عاجل/ انتبهوا.. وزارة المالية تحذّر من متحيّلين ينتحلون صفة موظفيها    مدنين: عائلة ترفض تسلم جثة رضيعتها وتدعي استبدال مولودها الذكر بها    تفاصيل جديدة حول حادث اصطدام يخت سعودي فاخر برصيف الميناء الترفيهي ببنزرت    توقعات بزيادة صابة الزيتون بنسبة 145% في هذه الولاية    هجوم صاروخي على تل أبيب و21 قتيلا بغارة على شمال لبنان    أزمة مباراة ليبيا ونيجيريا.. "الكاف" يدخل على خط    ملعب الطيب المهيري بصفاقس: قريبا إنطلاق أشغال الإنارة وتليها تركيز الكراسي    الليلة: ضباب محلي آخر الليل بهذه المناطق    زغوان.. الإحتفاظ بشخصين من أجل ترويج مخدر " الكوكايين"    الفيلم التونسي "نصف روح" يتحصل على الجائزة الذهبية ضمن اللقاءات السينمائية لكوتونو بالبينين    إخماد حريق اندلع بمصنع مواد تجميل في هذه الولاية    حجز مشروبات كحولية بقيمة تتجاوز 640 ألف دينار    بعد تداول الفيديو.. ايقاف رجل سحل زوجته وحلق شعرها وسط الشارع    مدنين: فريق مختصّ في حماية التّراث يعاين معالم دينية بجربة للتدخل العاجل لحمايتها    يتصدرها لقاء النجم الساحلي والنادي الافريقي ... برنامج مقابلات الجولة العاشرة للبطولة الوطنية لكرة السلة المحترفة    عاجل/ جريمة قتل صيدلانية في حدائق قرطاج: كشف معطيات جديدة    القيروان: تأجيل محاكمة العياشي الزمال لهذه الاسباب    يوسف طرشون: مجلس الشعب ليس مكتب ضبط لدى رئاسة الحكومة    حجز 50 طن من التفاح و250طن من التمور بقيمة تناهز قرابة مليار و 600 مليون في بن عروس    الجامعة التونسية للجودو تعلن عن تأجيل الجلسة العامة الخارقة للعادة    القيروان: رفضوا تزويجه.. فأضرم النار في جسده    قبلي: 7 طائرات سياحية خفيفة تحل بمنطقة تنبايين على بعد 120 كلم بالعمق الصحراوي    ثلاثة علماء يتقاسمون جائزة نوبل في الاقتصاد    منوبة: وزير التشغيل يشرف على يوم اعلامي حول التكوين الإشهادي التخصصي في مجال محاسبة الكربون    إسبانيا تطالب بتعليق التجارة الحرة مع إسرائيل    عاجل : الشركة التونسية للملاحة تنتدب    بينها بلد عربي.. 26 دولة تغرق في الديون!    ديون تونس لصندوق النقد الدولي تنتهي في هذا العام..    الدورة التأسيسية من "مهرجان السيدة نعمة للثقافة والفنون بأزمور" من 18 إلى 20 أكتوبر 2024    القهوة : ماهي أضرارها و ما الوقت المناسب لشربها    سنة 2023 : إجراء 22 ألف عملية مراقبة على السيارات والعربات الإدارية    والد وزير الشباب والرياضة في ذمة الله    الميزان التجاري الغذائي يسجّل فائضا بحوالي 1530مليون دينار    عاجل : أنس جابر تتراجع ب 4 مراكز في التصنيف الجديد للاعبات التنس المحترفات    الصربي "نوفاك ديوكوفيتش" يكشف عن حقيقة إعتزاله التنس    القمة العالمية السادسة للإعلام بالصين: الذكاء الاصطناعي أداة ضرورية لمستقبل الإعلام    مباراة ودية: الترجي الرياضي يفوز على مستقبل سليمان    عاجل - تونس : حملة التلقيح ضد ''القريب'' تنطلق 17 أكتوبر و بأسعار منخفضة    الحرس الوطني ببن عروس تفكيك شبكة دولية لتهريب المخدّرات وحجز 16 كغ من مخدّر "القنب الهندي".    المنتخب الوطني يجري حصة تدريبة في الكوت ديفوار و هذا برنامج اليوم    الحرارة تتجاوز المعدلات العادية..وتقلبات جوية منتظرة.. هذا موعدها..#خبر_عاجل    إمضاء اتفاقية إنتاج مشترك بين المركز الوطني للسينما والصورة والمركز الوطني الجزائري للسينما    طهران: سنحاسب إسرائيل على اغتيال نيلفروشان    ألمانيا: إجلاء 6 آلاف شخص بعد اكتشاف قنبلة تعود للحرب العالمية الثانية    منظمة إرشاد المستهلك: تم تسجيل نقص في التزود بمادة الدجاج الجاهز للطبخ    موظف في أكبر بنوك إيطاليا يتجسس على حسابات ميلوني    هل ارتداء النظارات باستمرار يضر بصحة العين؟    