والشكر الى اتحاد نقابات عمال اسبانيا واتحاد نقابات الاندلس. وأبرز أنّ الندوة مبادرة هامة تعكس الوعي بضرورة البحث فيما يوحّد بين النزعات المؤمنة فعلا بأن الحلول الامنية والعسكرية لم تكن يوما ولن تكون ابدا الطريق الى القضاء على الإرهاب بل انها الارهاب ذاته، الذي لن يخلق الا مناخا من التوتر يغذي الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام بمختلف السبل والاشكال. إن الطريق الى التأسيس لجبهة واحدة تقلّص من عوامل التوتر في العالم وتقضي على أسباب العنف بمظاهره هي القضاء على الفقر والحيف والاستغلال والميز العنصري والمظالم وتوسيع دائرة الحوار بين القوى المؤثرة في العالم عبر لقاءات تحسيسية مختلفة تكون النقابات بإعتبار قدرتها على التأطير والتوجيه المؤثرة فيها. واضاف: آن الاوان لإحلال سلام عادل ودائم في المنطقة يوقف حملات الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني ويمكنه من بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وينهي اكتساح الجولان السورية وجنوب لبنان ويقضي على احتلال العراق. وختم كلمته بقوله: انّ الرهانات كثيرة والتحديات كبيرة ولكن قناعاتنا اقوى، بتلك القناعات لصنع ارادة الفعل في الواقع والتأثير فيه في إطار وحدة مبدئية، تهدف الى خلق فضاءات للحوار الحر البناء والمسؤول وهو التوجه الذي انطلقنا في التأسيس له في الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي بتنسيق مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وبمؤازرة اتية بلا شك من منظمة الاتحاد العالمي للنقابات