لأقل من شهر مازالت تفصلنا عن انطلاق الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان بنزرت الدولي وإذا كان عشاق السمر وهواة الموسيقى والطرب وأهالي وزوار عاصمة الشمال ينتظرون بكل شوق ولهفةمحتوى الفقرات التي ستؤثث سهرات الدورة الجديدة للمهرجان ذلك أن الجدل مازال قائما حول فعاليات وحيثيات الدورة الرابعة والعشرين التي لم تكن في مستوى انتظارات الجمهور لأسباب عديدة من أبرزها تداعيات حرب لبنان التي أثرت بشكل سلبي في تكامل واكتمال البرمجة هذا طبعا مع الدورات الفارطة التي طرب الجمهور خلالها وانتشى وانتعشت منها الخزينة لا سيما بعد بناء المسرح الصيفي الذي يتسع لأكثر من ثمانية آلاف متفرج. ومن بين الثوابت الهامة والركائز الاساسية التي أصبحت تميز مهرجان بنزرت الدولي وعاصمة الشمال عموما العدد الغفير والمتزايد للزوار والمواطنين القادمين من العاصمة والولايات المجاورة وكذلك التونسيين المقيمين بالخارج الذين يفضلون قضاء الإجازة الصيفية بهذه المدينة الساحرة وهو ما كان له أطيب الانعكاسات في عدد الراغبين في متابعة العروض الفنية والفرجوية في فضاءات متنوعة بدءا بالمسرح الصيفي وصولا الى الميناء مرورا بساحة وشاطئ سيدي سالم. من الثابت الى المتحول ما يحسب كذلك لمهرجان بنزرت الدولي أنه كان سباقا منذ أكثر من خمس سنوات مقارنة ببقية المهرجانات ليس فقط في حسن استغلال واستثمار كل الفضاءات المفتوحة لإقامة بل لإهداء العروض الفرجوية بل كذلك في التفاعل الصادق والتواصل المثمر مع جميع الفئات العمرية والاجتماعية وخاصة الإصغاء بحس مرهف والانتباه بحدس عقلاني غير مشروط بانتظارات واهتمامات شباب مناطق الظل.. هناك حيث المسالك الوعرة والفيافي المتعطشة للفعل الثقافي النيّر والتفاعل الحضاري الراقي. وقد تجل ذلك بكل امتاع واقناع من خلال تنظيم سهرات فنية في المناطق المذكورة تم دورات لاحقة ضمان التنقل المريح والمجاني الى المسرح الصيفي ببنزرت لفائدة شباب وأهالي المناطق المذكورة. من جهة أخرى يمكن القول ان السياحة الشاطئية في بنزرت والبيئية استفادت كأحسن ما يكون من مزايا الطريق السيارة بالنسبة للوافدين من العاصمة (أقل من ساعة) وأيضا من فوائد الطريق السريعة في اتجاه منزل بورقيبة وما جاورها (أقل من عشرين دقيقة).من ناحية ثالثة تزخر عروس الشمال بأسرة اعلامية متميزة تضم مجموعة هائلة من الصحفيين والتقنيين الكثيرين القارين وأيضا نخبة من المراسلين الجهويين. والفضل في هذا النشاط الدؤوب والخصوصية النادرة ذلك التأطير الناجح والاحاطة الناجعة للأسرة الإعلامية في ولاية بنزرت من طرف الرئيسين السابقين والرئيس الحالي لنادي الصحافة وكذلك العقلية الاحترافية والأجواء العائلية التي نجح في توفيرها وبرع في ترسيخها الاستاذ القدير صالح الدريدي مدير جريدة القنال التي مرت عبر أعمدتها وصفحاتها كل الاقلام والأسماء الصحفية أصيلة ولاية بنزرت. ولا ننسى حرص السلط الجهوية بهذه الولاية على تخصيص جائزة سنوية للإبداع الاعلامي في مختلف الاختصاصات. حفل الافتتاح سكت عن الطرب المباح على امتداد السنوات الاخيرة أمكن لمهرجان بنزرت الدولي الاستفادة من جميع المقومات المذكورة أعلاه لكن فعاليات الدورة الرابعة والعشرين شكلت نقطة التحول في علاقة جمهور هذا المهرجان بنوعية العروض المقترحة وكمبتها. وإذا كان الجيش الاسرائيلي باعتدائه الغاشم على التراب اللبناني يتحمل قسما من المسؤولية عفوا من الهمجية في بعثرة المشهد الاحتفالي والثقافي بمدينة بنزرت فإن هيئة المهرجان تتحمل كذلك نصيبا في تراجع إشعاع المهرجان بدءا بحفل الافتتاح بتاريخ 17 جويلية الفارط وكان بإمضاء محسن الماطري الذي أحسن كعادته التوزيع والعزف المنفرد وحسن انتقاء عناصر الفرقة والتقنيات الصوتية، لكن هذه السهرة كانت موغلة في الكلية والنمطية والقوالب الموسيقية الجاهزة الى جانب الاقبال الجماهيري المحتشم. وفي هذا السياق نتساءل لماذا لم يقع تنظيم هذه السهرة بساحة سيدي سالم أو بفضاء المرسى العتيق؟ من نقاط الاستفهام كذلك سهرة المجموعة الشبابية 113 التي انطلقت بتأخير نصف ساعة قبل أن تفسح المجال الى منشط فكرة (D. J) الذي أظهر من التردد والارتجال في تمرير وتكرار الأغاني المقترحة مما جعل الجمهور يفضل التصفير والصياح على المتابعة ثم مغادرة المكان في وقت مبكر. بلا تأويل ولا تهويل معظلة التقنيات الصوتية كانت ولا تزال أحد التغيرات والصعوبات التي عانى منها كثيرا مهرجان بنزرت. وفي الدور الأخير جاء دور مسرحية وادي الربيع لفرقة مسرح الجنوب بقفصة وهو ما أرهق الجمهور الحاضر بكثافة ورغم أن هيئة المهوجان تداركت الموقف في مسرحية «على وحدة ونص» وأيضا في سهوات نور مهنا وصابر الرباعي وحكيم والشباب خالد ، وللأمانة فإنها ليست المرة الأولى التي تكشر فيها التقنيات الصوتية عن أنياب الرداءة، لكن عندما يلتقي تجديد الهيئة المديرة وحداثة رئيسها بتسيير مثل هذه التظاهرات الدولية بتداعيات حرب لبنان وراداءة مضخمات الصوت فمن الطبيعي أن تنتقل قراءة الأحداث وتحليل الأمور من أريكة الواقعية والموضوعية الى أعلى ربوة الذاتية والانطباعية: وفي ما يلي تذكير بالثغرات والمفاجآت غير السارة التي شهدتها الدورات السابقة لكن لم ترافقها الانتقادات بل مرت في كنف «الانضباط» الجماهيري والصحفي رغم أن مهرجان بنزرت آنذاك لم يتزامن مع مجزرة قانا الأولى أو حرب الخليج الثانية أو مع أحداث سبتمبر أو حتى إعصار تسونامي أو كاترينا! توقف سهرة المطرب كاظم الساهر أكثر من مرة و هو ما كان حصل في الدورة الثانية عشرة وتحديدا يوم 9 أوت 1994 بسبب رداءة التجهيزات الصوتية. توقف سهرة الفنان صابر الرباعي في مناسبتين بسبب رداءة الصوت قبل ان ينسحب ضيف بنزرت من الركح في المرة الثالثة وذلك في افتتاح الدورة 17 بتاريخ 10 جويلية 1999 . الفشل الجماهيري في حفل وائل جسار بتاريخ 14 جويلية 2000 خلال الدورة 18 حيث كان من الأجدر إقامة العرض بالحصن الاسباني بدلا من ملعب 15 أكتوبر. توقف عرض إيهاب توفيق بتاريخ 25 جويلية 2003 بمناسبة الدورة 21 والسبب التقاذف بقوارير المياه بين الجماهير ثم بسبب الانقطاع الجزئي للكهرباء وأيضا بسبب رداءة التقنيات الصوتية (انظر جريدة أخبار الشباب بتاريخ 31 جويلية 2003 ). إلغاء عرض المطربة الراحلة ذكرى محمد بعد أن كان مبرمجا لسهرة 31 جويلية 2003 ومن قبله إلغاء مسرحية الطلاينة وصلو التي كانت مبرمجة في سهرة 20 جويلية 2003 وذلك ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين . إلغاء عرض الفنانة أليسا من برمجة الدورة الثانية والعشرين بعد أن كان مصورا لسهرة الأحد 15 أوت 2004 . اقتراحات وانتظارات ورغم بعض الثغرات الذوقية والتقنية فإن ما يحسب لهيئة مهرجان بنزرت الدولي خلال دورة 2006 فإن ما يحسب لها أنها لم تلجأ الى «الترقيع» والاستنجاد بأغاني المزود وإحياء التراث لملء السهرات التي غاب عنها كل من وائل كفوري وملحم بركات وفضل شاكر وهو ما قام به عديد المهرجانات الأخرى ، وفي المقابل فإن استحقاقات المرحلة القادمة ومتطلبات الدورة الخامسة والعشرين تفترض حسب اعتقادنا : مزيد انفتاح هيئة المهرجان على العائلة الثقافية الموسعة بكافة ارجاء ولاية بنزرت والتي تشمل مديري المهرجانات المحلية ورؤساء اللجان الثقافية. مزيد الاقتراب من الاسرة الاعلامية من خلال الاستئناس بآرائهم قبل اعداد البرمجة وخلال عقد الجلسة العامة للمهرجان. حسن الاعداد والاستعداد لحفلي الافتتاح والاختتام اللذين يجب ان يحوصلا تراث الجهة المخزون الثقافي والتراثي لكافة ارجاء ولاية بنزرت.