المؤتمر الدولي للعلاج بالفن بالمنستير...كيف نتخلّص من الإكتئاب عن طريق الفن؟    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان المبدع محمد المورالي    مطرب مصري يستغيث بالأزهر: 'الناس بتقولي فلوسك حرام'    تكريم لطفي بوشناق في مصر    20% من أطفال تونس مصابون بقصر النظر: إليك الأسباب    وزارة الصحة تصدر دليل هام بخصوص تلاقيح النزلة الموسمية..    توزر: لقاء فكري نظمته لجنة إسناد جائزة أبو القاسم الشابي للشعر إحياء للذكرى تسعين لوفاته    فوائد لغوية...من طرائف اللغة العربية    كتاب الأسبوع..ملخص كتاب «محاط بالحمقى»!    يسيء إلى سمعة المجتمع...حكم التسول في الإسلام !    مذنّب يقترب من الأرض السبت المقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل توجد حداثة بلا هويّة ؟ وهل الهويّة مُعطى جامد؟
(من ذيول النقاش حول حرب لبنان) د . الطاهر الهمّامي
نشر في الشعب يوم 02 - 06 - 2007

وقع بين يديّ مؤخّرا نصّان مثيران للجدل، أحدهما يمجّد العلمانية ويَحمل على الهويّة، والآخر يحمل على العلمانية ويُجلّ الهويّة، وكلاهما في المغالاة والأحادية ونكران الواقع والوقائع سواء. نصّ حوار أجرته الأسبوعية «مواطنون» مع د.رجاء بن سلامة تحت عنوان «العلمانية هي الأرضية الوحيدة التي تضمن المساواة والكرامة والحرية» ( ماي ) ونصّ مقال ردّ به د.أبو يعرب المرزوقي على من سمّاهم «بعض أدعياء العلمانية وأعداء الإسلام» ونشرته «القدس العربي» ( ماي ).
ولقد سبق لي أن ناقشت الطرح الذي طرحته السيدة بن سلامة في خصوص الحرب اللبنانية والموقف من «حزب اللّه» والمقاومة، وخالفتها حين استخفّت بالمقاومة وأبطالها الذين خضدوا شوكة العدوانية الصهيونية، وبِقِيَم مثل التضحية والاستبسال، وحين لم ترَ في «حزب اللّه» سوى جماعة إرهابية أو ميليشيا دينية عاملة لحساب أطراف خارجية، وحين حدبت على قتلى صواريخ المقاومة من الإسرائيليين حدْبا يفوق حدبها على ضحايا القصف البرّي والبحري والجوّي الإسرائيلي من اللبنانيين أصحاب الحقّ. خالفتها ذلك واستنكرت موقفها من المثقفين والإعلاميين والأُناس عربا وأجانب الذين وقفوا ضدّ الجرائم الصهيونية وطالبوا بخروج المحتلّ من لبنان وفلسطين والعراق، وحيّوا المقاومة الوطنية وصمودها وقدرات قيادتها في إدارة معركة غير متكافئة.
ومرّة أخرى تعود السيدة رجاء بن سلامة لتعزف العزف نفسه في هذه القضية وفي غيرها من القضايا التي تهمّ راهن المجتمعات العربية والإسلامية وخاصّة ما تعلّق بقضايا الحرية، والهويّة، والنهضة. ولم يخل كلامها من ردّ (ساخر) على الردود التي عقبت تصريحها الأوّل المنشور على موقع إلكتروني قبل أن تُعيد نشره بعض الصحف.
و مرة أخرى أسجّل أن مدار الخلاف معها و مع المثقفين العازفين عزفها هو على قراءة المرحلة وطبيعتها و بالتالي على طبيعة الصراع الدائر، و التناقضات القائمة، وبالتالي على الموقف من المسألتين المطروحتين اليوم في جدول أعمال بلداننا ومجتمعاتنا: المسألة الوطنية والمسألة الديمقراطية. والرّأي عندي أنّ عديد المثقّفين العرب، وهم في المهبّ، تعذّر عليهم أن يروا وجه الحلّ حين ركبوا خطاب الوطنية والهويّة وأهملوا نداء الحرية والديمقراطية التي من شأنها تعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة الغزو، وإعطاء الهويّة مضمونا تقدّميّا قادرا على مواجهة المحو. وكذلك أخطأوا حين ركبوا خطاب الحرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحداثة، والعلمانية، بمعزل عن الهويّة الوطنية والقومية، وبمنأى عن الإرث الحضاري الخصوصي.
