لئن كانت فئة الشباب القوّة الفاعلة في كل المشاريع الاجتماعية والاستراتيجيات الحضارية باعتبار أن مستقبل الشعوب وآفاق تطوّرها يبنى على مدى صهر هذه الطاقات داخل حركة المجتمع والتاريخ، فإن العقود الاخيرة بما افرزته من انماط اقتصادية نيوليبيرالية وسياسيات اجتماعية وتنموية غير عادلة قد ازاحت فئة الشباب ولو جزئيا من نواه ديناميكية المجتمع وحيويته، بما افرز وواقعات وعي جديدة. ويمكن ان نقول ان الشباب العربي هو من أكثر شباب العالم استهدافا وذلك انطلاقا من درجة التبعية والتخلف التي تعيشها أغلب الدول العربية. وبفضل دوره التاريخي فيما اصطلح على تسميته «بالربيع العربي» أزال الشباب كل الغبار ورفع الستائر والحجب التي رسمت مسافة بين حقيقة واقعه المادي أو الرمزي وبين ماهو قادر على فعله في اطار ما يجب ان يكون. وقد تبيّن أن الشباب اكثر الشرائح معاناة في كل الحقول والمجالات في كلّ الهوامش والتمفصلات لكنه مع ذلك كلّه لم يفقد تلك الشرارة التي توقد الانوار او النيران... وبقطع النظر عن واقع الشباب العامل أو الظروف القاسية للعاطلين والمهاجرين والمبدعين والطلاب والمنخرطين في هياكل اجتماعية او سياسية، فإن هذا المنعطف التاريخي الذي تشهده اغلب الشعوب العربية يدعو اليوم واكثر من اي وقت مضى إلى اعادة قراءة البنى الذهنية والنفسية للشباب حتى تتمكن المشاريع التنموية عامة من ضبط استراتيجيات تنهض على ان يكون الشباب احدى قاطراتها. وفي هذا الملف سنحاول ملامسة هذه الجوانب الخاصة والمتجذرة في التركيبة الذهنية والنفسية للشباب حتى نتعرّف على بعض الخطوط العريضة على ما يحتمل في هذه الطاقات من قوّة وفاعلية. الأستاذ عادل الحامدي : مستقبل الأحزاب والتنظيمات مرتبط بالشباب انطلاقا من تجربتي في قيادة الاتحاد العام لطلبة تونس وفي حزب العمل التونسي وحزب حركة المواطنة والعدالة واخيرا بالاتحاد الوطني الحرّ، فإنني ارى ان اهم الاسباب التي تجعل الشباب يعزف عن الانخراط في الاحزاب السياسية والنضال صلب المنظمات الاجتمخاعية ومكوّنات المجتمع المدني، تتعلق اساسا: أوّلا: بحالة القمع والاستبداد والتهميش التي انتهجها النظام السابق تجاه كل المكوّنات بصورة عامة وتجاه الشباب بصورة خاصة وهو ما أدّى الى عزوف الشباب عن العمل السياسي والجمعياتي. ثانيا: لم تكن الاحزاب والمنظمات تولي الاهتمام الكبير والعناية الفائقة بفئة الشباب داخل هياكلها حيث غابت استراتيجيات التكوين والتأطير بما جعل الشباب موظفا في مناسبات ترتبط اما بالاحتجاج او التظاهر خدمة لمصالح شخصيات معينة داخل أغلب هذه الاطر. ورغم قيام الشباب بالثورة وأهمية التضحيات التي قدّمها، الا انه لا يزال يعزف عن التنظم وذلك لفقدان الثقة في القيادات الحزبية والجمعوية. فحالات اللاتنظم وكأنها تعطي ضربا من الحرية والمرونة للفعل والنضال بالنسبة إلى فئة الشباب. ولعلّ أبرز مؤشر ميداني يعكس بعد الشباب عن واقع التنظيم والتعبئة ما حصل في المدّة الاخيرة من أعمال عنف التي وظف فيها الشباب بشكل غير مسؤول وذلك بقطع النظر في الخلفيات السياسية والفكرية التي حرّكت هذه الاعمال. وان المطروح اليوم على الاحزاب كما على المنظمات، هو بناء منظمات شبابية فاعلة وشريكة في اتخاذ القرار لان مستقبل العمل السياسي والجمعوي يبقى مشروطا بمدى الفعل المؤثر للشباب فيه ومدى قدره هذه التنظيمات على فسح المجال حتى يعتلي الشباب مواقع قيادية صلبها. سالم العياري :استغلال ثمن النضال ليس على حساب أبناء الشعب ومن خلال المرسوم الخاص بالوظيفة العمومية ان الحكومة بصدد مكافأة مناضليها وان القانون مخصص لاستخلاص ثمن النضال حيث قدر الوزيران عدد المنتفعين سيكون بضعة آلاف في حين ان التقديرات الحقيقية تؤكد ان تعدد المنتفعين بالتشغيل في الوظيفة العمومية في اطار العفو التشريعي العام سيبلغ 14 الف واذا ما حذفنا عدد أبناء عائلات الشهداء والجرحى والحالات