منذ مدّة قصيرة وبعد القيام بمهمة في لندن وبلاكبول (قرب بلفاست) عرّجنا عبر المانش على فرنسا (اضطرارا) لان ذاك مدخلنا الى بلاد ديغول واختيارا الى بلجيكا التي تتخذ فيها قرارات «الاطالسة» لذبح الناس عبر العالم على شريعة القانون الدولي وحديثنا هنا عن حلف شمال الاطلسي سيء الذّكر وحاشا ان يكون حديثنا عن الأخ غير الشقيق لومي ميشال وزير الخارجية البلجيكي الذي قالها صارخا في وجه العالم لا لحرق بغداد نعم لجلد الطاغوت شارون.. عفوا.. ما لنا سرحنا... هذا ليس موضوعنا.. ولنعد الى قطيعنا كما يقول المثل الفرنسي وما موضوعنا الا أبناء جلدتنا.. اهلنا المتناثرون على بساط القارة العجوز ولكنهم متكاثرون جدا في فرنسا وبدرجة اقل في ايطاليا وبأقل قليلا في بلجيكا.. ولئن تحدثنا سابقا عن بعض الجوانب من حياة هؤلاء فاننا سنحاول هذه المرة الدردشة مع اهلنا في فرنساوبلجيكا على ان تكون لنا زياة «كبيرة» لابنائنا في ايطاليا الذين يقول عنهم صديقنا منذر مرزوق قنصل تونس في جنوة بانهم بلغوا الرشد وانطلقت مرحلة القطع مع بعض الامور التي كانت ولا تزال مثار قلق للجميع في الداخل.. و»البرّة». بعد زيارة سريعة الى «مخيم» فيل جويف وهي ضاحية من ضواحي جنوب العاصمة الفرنسية وعلى مرمى دقائق من مطار اورلي هذا المخيم الذي هو عبارة عن تجمع لرجال فقط من اقطار شتى منها المغاربي ومنها الشرق اوروبي ومنها الافريقي وهو العنصر الحاكم في أغلب هذه المخيمات التي تحيط بعاصمة النور من كل زواياها المظلمة!! هناك استضافنا السيد علي بن صالح أصيل أحد أرياف غمراسن المقيم هناك منذ اكثر من 20 سنة لنذهب معه ونقيم ليلتين ولتكون الفرصة سانحة لنرى ونسمع اشياء أخرى عن خبز الغربة المغموس في الوحل. في الوجع. في المعاناة. هناك التقينا في الطابق الثالث من المبنى مجموعة من التونسيين من مختلف انحاء الوطن تُفرقهم المكابدات اليومية ويجمعهم الحنين الى الزيتون والنخل والبيادر ولكن اغلبهم لا يقدرون إما لموقع سياسي او لوضع اداري... حيث كثير منهم «حارقون» «درجة اولى» بما ان محطتهم باريس وليست لامبيدوزا او جبال البوسفور التركية حيث يتوفر خياران لا ثالث لهما اما الموت بردا واشواكا وجوعا او الموت برصاص مقامري الحدود وتجار التسلل.. ولنعد الى المخيم الذي و للحقيقة فقط نقول انه افضل وانظف واشيك من اي واحد من هذه المواقع التي تدعى عندنا فنادق في باب الجديد وباب منارة وباب الجزيرة وحول محطة برشلونة.. حيث لا ناموس فيها ولا فئران ولا جدران متداعية ولا «خلائق» يسكرون الى الفجر تحت شباك غرفة لو قدر الله وكان لها شباك نغلق القوس.. بعد جولة في هذا المخيم الذي يستغل طابقه التحت ارضي sous/sol كمسجد جامع.. امتطينا مترو الانفاق لننزل في محطة «بئر حكيم» Bir hakim وهي محطةبرج ايفيل Tour Effel هناك غابت الوجوه الشاحبة التي تركناها في الضواحي الجنوبية لتحل محلها اخرى تدفع مقابل بعض الدرجات على البرج ما يفوق الثلاثين دينارا !! انها وجوه متراوحة بين سُمرة صحاري الشرق وشقرة متْرفي الغرب والشرق الاقصى... هؤلاء في مدار بعيد عن مدار صاحبكم الموقع اعلى هذا مما دعاني الى ترك المكان دون تسلق كتلة الحديد تلك ولا الحديث الى متسلقيها لنحط الرحال في برباس او كما اتفق اهلنا على تسميتها «زرقون» باريس.. هناك يختلط الحابل بالناب، فوضى وضجيج واوساخ وتسوّل و»تقازات» ودعاة الى الدين ودعاة الى الدعارة!! وأباطرة تهريب المارلبورو وما شابه.. وسط يافطات عديدة تلح على لفظ «حلال»في موقع تداخلت فيه الامور الى حدّ انك تلتمس العذر للمعرّي وهو يتمرغ ذات فجر غير مستوعب لما يحدث حوله في اللاذقية بين المآذن والنواقيس!! وكم اسعدتنا ردّة الانفاس تلك التي رزقنا بها..إنها الزميلة «الشروق».. وكذا «البيان» عندما توقفنا على موضع قدم لنشرب قهوة «حلال» بدينارين ونصف في مقهى شعبي جدا جدا سمح لنا بقنص تونسيين من خلال لهجتهما القحة (بوها، صحوبة).. ولم نفوت الفرصة لننتزع منهما بعض الملاحظات عن هذا الموقع وغيرهما وعن ظروفهما وغيرهما من جاليتنا.. وكم سعدنا عندما غمرانا بودّ لا نظير له حتى ان احدهما وهو اصيل اولاد الشامخ من ولاية المهدية قال بالحرف «إني ارى فيك تونس وإقليم السواسي الكبرى» ودفع الطاولة ليقبلني ويستنهض همّة النادل بفرنسية متواضعة «اخدمه إنه منّا.. من هناك.» سي محمدهذا عامل باحدى المقاولات ولكنه يكتنز الكثير من الوطنية والصدق وكذا الثقافة والجرأة خاصة لما حدثنا عن اذاعة المتوسط التي لا شغل لها سوى»ندب وجوهنا» كل صباح!! اما رفيقه محمد علي اصيل ولاية جندوبة (نجار) فقد حمل بشدّة على ممارسات الخطوط التونسية وشركة النقل البحري CTN واصفا اياهما ومتهمهما بامور كثيرة شأنه شأن مهاجري بلجيكا الذين سنأتي على ذكرهم لاحقا ولكن قبل ذلك آثرنا التوجه الى السفارة حيث تم استقبالنا هناك بكثير من الترحاب من الاخ المستشار الحبيب المكني الذي اكرم وفادتنا وافادنا بان الحرص الرئاسي الشخصي على الاحاطة بالمهاجرين يعتبر مدعاة فخر لهم وامانة ثقيلة على عاتقنا كإطارات ديبلوماسية واجتماعية حيث تكفي الاشارة الى ان في فرنسا وحدها 9 وحدات ديبلوماسية.. فالى جانب السفارة هناك 4 قنصليات عامة في كل من مرسيليا، ليون، نيس وباريس وكذا 4 قنصليات في كل من نانتير، سترازبورغ. تولوز ورينوبل. السيد المكني اضاف ان فضاءات جديدة اخرى موجودة في عموم التراب الفرنسي على غرار الوحدات الاجتماعية كفضاءات الاسرة والتربية والتعليم لتأمين الوازعين الوطني والمديني...