ولقد قدّمت الأحداث الجارية في العراق وغير العراق مثالا ساطعا ودليلاً قاطعا جديدا على التوظيف الاستعماري الماكر لتلك الشعارات والمطالب المدنيّة المشروعة حين حملها الغزاة جوّا وفي شكل معلّبات وأتوا بها على الأخضر واليابس، ومن ضمن الأخضر وحدة العراق واستقلاله وعروبته وحمولته الرّمزية. ولقد كان هؤلاء ومازالوا يرومون فرض عالم على صورتهم، وحداثة ب «هويتهم» وعلمانية على قدر مصالحهم، وحرّية تفرّق ولا تجمع، وديمقراطية تفتح الباب للطائفية ومُحاصصاتها، ومُضارباتها، ومواجهاتها، ولتفتيت البلد وإبقائه تحت «رحمة» المخابرات المركزية والموساد، وإنهاء دوره في بناء النهضة العربية المنشودة.
وقدّمت مشاريع التنمية الفاشلة والتحديث المزعوم في بلدان «العالم الثالث» التي ركبت موجة الخيار «الاشتراكي» أو التي نهجت نهج «الانفتاح» و «اللّبْرَلَة» أدلّة قاطعة أخرى عن مآل الاستخفاف بالهويّة القوميّة والخصوصية الحضاريّة، وأفضى ذلك كما هو مشهود إلى إفراز نتائج عكسيّة، بدائل أصوليّة وأجوبة ظلاميّة متلفّعة بالأصالة والهويّة، مستغلّة الفراغ الذي خلّفه الاغتراب وحفَرتْه التبعيّة.
إنّ تجربة الاحتكاك بالشباب، في مختلف مراحل التدريس، طيلة عاما من حياتي المهنيّة، بيّنت لي كيف أفلح الخطاب الأصولي، الراكب موجة الهويّة التي اختزلها في الدّين والتديّن، وهو يخاطب تلاميذ وطلبة العلوم والتّقنيات، ولم يُفلح كثيرا وهو يخاطب غيرهم، لأنّ هؤلاء يُلقّنون هذه المعارف، عندنا، بمعزل عن التّفكير في تاريخها، وعن ربطها بالتاريخ العام وبغيرها من المعارف، وعن البيئة التي أنجبتها، وعن تجاوز استهلاكها إلى إنتاجها. ولا يبقى أمام الشباب في هذه المرحلة العُمريّة والذهنيّة الدقيقة سوى اللّوذ بدرس «التربية الدينيّة» يَرْوي منه غُلّته ويعثر على أجوبة لأسئلة الهويّة، سَوِيّة أو غير سويّة. وأسئلة الهويّة من أسئلة المسألة الوطنيّة، التي عادت لتُطرح اليوم بحدّة، في ظل «النظام العالمي الجديد» وعودة الاستعمار المكشوف، والغزو السافر، وفي ظل عولمة المحو والتصفية الثقافية والحضاريّة، وتعميم «هويّة» كونيّة هي هويّة الغالب والمنتصر والأقوى، هويّة «وحيد القرن» و «عقرب السّاعة».
وحين تتساءل زميلتي «كيف يمكن لمثقّف يعتبر نفسه تقدّميّا أن يدافع عن نصر اللّه في الصيف وأن يطالب بالمساواة بين الجنسين في الشتاء» فذلك يؤكّد مرّة أخرى أنّها لم تدرك أو لا تريد أن تدرك أو هي تدرك وتتعمّد عدم الإدراك طبيعة المرحلة، والمعركة، وطبيعة التناقضات التي تحرّك الواقع وسبل حلّها لصالح الطرف الضحيّة، وبالتالي فالمعطى الأساسي الذي فرض المسألة الوطنية أولويّة عراقية وفلسطينية ولبنانية وسوريّة والمتمثّل في واقع الاحتلال والحصار والعدوان وخلع الأنظمة الوطنية وتنصيب العملاء بالقوّة وتأجيج الفتن الطائفيّة واستهداف الوجود العربي ورموزه ظلّ غائبا من نظرتها وأحكامها، فعسّر عليها أن تستوعب اللّحظة ومقتضياتها، وحال جمود النظرة وتجريدها دون فهم مغزى أن تلتقي «حزب الله» صيفا ولا تلتقيه شتاء، بل مغزى أن تلتقيه ولا تلتقيه صيفا أو شتاء، تلتقيه في خندق المقاومة ولا تلتقيه في خلفيته العقَديّة أو في برنامجه الاجتماعي ورؤيته المجتمعية.