الاجتماعية فإن عدد الوظائف المفتوحة للناس العاديين من أبناء هذا الشعب ومن البسطاء لن يتجاوزوا 3000 آلاف اي وكنا قد طالبنا بان يقع فتح باب الوظيفة العمومية بصفة خاصة امام عائلات الشهداء والجرحى والمتمتعين بالعفو التشريعي العام والحالات الاجتماعية ولكن خارج ال 25 ألف موطن شغل. ولذلك وأمام عدم استجابة قانون الوظيفة العمومية لتطلعاتنا بوصفنا معطلين فقد قررنا الدخول في تحرك امام مقر المجلس التأسيسي في بداية جويلية المقبل اذ من غير المعقول ان نشغل الدولة بضعة آلاف من المعطلين من اصحاب الشهائد والبالغ عددهم 247 ألف مع السنة الجامعية الحالية. اسكندر الدخلي .التخلي عن الحلول الترقيعية فوجئنا كالعادة بالمصادقة على قانون الوظيفة العمومية داخل المجلس التأسيسي دون استشارتنا كمنظمة وطنية للمحرومين من حق الشغل راغم مطالبتنا في أكثر من مرة بالكف عن هذه الممارسات والقطع مع هذه الطرق القديمة الانتداب والتي لم ترضي العاطلين وقد تقدمنا بعديد المقترحات غير ان سلطة الاشراف لم تأخذ بها والوظيفة العمومية ليست مجرد مواطن شغل بقدر ماهي مسألة حيوية للدولة وللمجتمع وهو ما يستوجب عملية اصلاح جذري يقع بالتشاور مع كافة المكونات من سلطة وعاطلين فطريقة الانتداب المعتمدة لا يمكن ان تفضي الى اصلاح واقع الادارة ولا إلى ارضاء العاطلين فهذه الطريقة فحافظ على نفس السلبيات التي تعاني منها منظومة الشغل في العهد السابق وهي غياب الجدارة والشفافية فمن طالت بطالتهم يجب اعادة تكوينهم ورسكلتهم لا الزج بهم في الوظيفة العومية فعلى الدولة ايقاف تنفيذ القانون والرجوع لاستشارة الجميع وعدم انتهاج الحلول الترقيعية لان نتائجها ستكون وخيمة. فلة الرياحي: حكومة تتفرد بالرأي ولا تبحث عن حلول ان قانون الوظيفة العمومية الذي صادق عليه المجلس التأسيسي منذ أيام يعد ضربة جديدة لطالبي الشغل في تونس من أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل ومن غيرهم حيث بدى من الواضح ان هناك ترضيات سياسية مقابل اهمال كامل لاصحاب الشهائد المعطلين عن العمل ان يبدو الامر وكأن هذه السنة مرت دون تشغيل أصحاب الشهائد الغريب في الامر ان الحلول موجودة وممكنة ومنها مثلا الحلول التي اقترحناها غير ان هذه الحكومة لا تريد الاستماع إلى احد وتنفرد بالرأي ومن الواضح انها تعول كثيرا على الاستثمارات الخاصة الاجنبية التي طال انتظرها ولن تأتي وأمام هذه الوضعية فان اتحاد اصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل لن يسكت وسنتحرك للحد من تجاهل الشباب وخاصة اصحاب الشهائد. حاتم العويني : العمل والعطالة لدى الشباب سيّان لا شك في ان الغالبية من شريحة الشباب اليوم في تونس هم من المعطلين عن العمل وذلك سواء كانوا من اصحاب الشهادات العليا او من ذوي المستوى التعليمي المتوسط. كما ان النسبة الاكبر من الشباب العامل تعمل في ظروف قاسية اما في اطار المناولة او متن خلال مرونة لا تمكنهم من حقوقهم الاساسية سواء المتعلقة بالعمل اللائق او بالاجر القانوني او بالتغطية الاجتماعية والعطل السنوية. وان كان العمال في القطاع الخاص يعتبرون ظروف عملهم قاسية، فإن حالتهم المادية لا تفوق كثيرا حالة المعطلين على العمل، بل لعلهم يمثلون احتياطيا لواقع البطالة وفائضها. ولا يمكن ان نعتبر العاملين في القطاع العام اوفر حظا ذلك ان سن الانتداب جاء متأخرًا بعدما تعقدت الحالات النفسية للمخرجين واصحاب الشهادات العليا الذين قضوا بدورهم سنوات عطالة طويلة. وبناء عليه يمكن تفسير تراجع او قلة الانتماء إلى العمل النقابي أو العمل السياسي والذي يُحدّد سقفه سن 35 عاما. وحتى بعد الثورة التي شارك المعطلون جنبا الى جنب مع العمال، فإنّ العزوف عن العمل السياسي أو العمل الجمعوي ظلّ متواصلا وكأن هذه الاطر لا تساعد على فتح آفاق رحبة للشباب في عطالته أو شغله. ملف من إعداد الحبيب الشابي وطارق السعيدي