فلقد بات من ثوابت الأدب السياسي ونظريّة التحرير أنّ الوطن حين يتعرّض للخطر الخارجي يفرض على كافة الفرقاء داخله أن يُخضعوا تناقضاتهم للتّناقض الرئيسي مع الخطر الدّاهم. ولقد كان لبنان وقتها، في تلك الصائفة، تحت نار العدوان الصهيوني الغاشم وكان لابدّ من صفّ وطني عريض قدر الإمكان جسّدته المقاومة ميدانيّا، ومِن فرز يَكشف وجوه العملاء العاملين على وضع لبنان تحت الوصاية الاستعمارية الجديدة والتضحية بشعبه ومقاومته وعروبته.
وكان «حزب الله» (الذي لا أرتضي خلفيته العَقَديّة ورؤاه الاجتماعية...) أبرز فصائل المقاومة الوطنية. فهل تَحُول خلافات الغد حول نمط المجتمع والحكم دون اتّفاقات اليوم حول التصدّي للعدوان ومقاومة الاحتلال ورفع الإذلال؟ إنّ الديمقراطي أو العلماني أو الحداثي الذي يتخلّف عن معركة التحرّر الوطني أو يشكّك فيها وفي عدالتها يفقد مصداقيته ولا يجد من يصغي إلى خطابه الديمقراطي أو العلماني أو الحداثي، وأولى به أن ينسحب داخل قوقعته وينتظر أيّامًا سعيدة خالية من العنف مادام لا يريد معالجة ظاهرة العنف بما هي نتاج مجتمع الاستغلال والاضطهاد، ومادام لا يريد التمييز بين عنف الظالم وعنف المظلوم ولا يرى من حلّ سوى «الفعل الإيجابي» (؟؟!) والاحتكام إلى «الشرعية الدولية» و «المنتظم الأممي» و «المطالبة بالحقّ» (!!!)
وحين يستوعب المرء طبيعة المرحلة والمعركة والتناقضات ويستخلص الدروس ويستوي عنده ميزان التفكير فإنّه لن يجرؤ على الاستخفاف ب «مثقّفي الهويّة» أو على الأقل لن يضعهم في كيس واحد، ولن يتحدّث عن الحداثة والعلمانية والحرية حديثا مجرّدا، كما لو أنّ هذه مفاهيم نازلة من السماء ولم يكن لها تاريخ وصلة بالواقع وحراكه وتناقضاته.
فالحداثة التي نقف اليوم على فشل ما تناهى منها إلى مجتمعاتنا لم تفشل، فيما نرى، إلاّ لكونها لم تنبت في التربة الوطنية ولم تنشأ عن ضرورة داخلية بل كان إسقاطها عن طريق الحَقْن الخارجي (العنف الاستعماري والإلحاق) فمسّت القشرة والجلد وما مسّت العقل، والروح، فظلّت حداثة أزياء وأثواب وأشكال مبطّنة بِخلطة من هويّتين متنابذتين: هويّة قويّة غالبة منتجة وهويّة ضعيفة مستضعفة مستهلكة وجدت في الدّين والقناع التديّني حصنها الأخير، ويبدو لنا بقاؤها وتعافيها مرتهنا بإقبال أهلها على التّفكير الجدّي في شروط نهضتهم التي لا تبدأ من التخلّي عن هويتهم بل من إعادة النّظر في مفهومها ومحتواها بما هي معطى حيّ يتشكّل عبر التاريخ والتناقض ويضمّ إلى عناصره القديمة عناصر جديدة ويحوي، عدا عناصره المحافظة عناصر تحرّريّة، والدّين بما هو عقيدة لا نراه يشكّل أحد تلك العناصر (لأنّ المعتقد شأن خاصّ وأمر شخصي) بل نراه يُسهم في تشكيلها بما هو حضارة شيّدها إبداع معتنقيه من مختلف الأقوام والطوائف. وهذه الفكرة تضع المقال على عتبة النّقاش الذي يثيره ردّ الدكتور أبو يعرب المرزوقي، والذي نزمع إجراءه لاحقًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.